الصفحة الرئيسية | السيرة الذاتية مراجعات أعمال د. الصويان الأعمال المنشورة | الصحراء العربية: شعرها وثقافتها | أساطير ومرويات شفهية من الجزيرة العربية
 الثقافة التقليدية مقالات صحفية في الأدب الشفهي مقالات صحفية بالعربية محاضرات عامة معرض صور تسجيلات صوتية موسيقى تقليدية
ديواني
| كتب في الموروث الشعبي مخطوطات الشعر النبطي أعمال قيد النشر لقاء تلفزيوني مع محطة العربية مواقع ذات علاقة العنوان

Home | Curriculum Vita | Reviews | Publications | Arabian Desert Poetry | Legends & Oral Narratives  
Traditional Culture
|
Articles on Oral Literature | Articles in SaudiDebate | Public Lectures |  Photo Gallery | Sound Recordings
Traditional Music
| Anthology | Folklore Books | Manuscripts | Work in Progress | TV Interview | Relevent Links | Contact

 

الحقبة الغريرية 1

أمراء آل غرير

شعراء دولة آل غرير

الهزاني وأبو عنقا وآخرون 

شعراء من سدير

 

أمراء آل غرير

بعد استشهاد مقرن بن زامل بن أجود الجبري سنة 927هـ، في محاولته صد الهجوم الذي شنه البرتغاليون على البحرين، احتد الخلاف على السلطة بين فروع الأسرة الجبرية ودب فيهم الضعف مما أدى إلى اضمحلال نفوذهم في الأحساء. وبحلول سنة 931هـ استطاع راشد بن مغامس، شيخ المنتفق وحاكم البصرة انذاك، أن ينتزع الأحساء من الجبريين وينهي حكمهم هناك. ومع ذلك فإن نفوذ الجبريين استمر بعد ذلك لفترة من الزمن في عمان وليس من المستبعد أنه استمر أيضا بين بعض القبائل الرحل في شرق الجزيرة العربية. وتذكر المصادر البرتغالية أن مقرن بن زامل له ابن اخت دعته حميد لعب دورا هاما في الدفاع عن البحرين وكان يقود الجيوش الجبرية أثناء تغيب خاله مقرن في الحج. وبعد مصرع مقرن على يد البرتغاليين تولى حميد هذا قيادة الفلول الجبرية المنهزمة. ومن غير المستبعد أن حميد هذا هو الجد الذي تنتسب إليه أسرة آل حميد، وقد يكون الاسم محرفا عن ابن حميد الذي يحتمل أنه كان شيخ قبيلة بني خالد في ذلك الوقت، فلولا مكانته وزعامته لما صاهره مقرن بن زامل. ولا شك أن المصاهرة وصلة القربى القبلية بين الجبريين وبين آل حميد زادت آل حميد رفعة وشرفا وهي التي مهدت لهم فيما بعد ليعلو شأنهم ويتزعموا قبيلتهم لتصبح أكبر قوة محلية في شرق الجزيرة العربية.

وبعد ربع قرن من زوال الدولة الجبرية يزحف العثمانيون على الأحساء في محاولة منهم لدرء خطر البرتغاليين وصد هجماتهم. وترد إشارات في الوثائق العثمانية إلى زعيم خالدي من آل حميد يدعى سعدون كان له دور بارز في مقاومة جهود العثمانيين للاستيلاء على المنطقة. وفي هذه الفترة يحتدم الصراع بين القوى المختلفة وتتشابك أحداث المنطقة إلى درجة التعقيد. فهنالك البرتغاليون وهنالك العثمانيون وهنالك أمراء الأفراسياب في البصرة، هذا عدا آل مغامس شيوخ المنتفق وآل حميد شيوخ بني خالد. ولا تعنينا تفاصيل هذه الصراعات بقدر ما يعنينا تأكيد الوثائق البرتغالية والعثمانية التي تناولت أحداث الأحساء في تلك الفترة على أهمية الدور الذي لعبته قبيلة بني خالد وزعماؤها من آل حميد في هذه الأحداث منذ انتهاء الدولة الجبرية عام 932 وحتى تمكن براك بن غرير من بسط سلطته على الأحساء والاستقلال بولايتها بعد أن طرد العثمانيين منها في أواخر العقد الثامن من القرن الحادي عشر الهجري. وقبل استقلاله بولاية الأحساء بعدة سنوات كان اسم براك بن غرير يرد في الوثائق العثمانية كزعيم قوي يحسب له حساب. ويجد القارئ تفاصيل عن تاريخ هذه الفترة المضطربة في كتاب عبدالكريم بن عبدالله المنيف الوهبي بنو خالد وعلاقتهم بنجد.

 

مشجر أمراء حميد: وضعنا أرقاماً تسلسلية أمام الأمراء اللذين تولوا السلطة

 

واشتهر حكام الأحساء من بني خالد بلقبهم آل حميد نسبة إلى جد لهم قديم، واشتهروا كذلك بلقب آل غرير نسبة إلى غرير بن عثمان بن مسعود بن ربيعة وأول من حكم فيهم براك بن غرير، ثم اشتهروا فيما بعد بآل عريعر نسبة إلى عريعر بن دجين بن سعدون بن محمد بن غرير. وظلوا يحكمون الأحساء قرابة مائة وثلاثين عاما حتى انضوت دولتهم تحت الحكم السعودي في العقد الأول من القرن الثالث عشر الهجري.

ومن أبرز الأشخاص الذين ساعدوا براك بن غرير في الاستيلاء على الأحساء ابن عمه محمد بن حسين بن عثمان وشخص آخر اسمه مهنا الجبري. يقول الفاخري "وفي سنة ثمانين بعد الألف استولوا آل حميد على بلد الأحساء، أولهم براك آل غرير ومعهم محمد بن حسين بن عثمان ومهنا الجبري وقتلوا عسكر الباشا الذي في الكوت وطردوهم." (الفاخري د. ت. 75). ويبدو أن براك بن غرير حالما تمكن من السلطة سارع إلى تصفية أبرز الأشخاص الذي ساعدوه في إجلاء الترك من الأحساء، إما بقتلهم أو إبعادهم، ربما لخشيته من بروزهم كمنافسين له على السلطة. يقول الفاخري عن سنة إثنين وثمانين بعد الألف "وهي سنة غبيبة اسم حرابة بين بني خالد وأخذ براك رفاقته وقتل محمد بن حسين بن عثمان بن مسعود بن ربيعة الحميد." (الفاخري د. ت. 76).

وتنفرد مخطوطة الذكير بإيراد قصيدة يقدمها الناسخ بقوله "مما قال براك بن غرير يسندها على مهنا". ويتضح من فحوى القصيدة أن المقصود مهنا الجبري، رفيق سلاح براك. ومع الأسف أنني لم أتمكن من قراءة كامل القصيدة نظرا لما كانت عليه المخطوطة من حالة مزرية. وسوف أقدم ما استطعت قراءته من أبيات القصيدة، التي يبدو منها أن مهنا كان يحاول القيام بتمرد على براك، الذي يعنفه في القصيدة ويسخر منه. ويلاحظ على هذه القصيدة وغيرها من قصائد الحقبة الغريرية أن العامية قد طغت عليها وازدادت مسافة البعد بين لغتها ولغة الشعر الجاهلي. وفي البيت الخامس والعشرين يستشهد براك بالشاعر عامر السمين، من شعراء الحقبة الجبرية، ويشير إليه على أنه من الشعراء السابقين. وقد يستشف من البيت الأول أن براك قال هذه القصيدة ردا على قصيدة "جواب" كان مهنا قد قالها، وربما وجهها إلى براك. وفي البيت الثالث يوجه براك الكلام إلى مهنا مذكرا إياه بأن مقامه أدنى من أن يتطلع إلى منافسته، فهو ليس إلا واحدا من آخرين كُثُر قبل بهم براك في معيته أتباعا ينفذون أوامره وينصاعون لقيادته. وكان بإمكان براك أن يظل وفيا لمهنا لولا أن الأخير هو الذي بادر بـ"ترك الحمايا"، أي خذلان الرفيق والتخلي عنه إذا دعا الواجب. يقول البيت الثامن إن مهنا بعدما كان وفيا ومخلصا لبراك زينت له نفسه التخلي عن نده وصديقه، وهو براك، لينحاز إلى "مماحقه"، أي عدوه اللدود. وصار مهنا يجمع أشتاتا ملفقة من القبائل، كما يقول البيت التاسع، معلنا خروجه عن إمرة براك، الذي كان آنذاك مشغولا بهدف أكبر وأجدر، وهو محاربة الترك الذين يكنيهم بـ "خباث المناطق" لأن العرب لا تفهم رطانة الترك. وفي مثل هذا الموقف كان الأولى بمهنا أن يقف مع براك لا ضده. ويصف براك شراسة الحروب التي كان يخوضها ضد الترك قائلا بأن جياد الخيل المدربة على القتال تهاب خوض غمار هذه الحروب فيدفع بها ركابها الفرسان، لفرط شجاعتهم، دفعا "نوزم" إلى المعمعة. ويختم براك قصيدته قائلا في البيت السابع والثلاثين إن مهنا وأشباهه يلوذون في حمى براك خوفا من بطشه وطمعا في عطائه. وذكر البارود والفرنجي في البيت الثالث عشر والبيت الخامس عشر يؤكد دخول البارود في ذلك الوقت كسلاح فعال وانتشار استخدامه بين سكان الجزيرة العربية في حروبهم. وهذا ما استطعنا قراءته من القصيدة:

    01) جوابِك في مبداه ما ناب عاشْقِه // وبالمنتهى أنواه ما هيب لايْقِه

    02) فبالحد لو كنا وطينا زِرِيّه // لديك فذي مما قضى الله طارقه

    03) رضيناك فيما قد رضينا مسانِد // وترك الحمايا صرت مفتاح غالقه

    04) سنامٍ لعظم الضد باسباب هِمّه // توابعها فضلٍ من ايدي الزنادقه

    05) فحاشاك لا فاجاك من لا تريده // عن ادفاعها خوف المصلاة ناطقه

    06) فبئس فعالٍ يامهَنّا رضيتها // وغيْر سديد الراي من ذا معاشقه

    07) فلو كنت محتاجٍ لمبذول مالهم // عذرناك يامن شانت انواه شايقه

    08) للاصحاب فيما قد مضى ثم زَيّنَت // لك النفس ترك الند وِارضا مماحقه

    09) تريد تصلّح في حمانا قبايل // متجمّعه من كل قيقٍ لفايقه

    10) وحنا بحربٍ كل يومٍ وليله // نعالج فيها من خبيثٍ مناطقه

    11) نوزِم بها شعث النضا كل لقوه // على الترك وارواحٍ عن البيع نافقه

    12) لمن يطلب العليا وما ياكم العدا // تعرّض بها لاتلافها في مغارقه

    13) ونقعٍ من البارود والطوس كنها // رعودٍ تجلّى زجرها عن بوارقه

    14) إلى ثار عنها الغبو صرنا ولاتها // بلا زغب ولا نتقي عن ممارقه

    15) على كل قبّا فوقها كل نادر // إلى جار من ضرب الفرنجي مطارقه

    16) فلا صار منا للمعادي صداقه // إلى شب منا للمنايا حرايقه

    17) ترى ان كان جازت عليكم اتخاذهم // إليك ولامانا عن انواك مارقه

    18) فحنا بعون الله نِبْدي كدى العدا // بعزمٍ وبافعالٍ جدادٍ وسابقه

    19) ونشقى ونشفي يامهنا صدورنا // برجوى رفيع القدر محصي خلايقه

    20) فنم وارع في واديك ما كنت جامع // بذلك وسدّد عنك ما كنت فاتقه

    21) وخالقك يامعدوم الارشاد لو تكن // تْخَلى الارض منا ما بغوا منك دانقه

    22) وياطون ما لا تهتوي ثم خيرهم // لك تتخذ منهم رفيقٍ ترافقه

    23) إلى سلم من يجمعنا فكم واحد // تناكر لأمر ما تناهى خوارقه

    24) ومن قبلهم . . . . . . . . . . . . // تواعد ما ثمّنت باقي لحايقه

    25) وتبقى على بيت ابن سلطان عامر // ومن له تذاكيرٍ بالاثار سابقه

    26) فكم ديرةٍ صافت عْداها وحاربت // عَزاها عليها راية الذل خافقه

    27) ففي ثارنا من دارنا ما تعابه // مسا أو صباحٍ يامهنا نوايقه

    28) ألين أخذنا ثار دارٍ عزيزه // علينا إلى ما غيّر الدار مارقه

    29) وجاراتك اللي طالعت في بيوتها // أخذنا قضاها من عْداها بطارقه

    30) رجالٍ مَلَت أركان هجرٍ صرايع // بالايمان كم راسٍ خلا من علايقه

    31) وذاك الذي تعهد من الحزم عندنا // تمايز عنها بعد ما هيب رايقه

    32) وْهِمْنا فحول اروامها اللي ربوا بها // بالانعام واخمدنا أهلها بصاعقه

    33) واخذنا معاليمٍ على ما انت خابر // ولا ينحصي مرسومها من بنايقه

    34) بْنَتْف اللحا ما هوب هرجٍ سِمَلّق // . . . . . . . . . . . . . . . .

    35) على راي من منا حمى حرمة الحمى // . . . . . . . . . . . . . . .

    36) ولا نتّقي الحكام من خوف باسها // وفي كل ما يدرون تبدي حقايقه

    37) من افعالنا اللي عاد شرواك يتّقي // بأكنافها ذِلٍّ ورجوى لفايقه

    38) بحمد الذي شكره علينا فريضه // ونرجي غدٍ أرواحنا من عتايقه

    39) وصلوا على خير البرايا محمد // نبي الهدى نال الرضى من يوافقه

وقد تكرم الدكتور عبدالله بن صالح العثيمين بإطلاعي على قصاصات تتضمن قصيدتين أرسلهما كل من براك بن غرير وأخيه محمد إلى ابن عمهما حسين بن عثمان آل حميد يوجهان اللوم فيهما إليه والعتاب، ولعله أبو محمد بن حسين الذي قتله براك والذي ذكر الفاخري أنه هو ومهنا الجبري ساعدا براكا في التغلب على الترك والاستيلاء على الأحساء. ويخاطب براك ابن عمه بأدب جم، فهو لا يسخر منه ويهزأ به كما يسخر من مهنا الجبري في القصيدة السابقة، لكنه أيضا لا يواربه.

يبدأ براك قصيدته بنثر الحكم والمواعظ ثم ينتقل من البيت الحادي عشر إلى مدح حسين بن عثمان ليدلف من هذا الباب إلى العتاب. ويؤكد في البيت الرابع عشر أن الوشاة هم السبب فيما حدث بينهم من قطيعة ويذكّر حسين أنه هو الذي طرد الترك من الأحساء لتصبح ملكا لآل حميد وبني خالد رغما عن الأعداء. ويشير البيت الثامن عشر إلى ضلوع حسين في مؤامرة كانت تحاك ضد براك، أو إلى جنوحه ناحية الأعداء. ويعود براك في البيت الثاني والعشرين ليعاتب حسين على سماعه أحاديث الوشاة والمناوئين الذين، لجبنهم ولغدرهم، لا يمكن أن يسدوا المكان الذي يسده براك في شجاعته وحرصه على الدفاع عن الأهل والعشيرة والذود عن المحارم والديار:

