الصفحة الرئيسية | السيرة الذاتية مراجعات أعمال د. الصويان الأعمال المنشورة | الصحراء العربية: شعرها وثقافتها | أساطير ومرويات شفهية من الجزيرة العربية
 الثقافة التقليدية مقالات صحفية في الأدب الشفهي مقالات صحفية بالعربية محاضرات عامة معرض صور تسجيلات صوتية موسيقى تقليدية
ديواني
| كتب في الموروث الشعبي مخطوطات الشعر النبطي أعمال قيد النشر لقاء تلفزيوني مع محطة العربية مواقع ذات علاقة العنوان

Home | Curriculum Vita | Reviews | Publications | Arabian Desert Poetry | Legends & Oral Narratives  
Traditional Culture
|
Articles on Oral Literature | Articles in SaudiDebate | Public Lectures |  Photo Gallery | Sound Recordings
Traditional Music
| Anthology | Folklore Books | Manuscripts | Work in Progress | TV Interview | Relevent Links | Contact

 

أدب البدو في كتابات الرحالة والمستشرقين

3) الفرنسيون يحاولون اللحاق بالركب

 

في سنة 1919م نشر كارلو دي لاندبرج Carlo de Landberg ثلاث سوالف بقصائدها جمعها أثناء تجواله في منطقة حوران. ويشير لاندبرج إلى أنه جمع السالفة الأولى والثالثة من فلاح مسيحي يدعى موسى رارا من أهالي قرية خبب التي تقع في حوران. والغريب أن لاندبرج يدعي أن موسى هذا أكد له أنه هو الذي أملى على فيتشتاين في دمشق السالفة التي لخصناها أعلاه وأن فيتشتاين لم يذهب بتاتا إلى مضارب قبيلة ولد علي كما يدعي. السالفة الأولى التي يوردها لاندبرج سالفة ماجد الحثربي مع قصيدته التي مطلعها حسب هذه الرواية "ياعمرو يامشكاي يافرحتي شوف" ومجموع أبياتها سبعة عشر بيتا. لكن السالفة كما أوردها لاندبرج تختلف كلية عما هو متداول بين الرواة في نجد وشمال الجزيرة العربية. كما تختلف أيضا رواية السالفة الثالثة التي تتحدث عن سعدون العواجي وما جرى له مع شامخ عن تلك التي أوردها محمد بن أحمد السديري في كتابه أبطال من الصحراء. كما يورد لاندبرج سالفة عن شيخ من شيوخ البادية يسمى الحياري وانتصاره على الدالي موسى الذي أرسلته الدولة العثمانية للقضاء عليه. بعد انتصاره على الدالي يقول الحياري قصيدة من ثمانية عشر بيتا يبدأها بقوله "يقول الحياري الذي شاع ذكره// وحمد الفتى قبل الفعال ضلال". وعلى الرغم مما أوردناه من ملاحظات على هذه الروايات وصحتها التاريخية إلا أن صياغتها جيدة وأسلوبها جميل ولغتها قريبة جدا من لغة البدو وطريقتهم في الحديث والرواية.

في الثلاثينات من هذا القرن الميلادي نشر روبرت مونتان Robert Montagne بعض السوالف والقصائد التي دونها من رواة شمر الجزيرة. إثنتان من هذه السوالف والقصائد تتعلقان بحياة شايع بن مرداس الامسح الشمري ومغامراته، والبقية تتألف من ستة عشر سالفة بقصائدها جمع العشر الأولى منها من هليّل العلوان من عبدة وجمع الخمس التي تليها من محمد الخشان من الخرصة والأخيرة جمعها من قبيلة طي. والقيمة الأدبية لهذه السوالف ضعيفة جدا ويبدو أن الرواة الذين أخذ عنهم مونتان ليسوا على المستوى المطلوب. وواضح من عناوين هذه السوالف أنها من الأدب المتداول في البادية العربية لكن الروايات النجدية حسب ما سمعتها وجمعت بعضا منها بنفسي من مصادر شفهية أفضل من هذه بكثير.

وبعد ذلك مرت فترة فترت فيها الجهود الاستشراقية في مجال جمع ودراسة الشعر النبطي وإن كانت نشطت بشكل ملحوظ فيما يتعلق بدراسة اللهجات. وسبق أن ألمحنا إلى أن فنلندا، على يد أوغست والين، لها فضل السبق والريادة من حيث الاهتمام الأكاديمي بالشعر النبطي. وفي السبعينات من هذا القرن تعود فنلندا مرة أخرى على يد البروفسور هايكي بالفا Heikki Palva من جامعة هلسنكي لتحتل مركز الصدارة في هذا المجال. والبروفسور بالفا عالم مرموق في مجال الدراسات اللغوية والأسلوبية، وخصوصا دراسة اللغات السامية واللهجات العربية وأسلوب الرواية الشفهية، ومؤلفاته في هذا المجال أكثر مما يسمح المجال بحصره هنا. وتتركز اهتماماته على دراسة لهجات بادية الأردن مثل الحويطات والعجارمة وبني صخر ومناطق السلط والبلقا وحصبان. ونشر بالفا مقالة عن قضايا الوزن في الشعر البدوي من وجهة النظر اللغوية.

ولا تخلو دراسات بالفا اللغوية من النفس الأدبي نظرا لطبيعة المادة التي يتعامل معها والتي تتألف معظمها من سوالف وقصائد شفهية يسجلها من الرواة أثناء وجوده بين أهل المناطق والقبائل المذكورة. ودراسات بالفا عظيمة الفائدة من الناحية اللغوية والأسلوبية، لكنها قد تكون أقل قيمة من الناحية الأدبية بالنسبة للمهتمين بالشعر النبطي. من يقرأ السوالف والقصائد التي يوردها في دراساته لا يخامره أدنى شك في أن منشأها من نجد ومن القبائل التي تقطن شمال الجزيرة العربية. لكنها أثناء هجرتها إلى الأردن وفلسطين تصبح على ألسنة الرواة من الفلاحين هناك مختلفة اختلافا واضحا عن الأصل المتداول في نجد، وتطرأ عليها تحولات جذرية لا من حيث اللغة ولا من حيث المضمون، لدرجة أن القصائد تختل أوزانها وتفقد الكثير من نسيجها الشعري ورونقها الفني. وأشك أن أصحاب النظر والمتذوقين لهذا اللون من الأدب من أهالي نجد والبادية سيستسيغون هذه النماذج ويستمتعون بها لو ألقيت على مسامعهم. ومرد ذلك إلى التباين اللغوي والثقافي بين البيئة الأصلية التي نشأ فيها هذا اللون من الأدب وبين بيئة الفلاحين التي جمع منها بالفا مادته.

ومن المستشرقين المعاصرين الذين لهم عناية بجمع نصوص من الأشعار والسوالف البدوية من مصادرها الشفهية ودراستها دراسة لغوية بروس انغام Bruce Ingham من جامعة لندن. نشر انغام في عام 1986م كتابا من مائة وخمس وثلاثين صفحة عن قبيلة الظفير وتاريخها مع دراسة لغوية. وفي هذه الدراسة يورد انغام أربعة عشر سالفة بقصائدها استقى أكثرها من نايف بن حمود بن سويط والباقي من محمد بن سعدون بن سويط ومهدي بن دغيّم القاسمي ومطني بن مجوي الخالدي. وكل هذه السوالف والقصائد تدور حول تاريخ قبيلة السويط وأفعالها في العصور السابقة. ومن المقالات الممتعة والمفيدة التي نشرها انغام مقالة له عن المصطلحات الخاصة بالإبل عند قبيلة المرة، وله مقالة نقدية عن "السالفة" كجنس أدبي.

ومن المصادر المفيدة في دراسة شعر البادية أعمال الباحث الإسرائيلي كلينتون بيلي Clinton Bailey الذي أمضى حوالي عشرين عاما في دراسة أحوال بادية سيناء وصحراء النقب ونشر العديد من المقالات وكتابا بعنوان Bedouin Poetry from Sinai and the Negev يحتوي الكثير من القصائد التي جمعها من الرواة والشعراء البدو ونشرها بنصوصها العربية مع ترجمات إنجليزية. وتتسم أعمال بيلي بالنزعة الإثنولوجية حيث أنه يركز على النواحي الثقافية والاجتماعية والتاريخية ويلجأ إلى الشعر للحصول على معلومات من هذا القبيل. ويؤخذ على بيلي ضعف الجانب اللغوي في أبحاثه حيث من الواضح أن تأهيله في العلوم اللسانية يعاني من القصور وهو لا يجيد لغة البدو إجادة تسمح له بفهم أشعارهم وتذوقها على الوجه الصحيح. ومع ذلك تبقى مؤلفات بيلي من أهم المراجع التي في أيدينا عن شعر بادية سيناء والنقب.