    01) عجبتُ لمن داس النيا بالكتايب // بلا جزعٍ من طارِقات النوايب

    02) عجبتُ ولا من خُلف الايام مجزعي // فلكن ذا أمرٍ من الله غالب

    03) وذا سالف الدنيا كفى الله شرها // أهلها على نوعين راضي وغاضب

    04) ولا يستفيد المرء منها سوى التقى // وحفظٍ لدين الله خير المطالب

    05) والثانيه روس المعالي فالى بقى // صبورٍ على الوجلا شقا كل طالب

    06) تسنيد وهمات المعادي وضدّه // على غير من يهوى بكل الحرايب

    07) وبذل العطا للمستحقين والقرا // إذا حَجَبت غبر السنين الكواهب

    08) والرابعه بذل الحمايا إذا جرى // على اللحم الداني من الدهر نايب

    09) والخامسه جر السبايا على العدا // بْبِيضٍ وزلبات السبايا جنايب

    10) فقم أيها الغادي على عيدهيه // عمانيّةٍ من طيّبات النجايب

    11) إلى جيت عنّا طيّب الفال والذي // رقى بالثنا في عاليات المراقب

    12) حسينٍ حمى خيل الشفايا إذا بقت // جياد الرزايا قاسيات المعاصب

    13) وقل له أيامن لا كسى الشين عرضه // ومن ليس في شهوات الانذال راغب

    14) ليتك ما طاوعت الاوباش بالذي // سعوا به من صوبي نحوس الاقارب

    15) بلا جَرْمِةٍ سوّيتها غير أنني // حَدَرْت العدا من عاليات المراتب

    16) ومكّنتكم منها على واضح النقا // والاضداد في أكبادها الغل ناشب

    17) صار الجزا لي منك ما هوب طيّب // بتدبير أحوالٍ خباث المناقب

    18) وحالفت عظم الضد تبغى تهينني // بلا سببٍ يوطيك ما أنت ضارب

    19) ففرّقت شوفاتٍ علينا تظاهرت // بعون إله العرش من كل جانب

    20) حدرت سلاطين الحسا من تخوتهم // بلا طيّبٍ من كل مغبون شارب

    21) وانا أحمد المولى على كل ما جرى // إذا فاتني نفع الصديق المقارب

    22) وطاوعت بي من لا يسدّون غيبتي // إذا ما دهاك امرٍ وانا عنك غايب

    23) تراني عن الزهدا غنيٍّ بمن له // على الخلق سترٍ من حسانيه حاجب

    24) وقولٍ بلا فعلٍ على من يقوله // وبالٍ إلى عِدّ النبا بالمراكب

في القصيدتين السابقتين لبراك بن غرير والقصيدة التالية لأخيه محمد نجد رسما للخطة التي سار عليها آل حميد والجهود التي بذلوها والتضحيات التي قدموها في سبيل إجلاء الأتراك عن الأحساء والإمساك بزمام الأمور. ويقدم الناسخ القصيدة التالية هكذا: "محمد بن غرير آل حميد شيخ الحسا والقطيف قال في حسين بن عثمان آل حميد شيخ الحسا والقطيف وبني خالد"، مما يؤكد أن المقصود أبو محمد بن حسين الذي قتله براك. وكلمة "الاعلام" في البيت التاسع مفردة مرت بنا كثيرا في شعر الحقبة الجبرية وها هي تعبر إلى لغة شعر الحقبة الغريرية، ولكنها سوف تتغير لاحقا لتصبح "العلوم" وتعني الأخبار. ويعبر البيت التاسع عن الجفوة تعبيرا مجازيا لطيفا. يقول إن الطريق الذي نسلكه وإياكم فيما بيننا قد عفى واندثر لقلة من يسير فيه لانقطاع الزيارة منكم ومنا. حتى الأخبار بليت ورثت لقدمها ولم تعد، بسبب القطيعة، بيننا وبينكم أخبار جديدة. وفي البيت الثالث عشر وما بعده إشارة، فيما يبدو، إلى أن حسين بن عثمان كان لينا مع الترك مهادنا لهم، وربما تدخل مع براك وأخيه محمد ليخلوا سبيلهم ولا يفتكوا بهم. تقول القصيدة:

    01) إلى سرت يامن فالك الرشد مِشْمِل // على عيرةٍ قد شاب ملقى وثورها

    02) كتوم الرغا مامونة السد نضوه // على الدرب ما تشكى الونى من فتورها

    03) إلى جيت عقب السير عنا قبيله // تزور العدا ما لا عداها تزورها

    04) وساع الهوايا من ذُرى روس خالد // غياها وبالعليا طوالٍ شبورها

    05) بلغ سلامي غير وانٍ وخص لي // شقا ضِدّها موضي هواها ونورها

    06) حسين بن عثمانٍ حمى ثِقّل التلا // وردّاد غيضات العدا في نحورها

    07) وحمّال ريم الخط عنا ومحتظي // لظى الحرب في شنعا وساعٍ ثغورها

    08) وقل بعدما تُقريه مني تحيه // مشافَهَةٍ يمنى دوامٍ وقورها

    09) عفى الدرب عنكم ما لفى منك طارش // فلاعلام عنكم داثراتٍ دثورها

    10) قضيت حقوق الدار حتى صفت لنا // على الزين واسقينا عدانا مرورها

    11) بضرب الهواري في حماها حميّه // وحمر المنايا حايماتٍ طيورها

    12) تركنا كماة الترك فيها فرايس // بطون الضواري والحدا هي قبورها

    13) ولولاك ما جا عن هل الفسق مخبر // ولا فكّها مِنّا ولو طال سورها

    14) لعينيك عفّينا وعفنا مصالح // وجاز امرنا عما مضى من دثورها

    15) توهّمت عين النصح مني مضرّه // ولم تعتبر باللي مضى من امورها

    16) وحاشاك ما ترضى علينا بنكبه // ولا تسمع النمّام فينا وزورها

    17) نسقي عداك ان قدّر الله مثلما // سقينا عدانا بالكدى من مرورها

    18) على مستعدّاتٍ جيادٍ سراير // بهاليل فتيان الوغى في ظهورها

لما توفي براك بن غرير سنة 1093هـ تولى بعده أخوه محمد بن غرير. وتوفي محمد سنة 1103هـ وقام مكانه ابنه سعدون بعد مقتل ابن عمه ثنيان بن براك الذي يبدو أنه تمت تصفيته حتى لا ينازع سعدون بن محمد السلطة. وفي عهد سعدون بلغ حكم بني خالد الذروة من حيث الاتساع والاستقرار. واستمر في الحكم ما يربو على ثلاثين سنة وعرف عنه ولعه بالصيد والقنص ولا زال البدو عندنا يلقبونه "محيّف على البيض" أي أنه كان يمنع الناس من جمع بيض الحباري ويبدو أنه كان يمارس نوعا من حماية الحياة الفطرية في وقته. وتوفي في الجندلية، وهي مورد ماء معروف في الدهناء.

ولما توفي سعدون بن محمد سنة 1135هـ تولى مكانه أخوه علي بمساندة أخيه سليمان. ودخل علي وسليمان وغرير أشقاء سعدون مع ابنيه دجين ومنيع في نزاع حول أحقية كل طرف منهما بخلافة سعدون. وانتصر في هذا الصراع إخوة سعدون وانهزم ابناه ووقعا أسيرين في يد عمهما علي. وبعد مقتل علي (يقال إن الذي قتله دجين ودويحس ابنا أخيه سعدون بن محمد بن غرير) استقر الملك لأخيه سليمان الذي امتد سلطانه على الحاضرة والبادية في الأحساء ونجد. وفي عهده ظهر الشيخ محمد بن عبدالوهاب وهو الذي أجبرالأمير عثمان بن معمر على طرد الشيخ من العيينة. وفي سنة 1166هـ خشي سليمان من مؤامرة تحاك ضده ففر إلى الخرج ولقي حتفه هناك. وتولى الحكم بعده عريعر بن دجين بن سعدون بن محمد.

وعلى إثر هرب سليمان حدثت زعازع واضطرابات بين مشائخ آل حميد وبني خالد واستيقظت الفتنة بين فروع البيت الحاكم وعاد الصراع الذي كان قد بدأ بينهم بعد وفاة سعدون بن محمد. ويتعرض عبدالكريم المنيف الوهبي وأبو عبدالرحمن بن عقيل لهذه الفترة والأحداث التي وقعت حالما تسلم عريعر مقاليد السلطة حيث بادر بقتل غرير (هكذا أورده ابن عقيل استنادا إلى المنتخب للمغيري، لكن الفاخري وابن بسام أوردا الاسم "زعير" لا "غرير") بن عثمان بن غرير بن عثمان فثار عليه شخص لم تذكر المصادر التاريخية إلا اسمه الأول حمادة ولعله، مثل القتيل غرير بن عثمان، من الحزب الذين يرون أحقية آل براك بن غرير بمشاركة آل محمد بن غرير السلطة. ووصلت الأمور إلى حد اضطر معه عريعر للجوء إلى مدينة جلاجل لكنه استطاع خلال فترة بسيطة أن يسترد السلطة بمساعدة أنصاره ويثبت قدمه في حكم الأحساء. (ابن عقيل 1403: 112-121، الوهبي 1410: 248-249). وغالبية المؤرخين لا يتطرقون لهذه الحادثة ومن ذكرها ذكرها بشكل مقتضب وغامض. وقد يكون الفاخري أوفاهم حيث يقول في حديثه عن سنة 1166هـ "تولى حميده في بني خالد حين غدروا المهاشير في سليمان آل محمد وانهزم إلى الخرج ومات به ثم تولى عريعر وقتل زعير بن عثمان بن غرير بن عثمان ثم غدر فيه حماده وانهزم عريعر وصار في جلاجل. ثم بعد ذلك ظهر من جلاجل على مساعفه من بني خالد ووعد وانهزم حماده جلوي واستولى عريعر على البادية والحاضرة." (الفاخري د. ت.: 108-109). ويتفق الفاخري وابن بسام على أن الشخص الذي قتله عريعر بن دجين هو زعير بن عثمان؛ ويورد ابن بسام اسمه كاملا هكذا: زعير بن عثمان بن غرير بن عثمان. أما المغيري (1382: 105) فيذكر أن عريعر بن دجين قتل عم أبيه غرير بن محمد، أخا جده سعدون الذي أدت وفاته إلى حدوث النزاع على السلطة بين إخوانه علي وسليمان وغرير من جهة وبين أبنائه منيع ودويحس ودجين، أبي عريعر، من جهة أخرى، ولعل هذا هو القول الصواب.

ويخلد عريعر الحادثة بقصيدة هائية يسندها على زامل بن محمد بن حسين بن عثمان بن مسعود بن ربيعة آل حميد والذي بدوره يجيبه بقصيدة على نفس الوزن والقافية. وقصيدة زامل التي يرد بها على قصيدة عريعر فيها ما يوحي بما ذكره الفاخري من مساعفة بني خالد لعريعر ووعدهم إياه بالنصرة والمؤازرة. يذكر عريعر في قصيدته خيانة فرع آل شمروخ من بني خالد وغدرهم به ويتوعد شخصا سماه شهيل؛ كما يذكر في القصيدة راشد ومرزوق الذي يقول أنه شفى صدأ كبده بقتلهم، لكنه لا يورد ذكرا لحمادة الذي تشير إليه المصادر النجدية. ويتطرق عريعر في البيت الثاني عشر وما بعده إلى انقلاب بني خالد عليه والتخلي عنه. ثم يستطرد في وصف ما تعيشه القبيلة من شتات وتمزق وضعف لعدم رغبتهم في الانصياع لقيادةٍ توحدهم. وبعد ذلك يستعرض مواقفه الفذة التي تثبت كفاءته وتفانيه في خدمة القبيلة، فهو وحده القادر على استعادة قوة القبيلة وهيبتها إذا رضيت به قائدا. وقد يفهم من البيت الثامن عشر وما بعده أن الانقلاب ضد عريعر تم وقت الربيع حينما كان غائبا مع عصبته في الفلاة يرعون أنعامهم. وفي آخر القصيدة يخاطب زاملا ويشيد بموقفه معه، ويصفه في البيت التاسع والثلاثين برجاحة العقل وبعد النظر ويكنيه في البيت الأربعين "أخو تركي". ويبدو من القصيدة أن زاملا لعب دورا بارزا في حسم الأمور لصالح عريعر.

والقصيدتان معروفتان يتداولهما جُمّاع الشعر النبطي. وقد أورد الشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل قصيدة عريعر نقلا عن الحاتم. وقد اعتمدنا هنا على المخطوطات لتصحيح أخطاء الحاتم. يقول عريعر:

    01) يقول الغريريّ الذي بات ماله // هوىً غير طلب الطايلات هواه

    02) إلى ناموا السمّار جنحٍ من الدجى // لكن بْموضي ناظريه قِذاه

    03) لكن بها ساق أم عوقٍ إلى سرى // إلى نام هلباجٍ وطاب كراه

    04) وبات على وثرٍ من الزل ماله // جضيعٍ سوى خودٍ يفوح رداه

    05) فانا فوق شروى نملة الصيف ساقها // ثرى ماطرٍ أمسى يعطّ نداه

    06) جضيعي من الهندي مصقول صارم // لما ناش من جثل العظام رماه

    07) وثوبي من البولاد درعٍ وطاسه // يبين لعين الناظرين سناه

    08) وزلّي وزبني فوق مجتمعة الشوا // كميتٍ من الخيل الجياد غياه

    09) واروّي بخمسٍ صنعة الشام زانها // طرازٍ ومن زين الجياخ وقاه

    10) ولا لي نديمٍ غير هذا وصارم // ومن لدن زينات العروق قناه

    11) إلى كل من جازى الحساني بسايه // يذوق من انواع العذاب رداه

    12) فلا واوجعي من لابةٍ خالديه // غدوا للملا والعالمين حْكاه

    13) عفيت لهم ما فات باغٍ إلى اوجهوا // على الضد فلّوا بالجموع قواه

    14) مشيت لهم ممشىً تعيبٍ مرامه // مكادٍ على واني العزوم سراه

    15) بالوِرد والمصدار خطرٍ على العدا // ولا كل من قاد الجموع زهاه

    16) على ساقتي قومٍ أويّا رفاقه // صفوا قبل هذا ثم جاه بلاه

    17) إلى ما زها نوّار خدّه لكنه // مضاحك زينات العيون بفاه

    18) تفهقت للمرباع باغٍ طرابه // بقوا عن افعال الجميل عماه

    19) بنوا للردى ساسٍ وغبّوا مناجل // إلى البوق وامسوا للقبيح شراه

    20) وسوّوا لما لا يطرب النفس ذكره // ولا يشرح القلب الذهين نباه

    21) رموني وانا في ضف ما كنت زارع // ومن قدّم النو الجميل وقاه

    22) ومن ضيّع الحسنى والاحسان لو صفت // له اليوم جاه بكدر ذاك جزاه

    23) ولوني ولا عفوٍ من الله حاظر // والآجال ما تدني بغير قضاه

    24) فلا واحلى يومٍ بغير الذي جرى // علَيّ وجا بالحاظرات قضاه

    25) ضحى يوم جيّتهم على واضح النقا // كما الحر منحطٍّ وشاف جزاه

    26) شفيت صدا كبدي يتنجيز راشد // وشوفي لمرزوقٍ كساه دماه

    27) ومن غير هذا والقروم صرايع //  على الأرض ما يرجى لهم حياه

    28) وياما بعد بي من شقا البال حاظر // ومن ساعةٍ يبحث لها باقصاه

    29) فيامبلغ مني شهيلٍ رساله // بها من بقايا ما بقاه وصاه

    30) تراني مجيرٍ عن عداوات خالد // سواك فلا تبعد لها بفلاه

    31) ولا نيب متقاضي ولكن فربما // تْدِنيك لي واخذ قضاي بلاه

    32) ياشهيل هبّاسٍ بعيدٍ عن الردى // ومني عليهم عفّة ونقاه

    33) مشيتوا بنا ياشهيل ممشى قطايع // لكم رَزّ شيطان الرجيم لواه

    34) وصارت بكم هذي والاخرى وربما // تجيك على غبر الخيار هواه

    35) وياما براسي لك من الحرب والشقا // فكن عن شلايا ما شريت تقاه

    36) أنا راعي الهدلا شقا كل عايل // ولو صار مدح الروح فيه سفاه

    37) سفاهتي بالحكي فعلٍ تشوفه // أزينه بافعالي وازيد وراه

    38) ويا طارشي سقها وسرها لزامل // لعل عسى تلقى حذاه بداه

    39) بعيد مدى تدبير الاريا ومن به // على شِدّ غارات الزمان نباه

    40) اخو تركيٍّ بلاّل الارياق زامل // ومن زاد في عسر الزمان قراه

    41) نديمي ومن لا لى من الناس غيره // بنصحٍ ولا لي في العباد سواه

    42) وقل له علمٍ فضوةٍ لا تكن به // شحوحٍ ترى القلب الجريح دواه

    43) تِبِيّنْك في حربٍ لمن قد شرى له // وشاف اقشر القالات ثم نصاه

    44) وداروا في يازامل الحمد والثنا // كما دار الآما في اليدين رحاه

    45) خف الله هل ترضى بهذا وراسك // يشم الهوى والسيف جاه صِداه

    46) ترى ذلّكم ذلّي وذلّي يذلكم // وعزّي لكم عزٍّ براس صفاه

    47) وهل ترتضى لي يالغريري ولك بذا // فيابيسها من شيمة وحياه

    48) ولا الموت إلا لي ولك ينشفى به // ومن مات ما يدرون ويش وراه

    49) فقم قام ناعينا غدينا فريسه // وصرنا لأخباث البخوت وقاه

    50) وعط خالدٍ مني جوارٍ جميعهم // ودينٍ ومثلوث الطلاق وراه

    51) عن اللي مضى منهم سوى اللي سعى بها // من اولاد شمروخٍ فانا له دواه

    52) فلا يامن الضرغام من الناس عاقل // ومن خبطّةٍ منها يقال فراه

    53) فما الشعر إلا يفرح القلب ساعه // والافعال تبرى للعليل حشاه

    54) وصلوا على خير البرايا محمد // عدد ما زها نبتٍ وطاب سناه

ويرد زامل على قصيدة عريعر معلنا استعداده لمناصرة عريعر والوقوف إلى جانبه. وزامل هذا الذي يناصر عريعر في هذه القصيدة أبوه محمد بن حسين بن عثمان بن مسعود بن ربيعة الذي قتله براك بن غرير بن عثمان. يقول زامل:

    01) يامن لقلبٍ كل ما بات همّه // لطلب العلا والطايلات مْناه

    02) إلى ما خليّ البال طلاب راحه // تزايد في نجل العيون نباه

    03) ينير ويسدي في مشاحي طرابه // هواه عن درب الجميل عداه

    04) يربّي لميلانٍ وينمّي تجاير // بها عن جميع الطايلات شِقاه

    05) فلي همّةٍ ما قد رَمَتْ بي إلى القلى // ولا سامرت جنح الظلام سراه

    06) ولا شبّبَت عينَيّ في زي كاعب // لكن بعيني عن صباه قذاه

    07) ولا ادري عجوزٍ أم فتاةٍ إلى مشت // ولا حرّةٍ أو أن تكون أماه

    08) ولا لي بها شَفٍّ صِبِيٍّ وشايب // مدى العمر ما مازحتها بسفاه

    09) وفي صفا الجارات ما بيننا الحمى // لها عند ضيقات الدروب نفاه

    10) وللجار عندي كل يومٍ كرامه // تزيد لى زاد الخسيس جِفاه

    11) فما الحمد إلا من قديمٍ غريزه // لنا دون كل العالمين سناه

    12) غْريريةٍ لم ترض بالذل مسكن // ولا الهون لو زاد السفاه سفاه

    13) ونشقى بما يدني لنا الحمد والثنا // ولا نرضى دون المكرمات بلاه

    14) لنا ديرةٍ منها وفيها جدودنا // قديمٍ فهل دون الديار سواه

    15) ولو لم يكن فيها لنا غير عالم // فمن رامها ما رام غير عَناه

    16) لنا الحلم فيها والجهالات للذي // يبى الجهل منا وان بغاه لقاه

    17) فيا أيها القاري بحزوا رساله // بها اختصّني دون العباد نباه

    18) فيامجهدٍ راعي خصالٍ حميده // لقى بالشقا حتى لقاه دواه

    19) قضى رسلةٍ جاني نباها مجاهر // شواني وانا حرق الفؤاد بلاه

    20) أخو داحسٍ ما لي شفيقٍ ولا له // شفيقٍ سواي وما عنان عناه

    21) أبو باطنٍ جالي صدى القلب عرعر // حجى من لجا من هو وراه عداه

    22) حمى الدار عن من دار فيها ملامس // وبالغدر جاها من عناه فجاه

    23) جزا ما سقى بالغدر منا على النقا // جزيناه عن ربع الديار جلاه

    24) على همّةٍ منا لعينا كبيرنا // سقينا العدا فيها الكبير سقاه

    25) وكم ذا صنعنا قبل ذا من صنيعه // بهم محترينٍ يدركون جزاه

    26) ذخرنا بهم ذِخْرٍ جميل وتفتحت // علينا به ابواب الخراب قضاه

    27) وكم غرّت الراحات غِمْرٍ متيّم // وكم نعمةٍ زالت عنه جزاه

    28) فمنّا لهم لينٍ ومنهم جفاسة // جزا الضيق من هذا وهم بنفاه

    29) فيامبلغٍ مني شفيقي رساله // بها من عريبات النشيد قضاه

    30) ترى الشيمة العليا لنا ما تغيّرت // نطا ما تطا لو كان ذاك نطاه

    31) وقولك ما تاليت نفسك حسافه // عفيت وصدينا الحريب وراه

    32) صدفت لك العفّات ياكاسب الثنا // والاقدار تاطا والأمور قضاه

    33) وقولك لي ما الموت إلا شفيّه // لنا دون كل العالمين مناه

    34) صدقت هو اشوى من حياةٍ زِرِيّه // ومن شيمةٍ نرمي لها بوطاه

    35) بلاكن ترى ياشمعة الناس ساقنا // عن الهون شيماتٍ بنا ونباه

    36) وبعنا لمن باعك وقمنا كرامه // لعيناك عفنا اوطاننا ورْباه

    37) إلى حيث جيناها على واضح النقا // كما جاب وجعان الفؤاد دواه

    38) وقولك داروا يالغريري ذهابنا // كما دارت ايدي الطاحنات رحاه

    39) فهذا سِدى منا بهم مثلما سِدى // بنا قبل ما نرجي لها بحراه

    40) وعافوا وشافوا مثلما شاف غيرهم // لهم عندنا هذا بكل لقاه

    41) فانا يالغريري لك حسامٍ وخوذه // ودرعٍ وفي راس السنان سناه

    42) وانا لك على خبث الليالي وطيبها // مدى العمر الى ان ينهال علي ثراه

    43) وانا عضدك الأيمن إلى كل ساعه // وشاهدت من بعض العفون رِداه

    44) وانا حيدك اللى تقصر الناس دونه // وأنت الذي تنزِلْ براس شفاه

    45) وياما بشيباتي بعدت الذي لك // حريبٍ إلين الحق لذاك قصاه

    46) فلا مهّدَتْني ياالغريري خسيسه // ولا قابلتني بالرضاع حداه

    47) ولا جيت إلا من علا روس لابه // لهم كل جزلات الأمور حواه

    48) وانا وانت ياذرب البناين واحد // فهل كيف يرضى الذل اخو لأخاه

    49) فانا زاملٍ وانت الغريريّ عرعر // شفيقٍ رفيقٍ ما تطاه نطاه

    50) وانا زامل الطولات ما ارضى مهونه // صبيٍّ ولا عند المشيب ارضاه

    51) ولا ارضى بك النقصان والذل والجفا // ولا الهون ياتاج الجميل تراه

    52) وعش سالمٍ وانا على ما تظن به // من الجود لو جاني جفاك جزاه

    53) وصلوا على خير البرايا محمد // عدد ما جنى جاني الكروم نماه

وكان عريعر مناوئا لآل سعود ودعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب. وفي سنة 1172هـ غزا عريعر الدرعية ورماها بالمدافع وحاصرها حصارا طويلا لكنه لم يظفر منها بشيء وعاد خائبا. وفي سنة 1188هـ غزا عريعر بريدة لأنها دخلت في طاعة الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود وحاصرها ودخلها عنوة. ثم ارتحل عنها ونزل الخابية قرب النبقية وكاتبه الكثير من رؤساء بلدان نجد. وحينما كان يستعد للمسير إلى الدرعية وافته المنية في الخابية. ولما مات عريعر كان ابنه بطين معه في الخابية فتولى الأمر من بعده. وكان بطين سيء السيرة فدخل عليه أخواه دجين وسعدون وقتلاه خنقا وتولى أخوه دجين الأمر من بعده. ولم تطل مدة دجين إذ سقاه أخوه سعدون السم وتولى الحكم بعده. ولما بايعت المجمعة الإمام عبدالعزيز بن محمد ودخلت في طاعته سنة 1193هـ غزاها سعدون بن عريعر لكنه رجع منها بدون طائل. وفي سنة 1196هـ خرج أهل عنيزة عن طاعة الإمام عبدالعزيز بن محمد وكاتبوا سعدون بن عريعر فقدم وحاصر بريدة وأميرها آنذاك حجيلان بن حمد آل عليّان. وبعد مناوشات ومجاولات قفل ابن عريعر عائدا إلى الأحساء بعد أن أخذ البيعة من عدد من أمراء نجد الذين لم يكونوا قد انضموا للدولة السعودية.

وفي سنة 1200هـ خرج دويحس عن طاعة أخيه سعدون بإيعاز من خاله عبدالمحسن بن سرداح بن عبيدالله بن براك. وتقابل الأخوان في موقعة جضعة وانهزم سعدون ولجأ إلى الدرعية فأكرمه الإمام عبدالعزيز ومناه بالمساعدة إلا أن سعدون مات في الدرعية قبل أن يعود إلى حكم الأحساء. وصار أمر بني خالد بيد دويحس إلا أن خاله عبدالمحسن أصبح هو الرأس المدبر.

وفي مطلع القرن الثالث عشر الهجري كانت الدرعية قد وصلت إلى درجة من القوة جعلتها تتدخل في الشؤون الداخلية لدولة آل عريعر- تلك الدولة التي كانت ترهب جانبها جميع القوى المحلية في نجد. ففي عام 1204هـ غزا سعود بن عبدالعزيز الأحساء ومعه زيد بن عريعر- بعد موت أخيه سعدون- وتقابل الجيشان في موقع يسمى غريميل وانهزمت جيوش بني خالد وفر دويحس وخاله عبدالمحسن إلى المنتفق. وولى سعود بن عبدالعزيز زيدا على الأحساء. وأرسل زيد كتابا إلى خاله عبدالمحسن بن سرداح يعده فيه إن هو عاد إلى الأحساء أن يسلمه مقاليد الأمور. وما أن عاد عبدالمحسن من المنتفق ووصل ديار بني خالد وتمكن منه زيد حتى سارع بقتله. وثار بنو خالد على زيد بن عريعر لإقدامه على قتل خاله عبدالمحسن وانحازوا إلى براك بن عبدالمحسن بن سرداح. ولما علم الإمام سعود بذلك سار بجيوشه إلى الأحساء وهزم جيوش بني خالد على اللصافة واللهابة وفر براك بن عبدالمحسن والتجأ عند المنتفق. واستولى الأمام سعود على الأحساء وأقام محمد الحملي أميرا عليها. وبعد شهر من رحيل الإمام سعود من الأحساء نقض أهلها البيعة وشدوا على الأمير محمد الحملي وقتلوه وولوا أمرهم زيد بن عريعر. وبعد فترة من الاضطرابات والفتن انتهى حكم آل عريعر ودخلت الأحساء تحت طاعة الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود الذي عين أميرا عليها من قبله براك بن عبدالمحسن بن سرداح.

ويتزامن استيلاء عريعر بن دجين على السلطة في الأحساء مع بداية حقبة الدرعية التي تبدأ في التداخل مع الحقبة الغريرية، حسب تحقيبنا السابق لمسيرة الشعر النبطي ومراحل تطوره. وحيث أنه سبق القول بأننا في رصدنا لبدايات الشعر النبطي وتتبع مراحله الأولى سنتوقف عند حقبة الدرعية فإننا لن نتوقف كثيرا عند شعراء المراحل الأخيرة من الحقبة الغريرية التي تتداخل مع حقبة الدرعية، عدا من كان إنتاجهم يمثل امتدادا طبيعيا للمراحل الأولى من تلك الحقبة وبعض الاستثناءات ذات الأهمية الخاصة مثل قصيدة زيد بن عريعر، آخر أمراء دولة آل حميد، التي يتوجد فيها على ملكهم الضائع ويندب حظهم العاثر. وقد وجدت القصيدة في مخطوطة الحساوي ووجدتها منشورة في مجموع البرت سوسين (Socin 1900-01, 1: 173-4) وسأثبتها هنا نظرا لأهميتها وندرتها حيث أنها غير متوفرة في المصادر المحلية والمخطوطات المتداولة. تقول القصيدة:

    01) عفى الله عن عينٍ عن النوم عايفه // ونفسٍ عن الزاد الهني ما توالفه

    02) تحن كما حن الخلوج الذي لها // حوارٍ ولا تلقاه من بين الايفه

    03) ومن بعد ذا أشكي لذي الراي حازم // عليه الدهر أخنى وقطّع طرايفه

    04) ومما شجا قلبي وهيّض لخاطري // ورقٍ تلاعى فوق الاطلال شارفه

    05) ياورق لا تلعي بصوتٍ مغرد // ولا تعتلي الاطلال وايّا المشارفه

    06) يحن الذي من يوم فارق وليفه // أجل كيف من فارق جمايع ولايفه

    07) لي سبعة اعوامٍ عن الدار نازح // أقاسي شقا الدنيا ولا هي مساعفه

    08) إلى ما أتان الليل وارخى ستوره // يشبّ بقلبي لاهب النار عاصفه

    09) نهاري وليلي واحدٍ كلهن سوا // ولا بان لي صبحٍ ولا ناب شايفه

    10) واقول متى يانفس تظهر شموسنا // ويظهر لنا فجرٍ له النور شارفه

    11) ونحظى بوصل الخل وايا القرايب // واجلي همومٍ في حشاي مترادفه

    12) وفات حظّي وتداركت به العلا // ولكن حظّي فات ما نيب شايفه

    13) أقفى الشباب عني ولا وادعني // ولكن بعد اليوم ما ناب خالفه

    14) خذا السن والعينين والجسم بعد ذا // وقفّى وعاوضني بشيٍّ حتايفه

    15) يفر عقلي وان ذكر عصر الصبا // ولكن ما ينفع كثيرٍ حسايفه

    16) وخلاف ذا ياراكبٍ كور ضامر // حرٍّ كما الخاطوف تومي سفايفه

    17) معيدٍ على قطع الفيافي وسيرها // ليلٍ تسير به العشا ما تكالفه

    18) تحمّل من الصب المعنّى رساله // من بعد ما كان انكروا به معارفه

    19) وان جيت لي هجر فانص كوتها // ترى دارنا من الجنوب طوارفه

    20) سقى الله ذيك الدار من وابل الحيا // لو كان ما تبدي علي عطايفه

    21) على شان قومٍ ساكنين بحيها // رجالٍ كرامٍ خيّرينٍ غطارفه

    22) وان جيت لي قومٍ وتسمع بذكرهم // لهم رتبةٍ دون البريات نايفه

    23) عليهم سلامي كل وقتٍ وساعه // ما هبّت الارياح تذرى سوايفه

    24) آهٍ على آهٍ لو تبرد صبابتي // ولو قولة آهٍ ما تبرّد شفايفه

    25) ولو قولتي آهٍ تبرّد لعلتي // جعلت آهٍ سهمةٍ لي موالفه

    26) وصلوا على خير البرايا محمد // عدد ما سرى ركبٍ إلى البيت طايفه

وتتشابه قصيدة زيد بن عريعر هذه في معانيها وأغراضها مع قصيدة وجدتها في مخطوطة ابن يحيى قالها ابنه برغش يبدأها بقوله: أسباب فتح ابواب سيرة سببنا // أوهام تاتي من سببها غدينا. وقصيدة برغش موجودة في مخطوطات ابن يحيى ونشرها كاملة أبو عبدالرحمن بن عقيل (1403: 151-155) ونشر بعضا منها منديل الفهيد (1404-1413، ج5: 38-39).

 أعلي

 

شعراء دولة آل غرير

من أجزل قصائد الشعر النبطي قصيدة قالها أمير البير، البلدة المعروفة في المحمل، محمد بن منيع العوسجي البدراني الدوسري؛ ويسميه الربيعي منيع بن محمد بن منيع، وربما يكون هذا وهماً منه حيث اختلط عليه اسم الشاعر مع اسم القاضي لأنني وجدت في مخطوطة تحفة المشتاق لابن بسام في تأريخه لأحداث سنة 1134هـ ما نصه "وفي آخر هذه السنة توفي الشيخ العالم منيع بن محمد بن منيع العوسجي الدوسري قاضي بلدة ثادق". وقد نشرت القصيدة في العديد من الدواوين التي يخطئ أغلبها في إيراد اسم الشاعر وموطنه. وقد تكرم الأستاذ محمد بن عبدالله الحمدان بإطلاعي على مسودة كتابه عن بلدة البير الذي سينشر ضمن سلسلة هذه بلادنا وفيه تحقيق واف للقصيدة واسم قائلها. وسبب قصيدة أمير البير في سعدون بن محمد آل غرير، كما يقول مقبل الذكير في تأريخه لأحداث سنة 1135هـ، أن الأمير "كان له راتب سنوي مضى عليه خمس سنوات لم يقبضه لعدم حاجته إليه وأرسل من يقبضه بعد ذلك فرده وكيل سعدون بحجة أنه مضى عليه مدة فاضطر إلى مراجعة سعدون بالقصيدة." والأبيات الأخيرة في القصيدة ابتداء من البيت السبعين تشير إلى هذا المعنى. وتعد القصيدة من عيون الشعر النبطي وهي على طولها ليس فيها ضعف أو لين وليس في أبياتها ما يمكن حذفه والاستغناء عنه. وقد تعرضت للكثير من التحريف والتشويه في المصادر المطبوعة. وقد استعنا بالمصادر الخطية في تحقيق هذا النص الذي نقدمه بين يدي القارئ:

    01) مراقي العلا صعبٍ تعيبٍ سنودها // مكادٍ على عزم الدنايا صعودها

    02) فمن رامها بالهون ما نال وصلها // ولا رَدّ غيظات العدا في كبودها

    03) شْراها بغالى الروح والمال والشقا // وصبرٍ على مر الليالي وكودها

    04) فلولا غَلاها سامها كل مفلس // ولولا عَناها كان كلٍّ يرودها

    05) فلكنها بالحزم والعزم والشقا // مخاطر بحالاتٍ خفيٍّ سدودها

    06) وبذل العطا في ماجب الحمد والثنا // وخضب الهنادي بالدما من ضدودها

    07) واغضا نظير الطرف عن ذنب صاحب // تجي من صديقٍ زلّةٍ ما يعودها

    08) يجيك الى نادى المنادي لمطلب // سريعٍ مطيعٍ سالمٍ من حقودها

    09) وبالحلم عن زلات الاصحاب طوله // ولم العصا لا يقطع الشر عودها

    10) فلا طيرٍ الا بالجناحين طاير // ولا كفٍّ الا بالقوي من زنودها

    11) فمن لا يرد الغيظ بالحلم زيّنت // له النفس حالاتٍ خباثٍ ورودها

    12) ومن عنّها بالصبر حتى يردّها // يشوف مطاليع الهدى في ردودها

    13) فلا فايتٍ من صالحٍ في هياده // ولا طايلٍ في قطع كفٍّ زنودها

    14) ولا خير في عينٍ حديدٍ نظيرها // على الجار ويعمى شوفها عن حسودها

    15) ولا خير في من لا الى شاف مولم // بالاضداد ما يحمي عليها وقودها

    16) ومن لا يبادر فرصةٍ في زمانه // على الضد يضحي نادمٍ من فقودها

    17) فمن هاب خاب وعاش بالذل واشرفت // عليه الأعادي طالبينٍ حقودها

    18) ومن شرّع الخطي ضحى الكون وانتضى // نهار الوغى بيض الضبا من غْمودها

    19) تحامى حماه الضد في نازح المدى // وذلّت له ارقاب العدا في سجودها

    20) ومن ودّع اوباش البرايا سدوده // فهو عادم الشوفات مخطي قصودها

    21) فلا تورد الحاجات يومٍ لجلعد // أياديه ما يرجى الجدى من مدودها

    22) فمد الرجا واقصد جنابٍ تعوّدت // بنانيه مَدٍّ من غوالي فْيودها

    23) فمن عوّدك من فيض يمناه عاده // عليه لزمٍ بالسخا انه يعودها

    24) ومن فكّ عن زنديك بالعسر يسرها // وهي كان ملويٍّ عليها قيودها

    25) عطايا تجي من بارع الجود تنذخر // ويقفى العطايا عقب هذا وعودها

    26) ترى ان كنت غاليت الثنا في مديحه // أجل عنك ما خاب الرجا في قصودها

    27) فلا غير سعدونٍ ملاذٍ إلى غدت // علينا الليالي صايلاتٍ جنودها

    28) مدحته ولا يلحق مديحي فضايله // فلا عاش كتّام الحساني جحودها

    29) فهو لي على الشدّات عونٍ ومقصد // ويانعم مقصودٍ لنا من ضهودها

    30) بوجهٍ طليقٍ بالبشاشات مشرق // وعينٍ عن العاني قليلٍ صدودها

    31) بْكَفٍّ حميديٍّ كريمٍ بنانه // وكم ذا جلا فقر المقلّين جودها

    32) حريب الردى مسقى العدا شربة الكدى // من الغيظ غصّات البلا في كبودها

    33) حليف الثنا موضى السنا طارد العنا // مقدام هبّاسٍ وباني عمودها

    34) حوى من جليلات المعالي سْمانها // وخلّى المعايا للردايا تقودها

    35) ولابس ثياب الحمد بيضٍ جدايد // وللغير بقّى ما رمى من جرودها

    36) وجدّد فعال الزين في كل مطلب // ما يحصي الحسّاب وافي عدودها

    37) بجودٍ وحلمٍ واحتمالٍ وهمّه // وفرسات مقدامٍ تراها شْهودها

    38) وعفوٍ عن الجاني وصبرٍ وشيمه // ونفسٍ حماها عن مزاري نقودها

    39) وقول الوفا ما ياكل الليل علمه // إلى سمعت انذال الورى من قرودها

    40) مدى العمر ما جا زلّةٍ يذكرونها // ولا خان عدوانٍ رماثٍ عهودها

    41) ثقيل مراز الحلم سهلٍ جنابه // عزيز الذرى للملتجي عن ظهودها

    42) فلا طايشٍ يوم إلى نال طوله // ولا جازعٍ من صرف دنيا وكودها

    43) يزيد على عسر الليالي سماحه // إلى زادت الشدّات يزداد جودها

    44) وللضيف عدٍّ راكداتٍ جفانه // تعادى بها حمر الرعايا وسودها

    45) تظل بها الجيران والضيف كنها // ورود الظمايا ما لها من يذودها

    46) وكم ذا وطا دار المعادي بغاره // صباحٍ واهلها ما اهتنوا في رقودها

    47) وكم جَرّ زلبات السبايا بصوله // ظعاين تحدى مقرشاتٍ جهودها

    48) على اثار شبّانٍ نشاما لكنهم // أسود شرى الغابات بادٍ جرودها

    49) على مكرماتٍ سبّقٍ طالما نضوا // سعير الوغى حتى تَنَهّى خمودها

    50) وهجنٍ طوايا ناحلاتٍ لكنهن // من الضمر قيسانٍ برى السير قودها

    51) تسامى بشبّانٍ وخوطٍ من القنا // يتالنّ قنّاص العوادي صيودها

    52) يتالنّ مَلْكٍ طالما صبّح العدا // على حومة الجيّان ما هاب أسودها

    53) ونحّى عن البيض العذارى رْجالها // واناخ يِقري مالها من شرودها

    54) واضفى الحساني عن قصايا قطيعه // تلقّاه عن سو الليالي سعودها

    55) فهو فارس الهيجا وهو كاسب الثنا // وهو حايشٍ من كل الاشيا حمودها

    56) مقدام خيلٍ والقنا في نحورها // ومعطي جوايدها وحامي قعودها

    57) جواده عرجا والسبايا طفايح // وكفّه ريّانٍ من الدم عودها

    58) إلى ركضت يومٍ على الضد خيله // فمركوب ممدوح السجايا عنودها

    59) حمى من ربى هجر إلى ضاحي اللوى // إلى الشام من دار آل عمرو حدودها

    60) إلى خشم رمّانٍ إلى النير مجنب // إلى ما الشعرا واقمانها من نجودها

    61) إلى العرض والوادي الحنيفي مْشَرّق // وما عن جنوبٍ كل هذا يسودها

    62) الى طاب منها مرتعٍ جاده الحيا // رعاه على رغم العدا في حدودها

    63) إلى وجّهت بدرية البيض صوبه // لكن قراطيس الطلاحي خدودها

    64) تناحت بسكّان الحمى عن طريقه // كوصف وعولٍ قاصداتٍ حيودها

    65) إذا لم يوافقهم من الشيخ جيره // غدت رمّلٍ شتّى قليل ركودها

    66) فما حملت جرد السبايا متوّج // ولا حضنت بيض النسا في مهودها

    67) بأوفى جميلٍ من معاني جميله // وأسخى يمينٍ بالعطا من مدودها

    68) فيامن على وفق الرجا نال ما بقى // من الحمد راياتٍ رفاعٍ بنودها

    69) فرضت لنا فرضٍ قديمٍ رسمته // بخطّ يَدٍ وَرْث الندى من جدودها

    70) وذا العام ياعيد المراميل خامس // ولا جاك منا طالبٍ في نشودها

    71) نمد الرجا به مثل راعي وداعه // وثيقٍ عليها وامنٍ من جحودها

    72) وذا اليوم ياكسّاب الانفال قادنا // إليها أمورٍ موجعاتٍ بدودها

    73) فجد غير مامورٍ بتنجيز حاله // وبَكّر بها واجعل جوابي صفودها

    74) وغدًا تنال العفو من فضل قادر // إلى حضرت مع كل نفسٍ شهودها

    75) ومبغضك بالمهفات والذل والعنا // وغيظٍ مع العدوان يملى كبودها

    76) والاقدار فيما شيت تاتي على الرضا // بحكمة خلاق البرايا يقودها

كما وجدت في مخطوطة الحساوي هذه القصيدة منسوبة لعبدالعزيز بن كثير في مدح سعدون والذي يحتمل أنه سعدون بن محمد لأن سعدون بن عريعر، كما يقول عنه مقبل الذكير، "لم يكن بالمحل الذي تقصده الشعراء لأن أمورهم قد تضعضعت". ولا ندري من يكون عبدالعزيز بن كثير هذا ولا نعرف من أي بلد هو ولكن يبدو من القصيدة أنه من ذوي الشأن حيث نجد في القصيدة من الافتخار بالنفس والعشيرة، الذي يسميهم آل ابراهيم في البيت السادس والعشرين، بقدر ما فيها من المدح لسعدون وآل حميد. لاحظ اتفاق وزن القصيدة وقافيتها مع قصيدة بركات الشريف التي وجهها إلى أبيه مبارك واقتباس الشاعر معنى بركات الشريف في البيت التاسع عشر:

    01) الاقدار بالتدبير للفكر غالبه // والايام بسْهام المنيّات صايبه

    02) فبادر إلى العليا بعزمٍ وهمه // وان سيم فعل الخير يومٍ فغال به

    03) ولا يزدهيك العُجْب ان دَرّ دهرك // فدنياً بما لا يرضي الله خاربه

    04) فمن جَدّ في أمرٍ بجدٍّ وهِمّه // حريٍّ بأنه منه يبلغ مآربه

    05) ومن رام إدراك المعالي براحه // كمن رام يدرك بالأماني مطالبه

    06) ومن لا تفده ايّام وقته بعبره // فقد ظل سعيه واحدثت به معاطبه

    07) ومن يعتمد يومٍ على غير ذى العلا // فقل عنك قد أخطت مناوي مطالبه

    08) فلِلّه ألطافٍ تعرّض وكم وكم // لها راغبٍ وادرك معالي مراتبه

    09) فإياك والاعراض عن باب خالق // تهان ولا تبرح بجهدٍ مواضبه

    10) فمدّك إلى الإحسان كفٍّ ذليله // لغير الذي قال اسألوني فخايبه

    11) فمن له شبيهٍ في المهمات وان هوت // عليك المساوي أو أنابتك نايبه

    12) إليه افتقاري وابتهالي ورغبتي // إذا مسلكٍ ضاقت بعزمي مذاهبه

    13) فلا ضارّني أو نافعن كود واحد // فلا تختشي ما ليس مولاك كاتبه

    14) فمن لا يخاطر في المعالي فقد جذت // مطايا عزومه واعتلى الذل غاربه

    15) ومن لا يمضّي السيف أمضت به العدا // سهام الردى واستكدموا له مخالبه

    16) ومن يحتزم للضد في كل لمحه // تضل الأعادي خايفه منه راهبه

    17) ومن صد يوم الروع يلقاه حتفه // ولو لم ينازل فيه قرمٍ يضاربه

    18) فقد قال قبلي من بالامثال ماهر // نظامٍ وتلقى بعض الامثال صايبه

    19) فلا خطرٍ يومٍ بيدني منيه // ولا حذرٍ ينجي من الموت صاحبه

    20) فذا قول من رام المعالي جميعها // وجلب بعضها وأذعنت له أقاربه

    21) فأدركت منها ما يعلّي لشيمتي // ولو كان مدح النفس ذمٍّ لصاحبه

    22) فلي شيمةٍ عليا ونفسٍ رفيعه // ولو كان ما لي فضل مالٍ أنال به

    23) فماذا يشين الحر لى عِري متنه // إلى سِلم من عيبٍ وجادت مضاربه

    24) ولي لابةٍ تستنسر النسر رفعه // لهم بيت مجدٍ عالياتٍ مناصبه

    25) نحاهم إلى العليا أبٌ عن أبٍ له // وجدي أبى من ان يضيّع مناسبه

    26) فهم آل ابراهيم جدٍّ ومنصب // وفخرٍ غدى ينسي الهلالي مناسبه

    27) سمى للعلى حتى استمى سامي الندى // وشاد الذرى واستشهدت له مكاسبه

    28) يراعون حق الجار في البوس والرخا // ويثنون له إن صيب يومٍ بنايبه

    29) يوالون من والى ويسقون من بغى // بكاسٍ مريرٍ يورد الحتف شاربه

    30) ولا ينقضون ان ابرموا عقد نِيّه // ومن ذا على الشدّات يوفي لصاحبه

    31) فياأيها الغادي على عيدهيه // من الهجن هوجا تقطع الدوّ داربه

    32) عمانيّةٍ فجّا الذراعين كنها // من السفن ماشورٍ له الريح طايبه

    33) جماليّةٍ من خمسة أعوام كانس // ولا قرّبت يوم الى الفحل ضاربه

    34) فياراكبٍ في كورها خذ رسالتي // تقهقر رعاك الله عن كل نايبه

    35) تحمّل من بْنا لفظ نظمي رساله // بها افضل سلامٍ ليس يحصيه حاسبه

    36) سلامٍ عدد ما حن رعدٍ وما هما // سحابٍ سقى الوديان وابل سحايبه

    37) عدد ما تزخرف نبت وديان فيضها // وما انجَلّ ذود ابلٍ من المرح عازبه

    38) إلى الليث جحجاح الندى منه قد بدا // توالت على من جالسوه وهايبه

    39) نجيبٍ عريبٍ لوذعيٍّ مهذّب // حوى من صميم المجد أعلى مراتبه

    40) رفيع الندى ذو السؤدد الشامخ الذي // ديار الأعادي تختشي من وثايبه

    41) سمي السعد والمجد سعدون ذو الندى // ومن هيبته كل البريّات هايبه

    42) هو الفيصلي زبن المخلّى شقا العدا // ومِقْعِد صغى العيّال في كل نايبه

    43) أياديه من إيديه تنهل لمن عنى // ولله كم أهمت بمجدٍ رواقبه

    44) سما بالسما العالي فقامت به العلا // على منبر الإحسان بالمجد خاطبه

    45) فقد فاز بالمأمول من أَمّ سوقه // ونال الردى والغل من له محاربه

    46) طليق المحيّا واليدين الذي له // حسام انتقامٍ ليس تبرا مضاربه

    47) عبوس الملاقا للمعادي إلى بدا // فيقصيه حتى غصّ بالماي شاربه

    48) هو الليث والبيض المواضي نيوبه // إذا اسوَدّ نقعٍ والعوالي مخالبه

    49) رقى للمعالي وهو طفلٍ فشادها // وعلّى بناها قبل تنبت شواربه

    50) وحيّر لأرباب العقول بنباهه // وفهمٍ ذكيٍّ باهراتٍ غرايبه

    51) إلى ذِكِر فعل الخير يضحك حجاجه // ويبغض لذكر الشح مع ذا محاربه

    52) ومع ذا وإن جته الضيوف زوالف // أتتهم من أفعال الجمايل عجايبه

    53) فشأن الغريري مكسب العز والثنا // والاجهاد في كسب الثنا مع مطالبه

    54) يباديهم الترحاب قبل انتزالهم // ويعرف بتبسيم البشاشات حاجبه

    55) فوالله ثم الله ياسامع النبا // يمينٍ بمن أجرى مجاري كواكبه

    56) فما غير سعدونٍ على بذله الندى // له اليوم ثانٍ أو شبيهٍ يشابهه

    57) فدم في سرورٍ دايمٍ مدّة البقا // ومن لك عدوٍّ تقرعه كل نايبه

    58) وصلى إله العرش ما اعشوشب الحيا // وما أزهرت في جنح ليلٍ كواكبه

    59) على المصطفى الداعي إلى خير ملّه // نبي الهدى من ليس تحصى مناقبه

    60) كذا الآل والأصحاب ما قال ذو شجى // الاقدار بالتدبير للفكر غالبه

ومن القصائد الطريفة في أسلوبها قصيدة وجدتها في مخطوطة هوبير الثالثة مع هذه المقدمة "مقال السريحي بابن اعريعر" وفي البيت الأول من القصيدة يسمي الشاعر نفسه فايز. ولم أجد في القصيدة أي ذكر لابن عريعر لكنني وجدت في البيت الثالث والعشرين كلمة "أجود" ولا أدري ما إذا كانت هذه مجرد صفة للمدوح أم أن المقصود أجود بن زامل الجبري. والطريف في القصيدة أن الشاعر يتمنى أن يكون له ذود من الإبل لكنه يعود فيبين أن اقتناء الإبل فيه مخاطرة حيث أنها عرضة للنهب. ولم يتيسر لي قراءة القصيدة قراءة صحيحة نظرا لرداءة الخط لكنني سأثبتها كاملة هنا لندرتها، على ما فيها من أخطاء واختلال في الوزن:

    01) يقول القيل فايزٍ السريحي // وبقعا ما لحلواه مقار

    02) تبيّد بالعباد ولا تبيد // يجي مع كل فجٍّ له مَغار

    03) فلا ياليت لي غينٍ ظليلٍ // ومعها هجمةٍ حَدّ الخضار

    04) ابيّد كل مبذولٍ نسوس // كبير الراس نابية الفقار

    05) واحلو البل لولا انه بلاها // ركيبٍ يقضبون لْها الغتار

    06) يجون مع الغتار من البيان // والى قربوا لها جوها جهار

    07) عدوّك يوم تقفي هي حلاله // مع قْرومٍ بعيدين الديار

    08) نبي البل الى صاح الصياح // وخيلٍ سبّقٍ ولْها كرار

    09) على هلها مصانيم الدروع // ولبسٍ من تفانين التجار

    10) ومع كل ابلجٍ سمح الكعوب // وعكفٍ كنه اذيال العشار

    11) وصبيانٍ يفكّون الوسيق // الى من ازرق البارود ثار

    12) قم ارتحل عن دار الهوان // ترى الله ... دار الخطار

    13) على ضمر حاضرات للربيع // يغضن لي ما لم الوسار

    14) عجاب نجاب يبجن الفجاج // الى الليل فوق اللال استدار

    15) هجاهيجٍ كأزوال النعام // يصبحن بدار ويمسن بدار

    16) الى يالخلان ياناصحين // أشيروا وبالناس من يستشار

    17) تلقون لنا مقصد بالمديح // الا قل المسمنات الصهار

    18) ابو كلمة ما لواها مشير // الى بلي شور من يستشار

    19) ابو منسف للهجان مقيم // جماها كما خيمة في قرار

    20) بالارز صفط وشحم الكباش // وسمن مع كوم رخم الفقار

    21) طبابيخ مجده بهم شارتين // نهاره كالليل وليله نهار

    22) اقول ذا وهو ساير للحجيج // هم سار الندى ساير يوم سار

    23) يااجود يابو جميل لا غبت // بخلوا شيوخ وامار

    24) شفي مع ابو حسين الى نخيته // اسمح وجهه مدار

    25) فهو اكبد كما راس البعير // فوق المنا من جميع الحرار

    26) قصير الدوارج عريض البنان // كمتاح بير لجا له بغار

    27) وعينين سود .. ناظريه // وراسٍ جميل مرار يدار

    28) كنه لما قنص به مقوى له . . . . . . // بخط ربيب بوحده قفار

    29) شاف الحباري تطاير رعاب // بدا به سطار وهو به سطار

    30) لكنه الى حل عنه السبوق // وفاخت الكف عجل وطار

    31) كقنو عيطا لجت بالنجوم // فات حدب البراجم بليا مرار

    32) اتبع البر عينه ودربى ثمان // وعشرين الى الريش غاد نثار

    33) الحق الريم عينه ودربى ثمان // عادته بالنسر من سواه ...