ومن الملاحظ أن الدراسات اللغوية تحتل مركز الصدارة في معظم جهود المستشرقين التي استعرضناها حتى الآن. وجمع نصوص القصائد النبطية والسوالف البدوية وتحليلها بالنسبة لهؤلاء المستشرقين الذين تحدثنا عنهم ليس أمرا مطلوبا لذاته وإنما هو يأتي كحاشية لاهتمامات أخرى أشمل وأعم مثل دراسة اللهجات العربية واللغات السامية والدراسات التوراتية. والقليل من هؤلاء له اهتمام مثلا بالدراسات الشعبية أو الأنثروبولوجية أو الدراسات الأدبية المقارنة. بل إن البعض منهم، مثل ألبرت سوسين، يثير الشكوك والتساؤلات حول القيمة الفنية والجمالية لهذا الأدب ويتعامل معه باستعلاء شديد. وبدون التقليل من أهمية هذه الدراسات وقيمتها العلمية إلا أنه لا يوجد بينها ما يصلح في نظري كمدخل أدبي جيد للشعر النبطي يبرز خصائصه الفنية وسماته الجمالية. هذا المدخل الأدبي مفقود في جميع هذه الأعمال ولا يتوفر إلا في كتابات المستشرق الهولندي المعاصر مارسيل كوربرسهوك Marcel Kurpershoek. انصب اهتمام كوربرسهوك في بداية حياته العلمية على الأدب العربي المعاصر، وخصوصا فن الرواية والقصة، وكتب رسالته للدكتوراه عن يوسف إدريس. وبعد أن عين موظفا في السفارة الهولندية بالرياض بدأ اهتمامه بلهجة نجد والشعر النبطي. وطوال السنين التي أمضاها في عمله بالسفارة كان دؤوبا على مجالسة الرواة والشعراء النبطيين البارزين وقراءة الدواوين الشعرية المطبوعة وكل ما يتعلق بالشعر النبطي من مصادر تاريخية وجغرافية حتى أصبح يفهم هذا الشعر ويتذوقه ويتحسس مواطن الجمال فيه والإبداع بشكل يفوق جميع من سبقه من المستشرقين. ثم صار يشد الرحال إلى البادية ويمضي الأسابيع والأشهر يجوب الفلوات حتى سبر حياة البدو وتمثل قيمهم واستوعب طرائقهم في السلوك والتفكير والتعبير.

نشر كوربرسهوك العديد من الدراسات والمقالات عن الشعر النبطي باللغات العربية والهولندية والإنجليزية. ومن أهم أعماله كتابان الأول صدر عام 1994م ومجموع صفحاته 368 صفحة وهو عبارة عن جمع ودراسة لأخبار وأشعار الشاعر عبدالله بن محمد بن حزيّم الدوسري الملقب الدندان من الحرارشة من الرجبان جمعها من الشاعر نفسه أثناء تجواله معه في بادية وادي الدواسر. والآخر صدر عام 1995م ومجموع صفحاته 510 صفحات وهو جمع ودراسة لأخبار وأشعار الفارس شليويح بن ماعز العطاوي وأخيه بخيت جمعها مشافهة من خالد بن مشعان بن فاجر بن شليويح العطاوي أمير مركز عبلا قرب عفيف. وتتميز دراسات مارسيل بالدقة العلمية والعمق والشمولية والفهم الواعي والسليم لمعاني الشعر النبطي ولغته وصوره وأساليبه الفنية.

وهناك عملان مهمان لابد من الإشارة لهما ولو باقتضاب وإن كانا يقعان جغرافيا وثقافيا على هامش دائرة الشعر النبطي. هذان العملان هما دراسة Lila Abu-Lughod عن أشعار نساء قبيلة ولد علي في صحراء مصر الغربية ودراسة Steve C. Caton عن شعر قبائل بكيل في منطقة خولان الطيال شرق اليمن. أرى أن هذان العملان يمثلان نموذجا ممتازا في تطبيق المقترب النقدي الأنثروبولوجي في دراسة الشعر العامي ومحاولة الغوص إلى أعماق الوظائف النفسية والاجتماعية لهذا الأدب ومحاولة استكشاف البنى الذهنية والشعورية التي تشكله.

 

<< الصفحة السابقة  |  مقالات صحفية في الأدب الشعبي  |  أعمال قيد النشر  |  الصفحة التالية >>