    34) قامت الحباري تزحف ما تطير // تتقي بالكلا والحصا والحجار

    35) وقضبوه وهو ما بلع باقي هواه  // . . . . . . . . . . . . . . . .

    36) ليس هذا الفحل ببتع من ناصر // عند صفق الملابيس يوم ...

    37) يوم هز وكز ودز ولز // والبلنزا تكسر بجرد المهار

    38) ثم صلى الله على سيد قريش // ما لعى الورق في عالي وطار

ومن شعراء الدولة الغريرية المتأخرين الذين لا أعلم أن لهم ذكرا في المصادر المطبوعة شاعر مجيد اسمه عبدالله السيد، وهو من المعاصرين للشاعر سليمان بن عفالق والشاعر حسين بن علي الصايغ. وتثبت له المخطوطات قصيدة غزلية يجاري فيها الشاعر حسين الصايغ مطلعها: ما حدا الأظعان خرّيت القفار// أو زها النوار من باكي سماه؛ إضافة إلى قصيدتين مهمتين إحداهما قصيدة جزلة قالها يهنئ فيها زيد بن عريعر على استرداده السلطة في الأحساء. في هذه القصيدة يبدأ الشاعر من البيت العاشر بالوقوف على الأطلال ثم يعود بذاكرته إلى الوراء ليستعيد ذكرياته الجميلة وأيامه الخوالي التي قضاها في ربوع الدار يلهو مع العذارى الجميلات اللاتي يستطرد في وصف محاسنهن. هذا الأسلوب الشعري في التعبير عن الحنين إلى الماضي والتعلق بمغاني الديار يشترك فيه شعراء النبط مع شعراء الجاهلية وصدر الإسلام؛ والمقطع الوارد في قصيدة السيد يذكرنا بمقطع جميل يبدأ من البيت السادس عشر وينتهي بالبيت الثامن والأربعين في قصيدة عرار بن شهوان المشهورة التي أوردناها في فصل سابق. والاستشهاد الذي أتى به عبدالله السيد في البيت التاسع والأربعين من قصيدته مأخوذ من قول عامر السمين، أحد شعراء الحقبة الجبرية: إلى داس رجل زلة فاعلم انه// لزوم عليه ان عاش سوّى نظيرها. وفي قصيدة أخرى مهمة وجهها إلى الإمام سعود بن عبدالعزيز يستشهد السيد بشاعر آخر من شعراء الدولة الجبرية هو الشريف بركات، وذلك في البيت الواحد والستين. وهذا يدل على أن التراث الشعري النبطي من الفترة الجبرية كان في ذلك الوقت متداولا وحاضرا في أذهان الناس الذين لم تنقطع صلتهم به.

وأجواء قصيدة عبدالله السيد وظروفها تذكرنا بقصيدة الكليف التي يستهلها بقوله: زهت الديار بحسنها وجمالها، والتي قالها في مدح مقرن ولد قضيب الذي تمكن لفترة من استرداد حكم الجبريين في الأحساء مثلما تمكن زيد بن عريعر من استرداد حكم آل حميد. والقصيدتان على بحرين مختلفين لكنهما تتفقان في القافية. وليس من المستبعد، نظرا للتشابه الملحوظ بين القصيدتين، أن السيد كان قد استحضر في ذهنه قصيدة الكليف وتمثلها واستلهمها قبل الشروع في قصيدته. وعلى الرغم من بلاغة قصيدة السيد وقوتها ومبالغته في المدح فإنه من المعروف أن حكم زيد بن عريعر كان حكما كسيحا وسلطته كانت سلطة ضعيفة. هذا يعني أن قوة المدح لا تعني دائما قوة الممدوح. وبناء على ذلك يمكننا أن نستنتج بالمقارنة أن قوة قصيدة الكليف لا تعني بالضرورة قوة مقرن ولد قضيب وسعة نفوذه، كما يرى البعض. تقول قصيدة عبدالله السيد في مدح زيد بن عريعر:

    01) زهت دار هجرٍ بعد ما رثّ حالها // وبان الوهى فيها وحقّ ارتحالها

    02) زهت عقب ما كانت رسومٍ لكنها // عفاها من الارياح ذاري شمالها

    03) ولَمّين فيها دجنة الجور عسعست // تنفس صبح العدل فيها فزالها

    04) وعقب عبوس الذل فيها تبسمت // ثغور المعالي واستطالت طلالها

    05) وأضحت تقادي جنة الخلد منزل // أنيقٍ بهيجٍ للنواظر خيالها

    06) تبسم ثغر الزهر فيها وأينعت // وأخصبت الأطلال بعد امتحالها

    07) غدت بين أزهارٍ كما ريش هدهد // وما بين غدرٍ صافياتٍ زلالها

    08) وغنت حمامات الحمى في طلولها // وهاج اشتياق الصب رجْع ازتجالها

    09) أقول لخلي حين عاينت ربعها // كما جنة الفردوس زاهي حلالها

    10) ياصاح هذا ربعها أو خميله // زهت فاكتست أزهارها من غْلالها

    11) وطالعت في عينيك فيها منازل // كفت شاهدٍ لاحوالها عن سؤالها

    12) سقى الله واديها شآبيب وابل // من اعياز مزنٍ صادقاتٍ هْطالها

    13) وقفْت بها أذرى على الكف عبرة // سرورٍ فأعيا كفّ كفي انهمالها

    14) تذكرت أيامٍ بها قد تصرّمت // ووصلٍ بليلاتٍ قصارٍ طوالها

    15) مع كل عذرا يخجل الشمس نورها // وبدر الدجى يزريه زاهي جمالها

    16) بها من حلايا الريم جيدٍ وعينها // كعين الوضيحي حين تبدي انغزالها

    17) مهضومة كشحٍ ناعمٍ زان دونه // مقصورة كما اوصاف النحل بانتحالها

    18) مدموجة الساقين بيضا خريده // بزهريةٍ مقصورةٍ باختجالها

    19) إلى رنّحت أعطافها نسمة الصبا // وقامت تجاذب طعس رملٍ وامالها

    20) تجر ثياب التيه طورٍ وتنثني // وبالغنج تمزج بالملاحه دلالها

    21) فلو شاف يوسف ما كُتِب فوق خدها // من آيات حسنٍ محكمات تلا لها

    22) فما الحور والولدان إلا عيالها // إلى ما بدت بين المها فالبها لها

    23) مهاةٍ زهت باوصافها غير أنها // بالاطباع كالدنيا سريع انفتالها

    24) تخطف عيون العاشقين بحسنها // وتسبى عقول اهل الهوى باحتيالها

    25) بشوشٍ محيّاها لطيفٍ كلامها // كثيرٍ تجافيها قليلٍ وصالها

    26) فلا خير في معروفها وان تزخرفت // لإمرٍ بإقبالٍ تحرّى زوالها

    27) أقول لها عودي الزمان الذي مضى // بأنسٍ فأيام الصبا باعتدالها

    28) أبت لا تواصلني فقلت غرايب // نظامٍ إلى زيد بن عرعر مآلها

    29) إلى واحد الدنيا إلى سيّد الملا // إلى فاضلٍ من عيص قومٍ فضالها

    30) إلى منفد الأموال الى ما تجمّعت // ببذلٍ إلى الإرشاد واصلاح حالها

    31) إلى عصمة اللاجي إلى جاه خايف // حمام العدا كهف الأرامل ومالها

32) إلى شيخ هبّاس المناعير باللقا // إلى حق من خيل المعادي نزالها

33) إلى قابض الأرواح في حومة الوغى // إلى زند نار الحرب بان اشتعالها

34) إذا زاغت الأبصار واظلمت الدنا // وغطّى عجاج الخيل عالي قلالها

35) ترى الشيخ له في مأزج الباس صطوه // بمبريةٍ تخشى الأعادي افتصالها

36) إلى عبست الأبطال تلقاه باسم // وإن أقفت الفرسان يومٍ ثنى لها

37) هزبرٍ شجاعٍ بالحروب غضنفر // ويجندل ابطال الوغى في مجالها

38) إلى صال عنه الأسد خوفٍ تفرقت // فياخيبة الأضداد ياسُوّ حالها

39) إذا ابتسم الهندي اشتياقٍ بكفه // بكت بالدما الأرقاب فيما عنى لها

40 ) فكم عين قومٍ أحدقت في نزاله // ولا أغضت الا بالسنان اكتحالها

41 ) فكم فَرّ مرعوبٍ من الموت جازع // فصار لنجيب الخيل ماطا نعالها

42 ) يسقّي الأعادي كاس حتفٍ فأصبحت // على القاع صرعى كالحصيد انجدالها

43 ) هو القاتل الفتّاك والفارس الذي // رثته المعالي يانعم ما رثى لها

44 ) هو الماجد الوهّاب ما في يمينه // هو الزاهد الأوّاب حاوي كمالها

45 ) هو المرتجى في دفع كل كريهه // إلى سيمت العليا شْمامٍ شرى لها

46 ) ومن طبّق الآفاق منشور عدله // بحلمٍ وكم من بدعةٍ قد أزالها

47 ) ومن غمر الوفّاد بالمن والعطا // بكفٍ حكى وبل السحاب انهطالها

48 ) إلى ما همل وبلٍ فراحات كفّه // يشيرن إلى العاني بجود انهمالها

49 ) فيامن سما مجدٍ وفرعٍ وهمّه // وطيبٍ وأزكى الناس عمٍ وخالها

50 ) ترى الناس ما رضيوا نبيٍ مودّه // ولكن بحد السيف غصبٍ أمالها

51 ) إلى رام هدم الملك رجلٍ فأسقه // بكاسات حتف الموت قبل اختلالها

52 ) ترى حكم هجرٍ بالدها والخديعه // وغمد الهنادي في جماجم رجالها

53 ) وتقريب ناسٍ بعد ناسٍ وصوله // غريريةٍ تنحى الأعادي صوالها

54 ) فشف عرعرٍ حكم الحسا ما صفى له // إلى حيث وطّى السيف في من بغى لها

55 ) أقوله كما من قال قبلي مثايل // دليلٍ وهو لي حجةٍ من مقالها

56 ) إلى داس رجلٍ زلةٍ فاعلم انه // لزومٍ عليه ان عاش سوّى مثالها

57 ) فقم واغتنم واعدُ على الملك صادق // أنالك رب العرش عالي منالها

58 ) ولا تخشى إنسانٍ من الناس واعتقد // بأن الولي ولاك غالي حلالها

59 ) خذ النصح مني صَفّ نيّتك واتّكل // على الله في كل الأمور اتّكالها

60 ) وعش سالمٍ في خفض عيشٍ ونعمه // والاضداد في ذلٍ مديمٍ وبالها

61 ) ولا زال نجمك في سما المجد طالع // وأسياف عزّك ليس تغمد نصالها

62 ) وصلاة رب العرش تغشى نبيه // عدد ما لعى ورقٍ على راس ضالها

63 ) مع الآل والأصحاب ما قال قايل // زهت دار هجرٍ بعد ما رث حالها

ولا تقل أهمية عن القصيدة السابقة قصيدة عبدالله السيد الأخرى التي قالها في مدح الإمام سعود بن عبدالعزيز وفي آخرها يعتذر منه لأمر لا نعرف ما هو. ومن المعروف أن سعود بن عبدالعزيز هو الذي ولى زيد بن عريعر على الأحساء ومع ذلك لم تخل علاقته معه من التوتر نظرا لطموحات زيد في الاستقلال عن النفوذ السعودي وتطلعه إلى استعادة مجد آل عريعر الذين انتهى حكمهم في الأحساء على يد سعود بن عبدالعزيز. ولا بد أن ينعكس هذا التوتر في العلاقة بين زيد وسعود على علاقة عبدالله السيد بالأخير حيث أنه من الأحساء ومن الطبيعي أن يكون ولاؤه لآل عريعر. ولما كانت القصيدة موجهة إلى الإمام سعود بن عبدالعزيز فليس من المستغرب أن يضفي عليها الشاعر، وخصوصا في المقدمة، مسحة دينية تتلاءم مع تعليمات الدعوة الوهابية التي تبنتها الدولة السعودية. لاحظ اقتباسه في البيت الواحد والستين بيتا من أبيات بركات الشريف في قصيدته التي يعاتب فيها أباه مبارك بن مطلب؛ وقد سبقت الإشارة إلى أن عبدالعزيز بن كثير في قصيدته التي يمدح بها سعدون بن عريعر اقتبس أيضا من قصيدة بركات. وهذا مما يدل على مدى انتشار هذه القصيدة وعلى مدى إعجاب الرواة ورواد المجالس بها وبما تحتويه من معاني وقيم.

    01) هو الدهر دومٍ نايباتٍ نوايبه // على الناس واسباب المنيّات صايبه

    02) فلا يدفع المقدور إبرام حيله // وترى ما يصيبك غير ما الله كاتبه

    03) ومن رام إنه بالعنا يدرك المنى // وبالحزم والتدبير تعيا مطالبه

    04) كم جاهلٍ تلقاه في خفض نعمه // وكم ثقةٍ بالحزم أعيت مذاهبه

    05) أرى الناس خلانٍ لمن كثر ماله // وإن قل مال المرء كثرت مثالبه

    06) ترى الرزق محتومٍ من الله للورى // قسمٍ وتدبيرٍ إلى الخلق قاطبه

    07) له الأمر والتدبير فيما يريده // شديد القوى تبّت يدا من يغالبه

    08) هو الواحد الفرد الذي لم يكن له // شريكٍ تعالى عن شريكٍ وصاحبه

    09) حليمٍ عن العاصي منيبٍ لمن رجا // جزيل العطا ما خاب جدٍ لطالبه

    10) حكيمٍ عليمٍ بالخفيّات قابض // إليه جميع الناس بالبعث آيبه

    11) يجل عن التشبيه حاشا لذاته // وكل كبيرٍ صاغرٍ عن مراتبه

    12) به نعتصم بالدين عن كل زله // بها تحبط الأعمال فيما توانبه

    13) عليه توكلنا له الحمد والثنا // إلى الخير أبداً للخلايق رغايبه

    14) فياراكبٍ من فوق قودا شْمِلّه // كما القوس من طول السرى غير شاحبه

    15) شمردلةٍ مهضومة الكشح ضامر // مضى القيظ ما شيفت على الورد واكبه

    16) هجنّعةٍ حرٍ أمونٍ هجينه // بقطع الفيافي والدياديم داربه

    17) هميلعةٍ شوقٍ إلى السير ترتمي // كما انحط جلمودٍ من اعلى شخانبه

    18) براها السرى من ضربها البيد وانطوى // لها بالتغاري ما بقى من سياسبه

    19) إلى ما ادلجت أستغفر الله كنها // شهابٍ بدا من بين الآفاق ثاقبه

    20) إلى ما هوى للأرض رجمٍ لمارد // ومن بعد ذا تخفى النواظر مضاربه

    21) لك الخير عرّج بي على الكرخ ساعه // قدر شرب فنجالٍ يْسَوّى لشاربه

    22) أرعها لك الحسنى تحمّل رساله // عن الصب في تصريح ما كان نايبه

    23) على صفحات الطرس زافت سطورها // وفي طيّها نظمٍ معانيه صايبه

    24) نظامٍ كما تبرٍ ودرٍ تظاهر // على صدر غرٍ كالسجنجل ترايبه

    25) من اعشار قلبٍ مستهامٍ متيم // غريمٍ غرامٍ تاعب الهم شاعبه

    26) أهيم اشتياقٍ كلما هبت الصبا // لنجدٍ ولي روحٍ مع الريح ذاهبه

    27) إلى عن لي تذكار نجدٍ تزايدت // شجوني ونفسي من أسى الوجد واصبه

    28) فياصاح وان لاحت لعينك منازل // وطالعت من وادى الحنيفي ملاعبه

    29) أنخ في حمى البطحا على الرحب والقرا // فلا أنت باوّل من أناخت ركايبه

    30) وبلّغ بإعلانٍ على المهجة التي // على الود ما تبرح عكوفٍ مواظبه

    31) شريف سلامٍ ما دعى الله مدّعي // وما جن ليلٍ داجياتٍ غياهبه

    32) أو ما ترزّم صوت رعدٍ وما همت // أشابيب هطّالٍ من المزن ساكبه

    33) وما ضاء زهرٍ في ربيعٍ بروضه // وما ناض برقٍ في مثاني سحايبه

    34) إلى من أقام الدين بعد انعواجه // وأدّى من المشروع والحق واجبه

    35) إلى رافع الإسلام من بعد خفضه // ونطّاح من جيش المعادي كتايبه

    36) سعود بن عبدالعزيز الذي بدا // على فترةٍ والناس بالغي شاربه

    37) أقام حدود الله بالسيف واغتدى // ذرى الشرك وهنٍ خافضاتٍ جوانبه

    38) إمام الهدى مبدي كدى غاية العدا // ومن شب ما ذكرت بنادٍ معايبه

    39) همامٍ شجاعٍ لوذعيٍ مجرب // بيومٍ ترى به لِمّة الورع شايبه

    40) حميٍ أبيٍ أريحيٍ صميدع // إلى ما وغى الهيجا تداعت نوادبه

    41) وثار عجاج الخيل واظلمت الدنا // وعاد الضحى ليلٍ به الشمس غاربه

    42) ترى له ما بين الخميسين سطوه // بصمصامةٍ تخشى الأعادي ضرايبه

    43) فسل عنه حزب الشرك في يوم أقبلت // به الروم تسعى كنه اليم حاربه

    44) فلا الليث أجرا سطوةٍ منه بالوغى // ولا الغيث أندى بالندى من وهايبه

    45) ولا الضد إن ناواه يرتاح ساعه // ولا يهتني بالنوم ليلٍ محاربه

    46) وكم في حمى دار العدا شن غاره // وكم دار قومٍ صبّحتها سلاهبه

    47) سما للمعالي وهو بالمهد صاغر // وكم كاهلٍ ما نال فيها مآربه

    48) سمت به الأيام حتى غدت به // حدود المواضي من دما الضد خاضبه

    49) وأحيا رميم الجود من بعد موته // إلى غاية الأوجاد بايضاح حاجبه

    50) فتىً لان للعانين بالمد جانبه // وهو في حدود الله ما لان جانبه

    51) به الحلم والمعروف والباس والتقى // تركب من طبعٍ على الناس راس به

    52) هو الماجد الوهاب ما في يمينه // سجية نفسٍ منه الى الله راهبه

    53) إلى ما اشتكت من حادث الدهر أزمه // تحملن أجلال المشاكل مناكبه

    54) عطاه إله العرش زهدٍ وسؤدد // إلى زاغت الأريا فأرياه راسبه

    55) فيامنتهى الطولات والفارس الذي // إلى تالي الدنيا تْذَكّر حرايبه

    56) وياملتجا من حل ناديه خايف // إلى حادث الأيام جلّت مصايبه

    57) أرى كل نمّامٍ كذوبٍ مجرّح // غدورٍ على الإسلام دبّت عقاربه

    58) عتلٍّ زنيمٍ خاين العهد باين // عن الخير مختومٍ بشرٍ فعايله

    59) غدا مرتضى في كل قولٍ مصدّق // أجل عنك إن الدهر أبدى عجايبه

    60) فهذا إلى ما عَنّ يومٍ بخاطري // أقول كما قال ابن مطلب لصاحبه

    61) أراك تعاتبني ولا دست زله // وغيري ولو داس الخنا ما تعاتبه

    62) إلى الله مشكى بث حزني وليعتي // ووجدي وأشجاني بقلبي مثالبه

    63) يابن الحماة الصيد والقادة الذي // على منبر المعروف بالمجد خاطبه

    64) أصغ واستمع واسمح بعفوٍ عن الذي // من الله يرجي صفح ذنبٍ أتاك به

    65) أجب دعوتي واصفح ذنوبي فإنني // محبٍ ولو أمست بي الدار عازبه

    66) فكن عادلٍ فيما عدا اليوم واقبل // نظامٍ إلى علياك رقّت غرايبه

    67) ودم وابق واسلم في سرورٍ ونعمه // والاضداد في نصبٍ من الذل ذايبه

    68) وصلى إلهي كل وقت وساعه // على المصطفى أزكى قريشٍ مناسبه

وقد وجدت في مخطوطات الربيعي قصيدة نسبها إلى شاعر يدعى هديب بن هديب يمدح فيها ماجد بن عريعر ويشرك معه في المدح أخويه محمد ودجين أبناء عريعر وابن أخيه برغش بن زيد بن عريعر وابن أخيه الآخر عرعر بن سعدون بن عريعر. ومعروف أن ماجد بن عريعر وأخاه محمداً تمكنا من استرداد حكم الأحساء لبرهة قصيرة بعد سقوط الدرعية على يد ابراهيم باشا. والقصيدة قصيدة مدح عادية ليست بذات قيمة تذكر من الناحية التاريخية يقول مطلعها: عفى الله عن عين بالاغضا يكودها// طيب الكرى من شٍ لجا في كبودها.

 أعلي

الهزاني وابو عنقا وآخرون

يمثل الهزاني نقلة نوعية في مزاج الشعر النبطي وفي أشكاله ومضامينه نقلته من العصر الهلالي (الكلاسيكي) إلى العصر الحديث. نجد في شعر الهزاني تكريسا وتأصيلا لقوالب وأشكال لا نجدها إلا لماما في شعر من سبقوه. وأبرز هذه القوالب والأشكال ثنائية القافية والمربوع والألفية واستبدال الوزن العروضي القديم الذي يسمونه الهلالي ويوافق بحر الطويل في الشعر الفصيح بالوزن العروضي ذي القافية المزدوجة والذي تنظم عليه غالبية القصائد الحديثة والذي يمكن غناءه على الربابة على لحن المسحوب وتفعيلته: مستفعلن مستفعلن فاعلاتن. وأغلب شعر الهزاني محفوظ مدون لذا فإننا لن نتوقف عنده كثيرا ولكن نظرا لما له من أهمية خاصة في مسيرة الشعر النبطي ولكونه يمثل محطة بارزة من محطات تطوره فإنه يجدر بنا أن نحاول تحديد عصره والحقبة التي ينتمي إليها من حقب الشعر النبطي.

ولا نعرف شيئا مؤكدا عن تاريخ ولادة محسن بن عثمان الهزاني ولا وفاته إلا أنه يرد عند القاضي (1993، ج1: 92) أن وفاته كانت سنة 1220هـ. ويذكر ابن مطلق في مخطوطته التاريخية شذا الند في تاريخ نجد أن وفاة الهزاني كانت سنة 1240هـ، وهذا مستبعد لأنه يعني أن الهزاني عاصر ابن لعبون. ويقول الحاتم إن الهزاني "عاش في النصف الأخير من القرن الثاني عشر هجري ومات في أوائل القرن الثالث عشر، كاد أن يعاصر الشاعر المشهور محمد بن لعبون ولكن لم يدركه شاعرا لأن الأخير ولد عام 1200." (الحاتم 1981، ج1: 177). والصحيح أن ولادة ابن لعبون، كما يذكر ذلك والده حمد بن لعبون في تاريخه (1408، ج1: 109-110)، كانت سنة 1205 وتوفي سنة 1247 في الطاعون الذي اجتاح الكويت والزبير والبصرة. وتأثير الهزاني على ابن لعبون واضح، فقد سار على نهجه في التجديد والابتكار في القوافي والاوزان والمواضيع وذكره وتأسى به في أشعاره، مما يعنى أن الهزاني سابق لابن لعبون وأستاذه، وإن بطريق غير مباشر.

وترد في الدواوين المطبوعة قصيدة للهزاني مطلعها "ياركب يامترحلين مواجيف". ويقدم الحاتم هذه القصيدة قائلا "وله هذه القصيدة أرسلها لصديق له يقال له سرداح في الأحساء." (1981، ج1: 183). ووجدت في مخطوطة الحساوي قصيدة يقدمها الناسخ بقوله "قال الشيخ سرداح يسند على محسن" وهي قصيدة مربوعة مطلعها "قسم الهوى لي والهوى تو ما بان// وتفتحت لي من هوى الغي بيبان". وفي نهاية القصيدة يقول الناسخ "قاضاه محسن بقوله أهلا وسهلا ما تمسك بالاركان" دون أن يورد الرد. وترد قصيدة سرداح برواية أطول مع رد الهزاني عليها في الإتحاف من شعر الأسلاف (العماري 1997: 175-177، 370-371). وقد وجدت في ديوان الهزاني قصيدتين أخريتين يخاطب فيهما سرداح أحدهما مطلعها: بيني وبين صويحبي وقفة احوال// يامن يدير الصلح بيني وبينه؛ والأخرى: عوجوا بالايدي لي رقاب النجايب// تحملوا ياركب مني بترحيب. ويرد اسم سرداح في الإتحاف سرداح بن هزاع (العماري 1997: 175، 370)، ولعل صاحب الإتحاف توهم وخلط في اسم الأب بين سرداح هذا وبين الشريف حسن بن هزاع، وهو ممن تربطهم مع الهزاني علاقة أدبية ودارت بينهم مراسلات شعرية. ولا يستبعد أن سرداح هذا، الذي تسميه مخطوطة الحساوي الشيخ سرداح، من شيوخ آل غرير، ربما سرداح بن عبيدالله بن براك بن غرير.

ومن الشعراء الذين عاصروا الهزاني وقارضوه من أهل الأحساء ويمكن أن نستدل منهم على عصره، إضافة إلى الشيخ سرداح، سعد المليحي ومهنا ابو عنقا وسليمان بن عفالق الذي يقول الحاتم (1981، ج1: 293) إنه عاش بعد الهزاني مدة طويلة حتى أواخر منتصف القرن الثالث عشر. هذه المراسلات مع هذا العدد من الشعراء والأعيان دليل على عمق العلاقة التي كانت تربط الهزازنة أهل الحريق بأهل الأحساء وحكامهم من آل عريعر. كما أن مراسلات الهزاني مع حسن بن هزاع الشريف مؤشر على أنه كانت هناك نوع من العلاقة بين الهزازنة وأشراف الحجاز.

ويورد المؤرخ مقبل الذكير خبرا مقتضبا عن الهزاني في تأريخه لأحداث سنة 1135هـ وحديثه عن سعدون بن محمد بن غرير عندما يقول "وفيما أظن أن محسن الهزاني معاصرا لسعدون هذا وبينهما صداقة. وقد مدحه محسن بقصيدة أولها: دنّ كتّابٍ وقرّب لي دواة. ولست على يقين هل هذا الشعر في سعدون بن محمد هذا أو في سعدون بن عريعر بن دجين لأن بين الأول والثاني نحو ستين سنة. ولاكن الراجح أنه معاصر للأول لأن محسن فيما ظهر لي أنه قبل دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب. والذي يرجح رأينا أنه سعدون بن محمد لأن سعدون بن عريعر لم يكن بالمحل الذي تقصده الشعراء لأن أمورهم قد تضعضعت." وقد وهم المرحوم مقبل في هذا الموضع من عدة أوجه. أولها أن المطلع الذي يذكره مطلع قصيدة بعث بها محسن بن عثمان الهزاني إلى صديقه سعد المليحي في الأحساء ولا ذكر فيها لأي من أمراء آل حميد. أما الباعث على قول القصيدة التي يشير إليها مقبل فهو قصيدة مطلعها "عضني ناب الزمان وقلت آه// نابني وانا مغر من بلاه"، قالها شاعر العريعر مهنا ابو عنقا، كما تؤكد ذلك مخطوطة الحساوي، وبعث بها إلى الهزازنة في الحريق. ولم أجدها منشورة إلا عند البرت سوسين الذي نشرها مع رد محسن الذي يبدأه بقوله "مرحبا ما غرق براقٍ بماه// أو تردّد صوت رعدٍ في جهاه". (Socin 1900-1901, vol. 1:213-219). وتقدم مخطوطة الذكير قصيدة محسن بهذه العبارة "الهزاني بمقاضات ابو عنقا يمدح فيها عرعر بن حميد شيخ بني خالد بهكالوقت". وواضح من مضمون قصيدة الهزاني أن الممدوح هو عرعر بن دجين بن سعدون بن محمد، وليس سعدون بن محمد كما يتوهم مقبل الذكير. وعرعر، وبعض المصادر تسميه عريعر، حكم الأحساء من سنة 1166 حتى وفاته في الخابية في غزوته ضد بريدة سنة 1188. وتشير قصيدة محسن الهزاني إلى أن أهل الحريق في وقته كانوا على علاقة وثيقة مع آل حميد، ومعروف أن الحريق من آخر البلدان التي تبنت دعوة الشيخ ابن عبدالوهاب وانضوت تحت لواء الدولة السعودية.

ونظرا لأهمية القصيدتين المتبادلتين بين أبي عنقا والهزاني وحيث أنه لم يسبق نشر قصيدة أبي عنقا إلا في مجموع سوسين فها نحن نوردهما كاملتين هنا بعد تقويمهما وتصحيح ما فيهما من أخطاء. وفي البيت الرابع عشر من قصيدة أبى عنقا يرد ذكر عرعر وزامل، ومن المؤكد أنه زامل بن حسين الذي سبق أن أوردنا قصيدته التي يرد بها على عرعر ويعده بالمساعدة والوقوف إلى جانبه. كما يرد ذكر سرداح الذي يحتمل أنه صاحب الهزاني الذي جرت بينهما عدد من المراسلات الشعرية والذي قلنا إنه ربما يكون سرداح بن عبيدالله بن براك بن غرير. وفي الأبيات الثامن عشر والثاني والعشرين والثالث والعشرين يورد أبو عنقا أسماء عدد من رجالات الهزازنة هم تركي ومحمد وزيد وأخو محسن ويبالغ في مدحهم، لكنه لا يذكر محسنا في القصيدة ولا ينخاه ولا يوجه إليه الخطاب. والاسم الذي يتهجاه أبو عنقا في البيت التاسع عشر هو "مشرا"، وهو من الأسماء الشائعة كما يدل على ذلك البيت الحادي عشر من قصيدة أحمد ابو عنقا المسماة موصلة التي قالها يحض فيها العريعر على الرجوع إلى الأحساء ويخطئهم بتركه واختيار البداوة.

    01) عضّني ناب الزمان وقلت آه // نابني وانا مغرٍّ من بلاه

    02) نابني نابه ونابيته وانا // خايفٍ من غدر ما يرمي قضاه

    03) والليالي لو بغت تصفي زمان // كدّرت بالغدر مطعومي وماه

    04) مثل أيام المقيظ وطيبها // تقتفيها مع تقادير الإله

    05) عيشة ايام الشتا بردٍ وجوع // والربيع وطيب أيامه قفاه

    06) مثل ذا أغضي على خبث وطيب // كل حيٍّ ذايقٍ طيبه واذاه

    07) أيها الغادي على بكرٍ صبور // يطوي البيدا بتطويحه خطاه

    08) أغلبيٍّ دغلبي ناب الفقار // في عمانٍ مع بني ياس غذاه

    09) يحمل ما يعجب مرعوبٍ هميم // كن ينهش في عراقيبه ذراه

    10) في نجيره أعوجٍ راعي قريض // ما يملّون السرى ربع حذاه

    11) حاذقٍ في بدع توليف النشيد // صاينه إلا لمن هو له شراه

    12) حين ما تلفون لي ياغانمين // بين ذوليك الصناديد اللواه

    13) فانشروا قيلي فما لي من صديق // اشتكي ما صار من حالي الاه

    14) عقب عرعر أو سنادي زاملٍ // أو سراج الدار سرداح بهاه

    15) ثم أولاد ابن هزّان سناد // منزلٍ لي منزلٍ ملجا غناه

    16) جمرة الحرب المنايا البارعين // خزنة المعسر إلى جا ما عناه

    17) نادهم في نادهم بازكى سلام // من قبالي ثم أبلغهم وصاه

    18) وانخ اخو محسن وقل شاعرك صيب // سو حظه في شَرَك سوٍّ رماه

    19) وين ميم وشين را ياسيّدي // ومن صناديد الكماة شقا عداه

    20) وين من لا حاش غير الطايلات // وين اخو محسن مهدّي من عصاه

    21) وين سور الدار وين خْزامها // وين ريف الضيف من جوعٍ حداه

    22) وين عمّه تركيٍ ذرب اليمين // وين من للضد يبحث عن كداه

    23) وين اخو محسن محمد هو وزيد // وين شارين المكارم منتهاه

    24) كَنّهم لي كِلّهم باسمٍ جميع // فان طفل الجود هم أمه واباه

    25) كلهم ما قط فيهم ناقصين // يطعنون القرم من كل الجهاه

    26) ما لهم بالوقت هذا من نطيح // غير بالماضين عنتر أو عزاه

    27) جمرةٍ تنهاب ما فيها رماد // من غضايا الجمر ما كل يطاه

    28) كم بروس حْرابهم ذاق الممات // من شجاعٍ فارسٍ تنثر كلاه

    29) يعتفر بالقاع مرميٍّ مصاب // راثعٍ في الخد يرثع في دماه

    30) غير ذا ياكاسبٍ نَوّ الجميل // ياحمى الجارات ياستره ذراه

    31) يامنى من خف مزهب زاده // بالشتا ما تقضب اصباعه عصاه

    32) مِنْكِفٍ أو حادِرٍ حاديه جوع // في مسيره يَمّكم أنتم حجاه

    33) جاتكم لي فاطرٍ ياغانمين // عيرةٍ ما رقّع الشاطر حفاه

    34) جاتكم لي بري مع ضبٍّ مكون // أطلبه منكم وذاك انا دواه

    35) نَوّ خيرٍ من صخاكم لي قلاط // فان نَوّ الخير أنتم منتهاه

    36) مثل من وِرْدِه على شطٍّ وذاك // مثل حفّار النقا يبحث ثراه

    37) ذا وصلى الله على سيد قريش // ما حدى الحادي وما رجّع غناه

وتتضمن القصيدة في نهايتها إشارات ورموزاً لم نتمكن من فكها مثل حديثه عن الفاطر في البيت الثالث والثلاثين والضب المكون في البيت الرابع والثلاثين. وتوحي بعض أبيات القصيدة أن الباعث لها هو طلب النجدة من الهزازنة، ومن المحتمل أنها قيلت أثناء الانقلاب الذي حدث ضد عريعر من بعض بني خالد، كما سبق أن بينا. وفي مخطوطة الحساوي يقدم الناسخ قصيدة أبي عنقا بقوله "قال مهنا ابو عنقا يسند على محسن الهزاني". لكننا لا نجد في قصيدة أبي عنقا أي ذكر لمحسن الهزاني. بل نستشف في رد محسن مسحة من الشره والعتب على مهنا الذي لم يذكره في القصيدة. وقد نشر رد محسن في ديوانه الذي يمثل الجزء الثاني عشر من مجموعة الأزهار النادية من أشعار البادية (كمال د. ت.، ج12: 124-129). يبدأ محسن رده بالسلام وإسداء التحايا إلى أبي عنقا. بعد ذلك ينتقل إلى الموضوع الذي يسميه شعراء النبط "الاركاب" وهو وصف الناقة والطريق والرسول الذي يحمّله القصيدة. ثم يبدأ بمخاطبة أبي عنقا ومعاتبته قبل أن ينتقل إلى مدح عريعر. وفي نهاية القصيدة نجد أنفسنا عاجزين عن تحليل المعنى الذي يرمي إليه الهزاني حيث لا تقل الأبيات الأخيرة من قصيدته غموضا عن الأبيات الأخيرة من قصيدة أبي عنقا:

    01) مرحبا ما غَرْق برّاقٍ بماه // أو ترزّم صوت رعدٍ في طهاه

    02) أو بكنّ عيون مزنٍ جنح ليل // وابتسم نوّار نبتٍ من بكاه

    03) أو ضفا جلباب ديجور الظلام // أو بدا فيروز صبحٍ من قفاه

    04) أو عدد ما حن مشتاقٍ دنيف // فارقه من بعد محبوبه عزاه

    05) أو عدد ما ضج بالقرن الحجيج // أو نفر من بعد ما حجه قضاه

    06) أو سرى الخِرّيت باكوار الهجان // أو تبارت يعملياتٍ وراه

    07) في كتابٍ قد لفاني من صديق // نظم درٍّ من بحر فكره نقاه

    08) من محبٍّ من رفيقٍ من عشير // صادقٍ فرضٍ على مثلي قضاه

    09) بعد منظومي كتابي والسلام // للذي مما جرى له قال آه

    10) أيها الغادي على حرٍّ هجين // داربٍ كالقوس محنيٍّ قراه

    11) سالمٍ من سوج معْوَجّ الضلاف // كن حمرة ناظره جمرة غضاه

    12) هملعيٍ نايف المقدم نجيب // ما يشده راكبه لولا براه

    13) شدقميٍّ أعيطٍ من نسل عيط // نقع خفه من حدو جريه غطاه

    14) نابي الوركين كاد انه يطير // يوم جد السير زار الجن جاه

    15) داربٍ لا فرق بينه والعجاج // أصفرٍ كنه إلى أسهم قطاه

    16) في أثر كدري قطا متعهّدات // منهلٍ يجلى الصدا سلسال ماه

    17) في ضحى يومٍ من الشعرا منيف // لفح بارح كاثح الجوزا شواه

    18) بالبرا عج راس نضوك لي كفيت // من زمانك شر ما تخشى أذاه

    19) قَدِر شِرْب العَجِل فنجالٍ ودون // باغيٍ ياهيه تنقل لي وصاه

    20) يم ابو عنقا وقل له ليش يوم // دَزّ نظمه ما تفطّن في قفاه

    21) ما احقر يالعشر من رد السلام // يوم جيت الخرج يامن نِطْق فاه

    22) فاق بالآفاق في قيله وانا // كل نظمٍ غاليٍ عندي قضاه

    23) بعد هذا كان لي عندك كما // عندنا من ذات توقير وجاه

    24) فافتهم نظمي وسلم لي على // منتهى الطولات فرحة من نصاه

    25) من حشا قلبي وقل له ذا سلام // من محبٍّ والمودّه في حشاه

    26) لازمٍ قْضاه لو اني بعيد // بالثنا والا فمن ربي جزاه

    27) ميم حا سينٍ ونونٍ كن في // موق عينه يوم فارقكم قذاه

    28) عرعرٍ سلطان هبّاسٍ ومن // هاطلات المزن يحذى من عطاه

    29) من عطاياه الاصايل والجياد // مثل عرعر في زمانه ما نراه

    30) مضفي الحسنى وبدّاع الجميل // عن جميع ادناسها عفّى رداه

    31) ذروة العليا شقا عين الحريب // فرجة العاني الى جا من حداه

    32) منجي المضيوم مدباس العجاج // ما حدٍ يوم الوغى يقوى لقاه

    33) مصدّرٍ بيض الهنادي راويات // من دم الأبطال في حومة لظاه

    34) تتقي به بالملاقا الجاذيات // والرعايا آمنات في ذراه

    35) كل عمره بالعطايا المصعبات // عن جميع الناس ما كلّت يداه

    36) من ينابيع الصخا حسناه عَمّ // كل مشرقها ومغربها سناه

    37) من بهاه نجوم نحسه آفلات // والسعود مقارناتٍ في سماه

    38) طوّق ارقاب الاداني والبعيد // بالحساني طوّل الباري بقاه

    39) شاق نفسي فيه مدحٍ بعدما // حدثتني عنه أفواه الرواه

    40) من صديقٍ ذات صدقٍ قال لي // كل مشرف عاليٍ عرعر رقاه

    41) ومن بغى من بعد مدحي له يرد // يزتري فيما مضى له قلت آه

    42) فان لي ياسامعين القيل فيه // من المآرب ما لموسى في عصاه

    43) من يسير الود يالممدوح جاك // في سجلٍ من بلل عيني رواه

    44) عقد درٍ من بحر فكرٍ غزير // في مديحك ياحجى الجاني زهاه

    45) بعد هذا القيل يامن لي صديق // ليث ما يعلاه ليثٍ من عداه

    46) حكيهم لك مثل لالٍ في سراب // ضحضحٍ ما يروي العطشان ماه

    47) ما يكون الا سرابٍ في هجير // شمس قيضٍ ليس يروي من ظماه

    48) حزبك اللي أنت له طول الزمان // من جداكم تعرف اليمنى جداه

    49) أدخلوه بهدنةٍ حسبة سنين // باغيين تجرّبك هذي الحكاه

    50) وانت حاشاك ان تسوّي مثل من // قد طوى عن مايح الجمّه رشاه

    51) ما عهدنا إن آساد الشرى // قبل ذكرك هادنت ضب الكداه

    52) ختم هذا القيل والمكتوب قلت // مرحبا ما غَرْق برّاقٍ بماه

    53) ثم صلى الله على خير الأنام // ما حدا الحادي وما رجّع بماه

هذه القصيدة تثبت أن محسن الهزاني عاش حتى بعد تولي عريعر الحكم سنة 1166هـ، وبذلك يكون أدرك الدعوة الوهابية وقيام الدولة السعودية، على خلاف ما يراه المرحوم مقبل الذكير. كما أنه من المؤكد أن مهنا أبو عنقا ولد قبل عام 1150هـ وذلك حتى يصل إلى السن التي تسمح له بنظم الشعر حينما تولى عرعر بن دجين الحكم عام 1166هـ. وقد عاش مهنا أبو عنقا بعد الهزاني لمدة طويلة حيث تثبت له المصادر قصيدة نشرها منديل الفهيد (1404-1413، ج3: 66-67) يعزي فيها سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود بوفاة والده الذي قتل في مسجد الدرعية عام 1218هـ ويهنئه على تولي الحكم، وهي على نفس وزن وقافية قصيدة عبدالله السيد في سعود بن عبدالعزيز.

وهناك قصيدة فائية ينسبها ابن يحيى ومنديل الفهيد لمهنا أبي عنقا ويقولان إنه بعثها من حبسه لآل عريعر الذين هاجروا إلى الشمال بعد استيلاء العثمانيين على الأحساء. لكن ابن بسام في تحفة المشتاق ينسبها لأحمد أبي عنقا ويذكر أنها قيلت سنة 1189هـ ويورد مناسبتها كما يلي "وفيها عصوا أهل الحسا على رئيسهم سعدون بن عريعر وطردوا بني خالد. فلما كان في السنة التي بعدها أعني سنة 1190 أقبل بنو خالد عليهم فخرج أهل الأحساء لقتالهم وحصل بينهم قتال شديد فانهزم أهل الأحساء وقتل منهم عدة رجال، ثم أن أهل الأحساء طلبوا الأمان من سعدون بن عريعر فأمنهم ودخل البلد وقتل رجالا من أعيانهم واستولى على الأحساء ونواحيه والقطيف. وإخراج أهل الأحساء هذا لبني خالد هو الذي أوجب على عبد آل عريعر أحمد ابو عنقا نظم قصيدته المسماة موصلة يحضهم فيها على الرجوع إلى الأحساء ويخطئهم بتركه واختيار البداوة. وقد أفادت بهم بقدر ما أودعها من اللوم." وقصيدة نبهان السنيدي التي يلوم بها أعمامه المشاعيب، أمراء عنيزة، ويحرضهم على الثأر من خصومهم واسترداد حقهم المسلوب تسمى أيضا الموصّلة؛ ولا ندري ما إذا كان هذا مجرد تشابه في الاسم أم خلطاً من الرواة. والقصيدتان تشبهان بعضهما البعض في الأسباب والنتائج وفي كونهما قيلتا على لسان شاعر يتجرأ على تبكيت أمراء بلده وتقريعهم ولومهم لاستنهاض هممهم. ويؤكد مضمون قصيدة أبي عنقا ما ذكره ابن بسام من أن الداعي لقولها هو تفرق الكلمة وفيها يتوجد على عريعر (أخو داحس) ويوجه الكلام لابنه سعدون. وإشاراته في نهاية القصيدة إلى أنه مكتف وسجين قد لا تفهم حرفيا، كما يقول الشيخ منديل وابن يحيى، فهي قد تكون تعبيرا مجازيا عن عدم قدرته كحضري على مجاراة البدو في حلهم وترحالهم. وتتضمن القصيدة قائمة طويلة من أسماء رجالات آل حميد الذين لم نسمع ببعضهم في مصادر التاريخ. تقول بعض أبيات القصيدة:

    01) إلى قنديل هبّاس المسمى // بعيد الذكر سعدون المكافي

    02) ألى واشيب عيني واعناها // أثرها عقب اخو داحس عوافي

    03) غدوا هَبْسٍ وراحوا شوف عيني // وصارت عقب اخو داحس مقافي

    04) ألى يالقبر ما تنفاج يومٍ // يشوف اللي جرى القرم السنافي

    05) ليتك ياصليب الراي حيٍّ // ولا شفنا بهجرٍ ذا الكساف

    06) مت وماتت الجمله جميع // وبين الحضر والبدو اختلاف

    07) مضى هذا وسرها يارسولي // شمال وعجّله كان انت شافي

    08) إلى سعدون ودجينٍ وداحس // وزيدٍ مسقي الضد الزعاف

    09) وقل لمحمدٍ واخوه ماجد // ترى هجرٍ بكى وانتم مقافي

    10) وعبدالمحسن الحر القطام // وبندر حيث اخو جهجاه يافي

    11) وقل للشيخ ابو مشرا ومشرا // بعيد الذكر نزّال الشعاف

    12) وخالد والعميري والشواوي // وخص نقّالة الحدب الرهاف

    13) وصقر وخص لي أولاد مفلح // جميعٍ كلهم تِقْبِل حوافي

    14) إلى ما جيت هذولا وذولا // فقل لهم النخل زين الخوافي

    15) وأنتم تتبعون هوى النياق // تقولون انهن هزلى ضعاف

    16) فيكم عرعر شمسٍ وغابت // ومسرج عزّكم ياهبس طافي

    17) سوقوا جربكم لا بارك الله // بها لم الحسا كوده توافي

    18) وانا لولاي مملوكٍ لغيري // عنيت وجيتكم لو كنت حافي

    19) ولكني كما القنفذ بْخِطّه // لو يظهر شاف منها ما يعاف

    20) بهجرٍ هِجّرت رجلي وزندي // وشربت المر هو وايا الزعاف

    21) وهذا قول من شفقٍ عليكم // وجيع الكبد مَلْوِيّ الكتاف

    22) عشيرٍ وان بغيتوني عشير // وعبدٍ وافيٍ ما نيب هافي

    23) وعيشوا وافهموا قول العناقي // نقي العرض ما داس الخلاف

وعلى ما يبدو فإن كلا الشاعرين عبدالله السيد ومهنا أبو عنقا عايشا خلافات آل عريعر في نهاية حكمهم واضمحلال دولتهم وانضمام الأحساء نهائيا إلى الدولة السعودية. ولذلك نجد غالبية قصائد أبي عنقا تفيض بمر الشكوى وتعبر عن سوء الحال وتردي الأوضاع وندب الحظ العاثر. واضطر في آخر أيامه أن يتنقل بين المشائخ والأمراء طلبا لرفدهم وطمعا في عطائهم. ومن الذي مدحهم درباس بن مجول وحسين بن راشد ورحمة بن جابر الجلهمي الذي توفي سنة 1242هـ.

 وهناك عدد من القصائد يخلط الرواة في نسبتها فمنهم من ينسبها إلى مهنا أبو عنقا ومنهم من ينسبها إلى شاعر آخر يدعى أحمد ابو عنقا وغالبيتهم تكتفي بالقول "مما قال ابو عنقا" دون تحديد الاسم الأول. ولا أعرف شيئا عن أحمد أبي عنقا إلا أنني وجدت قصيدتين منسوبتين له أحدهما غزلية ينفرد بروايتها ابن سيحان ومطلعها: ياقلب عن تبع المقفين ابانهاك// واحذر تراعي بالشقا من مخليك؛ والأخرى في مدح شخص سماه ابو متعب وينفرد ابن يحيى بروايتها ومطلعها: آه واراسي تعلاه المشيب// ليت ما راسي من الليعات شاب. ولا أدري إذا كان هناك بالفعل شخص اسمه أحمد أبو عنقا أم إذا كان ذلك خطأ والمقصود مهنا أبو عنقا.

ويورد ابن يحيى وكذلك صاحب روضة الشعر (خليفة 1400-1401، ج1: 84-86) قصيدة ينسبانها لمهنا أبي عنقا في رثاء مشعان بن هذال الذي سقط قتيلا عام 1240هـ. وإذا صح افتراضنا السابق بأن مهنا ولد قبل عام 1150هـ فإن عمره في السنة التي قتل فيها مشعان يكون قد تجاوز التسعين، إن لم يكن قد توفاه الله. وبناء عليه فلربما يكون قائل المرثية هو أحمد أبو عنقا. ولمشعان بن هذال عدد من القصائد في آل عريعر منها قصيدته المسماة الشيخة التي قالها حينما جاء فازعا لماجد بن عريعر. وله قصيدة ميمية يتحسر فيها على ضعف آل عريعر وتردي أحوالهم ويمدح فيها محمد بن عريعر. ورد على قصيدة مشعان الميمية أبو عنقا الذي يقول ابن يحيى وروضة الشعر إنه مهنا ويقول الحاتم (1981، ج1: 277-281) ومخطوطة هوبير إنه أحمد، والراجح أنه أحمد. وبالإضافة إلى هذه القصائد التي أشرنا إليها يورد ابن يحيى عددا آخر من القصائد التي لم تنشر لمهنا أبي عنقا وأحمد أبي عنقا.

 أعلي

شعراء من سدير

هناك قصيدة عينية مشهورة اختلفت المصادر في نسبتها. فبينما يتفق تركي بن ماضي (1376: 14-19) وابن خميس (1400، ج1: 160-161، 359) ومحمد الناصر آل وهيب (1414، ج2: 450-454، 627-628، 640-642) في نسبتها إلى محمد بن سعود بن مانع الملقب هميلان، ينسبها ابن يحيى إلى "سعود بن مانع راع القارة" وينسبها الحاتم (1981، ج1:221) إلى سعود بن عثمان بن نحيط ويذكر أنه قالها سنة 1120هـ، ترى أي واحد من هؤلاء الثلاثة يكون قائل القصيدة؟ وهل سعود بن مانع أبو هميلان هو سعود بن مانع أخو نحيط، الذي رجحنا أنه قارض جبر بن سيار؟

يقول ابن ماضي وابن خميس إنه في بداية القرن الحادي عشر لقي العبادل من تميم من سكان وادي بريك اضطهادا من جيرانهم آل عايذ القحطانيين أهل الخرج فاستنجدوا ببني عمهم في قارة سدير (صبحاء) فخف هميلان لنجدتهم، وإذا صح هذا الكلام فإن هميلان يكون قد عاش في القرن الحادي عشر، وبذلك يكون أبوه سعود بن مانع متقدما على جبر الذي فقد بصره وتوفي في العقد الثاني من القرن الثاني عشر. لكن ابن ماضي (1376: 15) وآل وهيب (1414،ج1: 452، 641) يقولان في مواقع أخرى إن هميلان نظم قصيدته سنة 1120هـ، وهذه هي السنة التي ذكر الحاتم أن القصيدة قيلت فيها. ومن غير المستبعد أن ابن ماضي نقل السنة عن الحاتم وآل وهيب نقل عن ابن ماضي. ويحتمل أن هذا هو التاريخ الصحيح، مما يعني أن القصيدة قيلت في بداية القرن الثاني عشر، وليس الحادي عشر. ومما يقوي هذا الاحتمال الخطأ الشائع عند العامة في تسمية القرون والعقود، كما سبق أن بينا في الحديث عن فترة بركات الشريف، بحيث يفهمون السنة 1120 على أنها تعني بداية القرن الحادي عشر لا الثاني عشر.

والقصيدة تسجل حادثتين منفصلتين. ففي البداية يتحدث قائل القصيدة عن سطوته في صبحاء وبعد ذلك ينتقل إلى الحديث عن نجدته لبني عمه العبادل. ولا تورد مصادر التاريخ المدونة أي ذكر لهاتين الحادثتين، أما الروايات الشفهية فإنها تعاني من الاضطراب والتفاوت فيما بينها. يوحي كلام تركي بن ماضي في صفحة 15 من كتابه أن هميلان خرج من الأحساء وسطا في صبحاء قبل فزعته للعبادل بينما يقول تركي بن فوزان بن ماضي في صفحة 18 من الكتاب نفسه إنه أثناء وجود هميلان مع العبادل في وادي بريك اعتدى بعض بني تميم على ولده هو وربعه القريبين وأجلوهم، وهذا يوحي من طرف خفي بأن السطوة أعقبت النجدة. ومما يزيد من بلبلة الباحث ما ذكره آل وهيب من أنه بعد انتهاء الحرب بين العبادل وآل عايذ "رجع محمد بن سعود إلى مقره في صبحا بسدير وإذا بالأحوال قد ساءت بعد ذلك في منطقة سدير فشد الرحال إلى الأحساء عند ابن عريعر ولكن لم يطب له المقام ولم يرجع إلى موطنه بسدير بسبب ما حدث له بينه وبين أبناء عمه في صبحا . . . واختار الإقامة بين أبناء عمه العبادل في وادي بريك الذي قام بنصرهم على آل زياد والعوائذ فيما سبق وتوجه إليهم وبعد البقاء بينهم بفترة طلب من تميم بن حماد العبدلي التميمي أن يزوجه ابنته المسماة بالبقرة وليس هذا اسمها الحقيقي وإنما اسمها الحقيقي سلمى." (آل وهيب 1414، ج2: 453-454).

وفي ظل هذا الاضطراب والتفاوت فإن السبيل الأحوط هو التقيد بترتيب الأحداث كما وردت في القصيدة، أي تقدم السطوة في صبحاء على نجدة العبادل. وإذا صح أن تاريخ القصيدة هو 1120هـ، كما ذكر الحاتم، فمن غير المستبعد أن قائلها هو هميلان وأنه ابن لسعود، أخي نحيط بن مانع بن عثمان بن عبدالرحمن آل حديثة العنبري. ونبني هذا الافتراض على أساس أن الأب سعود ولد قبل عام 1086هـ، وهي السنة التي هاجر فيها مع أبيه مانع إلى الأحساء، وربما أنه كان شابا يافعا آنذاك، إن لم يكن رجلا بالغا، لأن أخاه نحيط الذي كان قد توفي في الحروب التي سبقت هجرتهم كان قد رزق بابنه عثمان الذي هاجر مع جده مانع وعمه سعود إلى الأحساء. والفرق بين تاريخ هجرتهم إلى الأحساء وتاريخ القصيدة لا يقل عن أربع وثلاثين سنة، وهذه مدة كافية لأن يتزوج سعود بن مانع ويرزق بابنه محمد ويبلغ محمد السن التي تسمح له بأن يسطو في صبحا ثم يهب لنجدة العبادل. ويبدو أن محمدا نفذ هاتين العمليتين الجريئتين وهو في مقتبل العمر حيث لم يتزوج من ابنة حماد العبدلي (البقرة) إلا بعد أن أقام بعض الوقت بين العبادل، مما يعني أن هميلان ينتمي إلى الجيل الذي يلي مباشرة جيل جبر بن سيار وسعود بن مانع، وهذا مما يعزز الظن بأنه ابن لسعود بن مانع.

وهكذا يقودنا التحليل المقارن إلى أن الذي قارض جبر هو سعود بن مانع وأن صاحب العينية هو ابنه محمد، وأن الاثنين ليسا من آل نحيط لكنهما قريبان لهما جدا لدرجة لا يستبعد معها أن يشملهما اللقب، لأن صاحبه نحيط بن مانع أخا لسعود بن مانع، والجميع من آل حديثة أهل القارة والحصون الذين ينتسبون إلى بني العنبر من تميم. وينتسب هميلان في البيت الحادي والأربعين من عينيته إلى بني عمرو من تميم، وفي معرض إشارته إلى أهالي حوطة سدير في البيت التاسع والخمسين ينسبهم إلى بني العنبر ويؤكد أنهم أقرباؤهم الأدنون، أي أنهم هم وأهل حوطة سدير ينتمون إلى بني العنبر.

يبدأ الشاعر من البيت الرابع في استعراض سطوته في صبحاء، وفي البيت السادس عشر يحدد عدد من كانوا معه بأربعين رجلا استطاعوا أن يتغلبوا على خصومهم الذين زاد عددهم عن الألف رجل (قارن ذلك بما قاله جعيثن اليزيدي في الأبيات من الخامس والعشرين إلى السابع والعشرين من قصيدته التي يذم فيها ابن حراش وما قاله رميزان في البيت الثامن والثلاثين من القصيدة التي يرثي فيها أخاه وفي البيت الثامن عشر من القصيدة التي مطلعها تحقق عرفاني رسوم مبيدها// زمان لياليه الجفا من وكيدها). وهذه هي القصيدة العينية:

    01) دع الهون للهزلى ضْعاف المطامع // وشم للعلا بالمرهفات القواطع

    02) وصادم مهمّات المعالي فربما // تنال العلا فالعز للذل قاطع

    03) محا الله من لا يورد النفس للعلا // مواريد خطراتٍ صْعاب المشاسع

    04) ومن يتّقي الأخطار خوفٍ من البلا // فهو لازمٍ لا بد من ماه جارع

    05) ومن يرتجي الطولات من غير همّه // وعزمٍ يكثّر في عداه الزعازع

    06) فهو عاجزٍ عنها ولو كان طِلعه // قريبٍ وحظّه عن ذُرى المجد هازع

    07) ومن رام صعبات المعالي على النقا // تعلّق بأرشية الحبال المواتع

    08) ومن رامها بالغدر لو ساعفت له // صيّور ما يهوي به السقف واقع

    09) قلته ولي نفسٍ عن الظلم نزهه // طموحه لهمّات الرجال النواجع

    10) يانفس دوسي كل خطرٍ مهوّل // وقاسي عظيمات الامور الفنايع

    11) لا تتّقي الاخطار يانفس واشرهي // فما زاد باعمار الحريم التقانع

    12) نصاحب النفس الذي ما يفله // صليب بالود الحديد القواطع

    13) صبورٍ على الهول الذي تكره الملا // صبورٍ على ضيم العدا غير جازع

    14) صطيت بصبحا بعد ما ناموا الملا // بْشبّانٍ امضى من ليوث الشرايع

    15) صطيت بها وانا بها غير مرخص // إذا الغير في رخصٍ للاوطان بايع

    16) عشرين مع عشرينٍ عْداد صطوتي // على الألف واظنّي عن الألف طالع

    17) وكثّرت فيها ليعة الحزن فاصبحت // على الخد شبّانٍ وشيبٍ صرايع

    18) مجندلةٍ والبيض تنعي وشاع لي // نبا خَبَرٍ يرثى مع الناس شايع

    19) على ما يزين الوجه من واضح النقا // إلى رامها غيري بشين الخدايع

    20) وقال الذي قال كيف يزوره // وقبله قرانيس الحرار الهيالع

    21) ربيعه المذكور سقمٍ على العدا // وسيفٍ ومحمود السجيّات مانع

    22) حلّوا ولا حلّوا بها غير ساعه // تلاجوا لنا بالصلح والكل خاضع

    23) وهو جلا عنها وحيدٍ براسه // ولا مثلكم يورى الضديد الضعاضع

    24) وأنتم بها جمعٍ تخافون باسه // وتخلون من وجلاه طيب المضاجع

    25) نجعت عنها حيث ما لي بشوفها // وْتَوَلّف به اولاد الحباري جمايع

    26) من وِلْفها ردّيت وخليت ريعها // بْضرب الهنادي والرماح الذوارع

    27) بسيوف هندٍ صارماتٍ حدودها // تبوج مزرود الدروع المنايع

    28) بعزمٍ صبورٍ حازمٍ غير واهي // ولا ناب لاقوال الرديين سامع

    29) وخالفت من قد قال واشٍ وهمّتي // لها شارقٍ باعلى النجوم الطوالع

    30) اشرف على العليا بعزمٍ يقوده // فتكٍ بأوداج المعادين باضع

    31) وذا علمي وأنا بما قلت فاعل // وقولٍ بلا فعلٍ لْراعيه واضع

    32) لكن اعد الصدق مع واضح النقا // بفخرٍ يْطَرّى في جميع المواضع

    33) مضينا وعدنا في معانٍ لعلها // على الزين تِطْرى في مطال المجامع

    34) إلى ما تناهى سالف الدهر وايتفى // لنا داعيٍ تصغي إليه المسامع

    35) ينخا ويندب يابني عم جدنا // دهانا من احداث الليالي القوالع

    36) جندين ما نحتال دفعٍ لكيدهم // وليس سوى الباري للاجناد دافع

    37) أضاميم احلافٍ مْولين امرهم // أخا المجد عثمان النخي ابن مانع

    38) له همّةٍ تِرْد العوالي ونخوه // وله طولةٍ تِرْد العلوج الدوارع

    39) مضينا إلى الداعي ملبّين كلنا // كما اشبال ضرمات الأسود البواشع

    40) رحلنا من الوادي سريعٍ على النقا // نِحِثّ النضا من نازح البعد شاسع

    41) من لابةٍ تحمى العلا عمروية // مطلوبنا العليا ببيض القواطع

    42) مطلوبنا ننزع من الضد من عنا // الينا ولو بعدت علينا المناجع

    43) سرنا وسار العز يبرى لجندنا // وافضى بنا وادٍ من المجد واسع

    44) سرنا ثلاثٍ ناخذ اطراف ليله // إلى حيث صادمنا الحريب المنازع

    45) ضربنا بْبيض الهند هامات ضدنا // ونزلنا بلاد العز ملقى المجامع

    46) دارٍ بها الصفري مداليح بِسّق // وبين اللحم منها عذِيّ المراتع

    47) سقتها مهاريف النجوم وعلها // من الوسم مركوم السحاب الهوامع

    48) نزلنا بها والعبدلي كان قبلنا // لْطيب الجنا منهل لذيذ النوايع

    49) يهديه لاشرارٍ مْدارات شرهم // ومن بَرّ خوف الشر فالبِر ضايع

    50) شعلنا بها نار الحروب على النقا // لين اذعن المتبوع للضد تابع

    51) اقفوا مْطيعينٍ لنا حيث عاينوا // من ضرب ما يروي حدود النواقع

    52) خلّوا عفايرهم من الروع حِسّر // ذوات خدرٍ ذاهلات المقانع

    53) ولينا وعفّينا وحقٍّ لمثلنا // إلى ما سعى ساعٍ بالاحسان شافع

    54) نعفوا ونحن في مْراعى الهنا // إلى عاد ما ندرا من الناس وازع

    55) وسكنّا بها سكنة قريشٍ حجونه // غصبٍ على من كان للمال جامع

    56) ونزيد به فخرٍ مضافٍ كما مضي // من الفخر ترثاه القرون التوابع

    57) بجندٍ كما شهب العلا في بروجه // وقطامية الشامي مدير الصنايع

    58) له دفعةٍ يرجي بها غاية المنا // يقصر بها طولات من لا يتابع

    59) قريبنا الداني من اولاد عنبر // قصير شِبْرٍ عن عوانيه ناسع

    60) راضٍ بدان العيش عن طايل العلا // دايم ذليلٍ للمعادي مْصانع

    61) تمت وصلى الله على سيد الملا // عداد ما ناح الحمام السواجع

وينفرد الدخيل أيضا بإيراد قصيدة ينسبها إلى سعود ويقف. وهي قصيدة قوية قالها شخص يتوجد على فراق ديرته التي طُرد منها، ويمدح قائلها براك بن غرير. تذكر مصادر التاريخ، كما أسلفنا القول، أنه نتيجة لاسترداد آل تميّم الخالديين إمارة بلدة الحصون من آل حديثة التميميين، اضطر مانع بن عثمان بن عبدالرحمن آل حديثة على ترك بلاد سدير والجلاء إلى الأحساء سنة 1086هـ مع ذويه ومع ابنه سعود بن مانع، أي أنهم لجأوا عند براك بن غرير. شيخ الأحساء. وعلى هذا الأساس يحتمل أن يكون قائل هذه القصيدة هو سعود بن مانع، أخو نحيط بن مانع. وهذا ما استطعنا قراءته من القصيدة:

    01) ويفجع قلبي منزل القيظ كلما // أريته مغْبَرّ الجنابين دارس

    02) وحيش الجبا خالٍ من الخيم والقنا // وجرد السبايا والبكار القناعس

    03) نبوا عنه اهل جِل العطايا وكلما // نظرت بعيني مستعد المجالس

    04) يقول منيع الصبر مني حسايف // على دهرٍ معهم قليل التعايس

    05) فقلت ضحى لا حيلة استحيلها // وقد هب من ريح الفراق النسانس

    06) أقلا خليلَيّ اعتذالي وربما // بنا فكرتي في لاهقات القراطس

    07) وقفت على حزم العذيب وخاطري // بفراق الانوا والجما فيه جالس

    08) أحايل نفسٍ ضاق ميدان صبرها // .................... العام خامس

    09) يثير عليها الهم رؤيا ظعاين // إلى زَجَرت منها الحداة الخوانس

    10) قبل ظهور الشمس لم يبق حاجه // لهن غير بظهور الجمال القناعس

    11) ظهرن من الحزم الذي يحجز الصوا // شمالٍ ويَمّمن الدروب الدوارس

    12) ظعاين ما لي في لقاهن حاجه // ولا صاد قلبي من هواها وساوس

    13) ولكن من يتلين لي منه مطلب // جزيلٍ وظني فوق ما كنت هاجس

    14) ويمنعني عنه الحيا حين اشوفه // وصرع الحيا لاولاد الاجواد حابس

    15) لنا منه مامولٍ على طلب ديره // لنار هواها في لجا الروح قابس

    16) لها هاجسٍ من طارق الهم كلما // فجا القلب يوقظني ولو كنت ناعس

    17) يناط ضميري من اذياه مثلما // تنوط نياب الضاريات الفرايس

    18) أقمنا بها ياطال ما يرتجى بنا // لنيلٍ وكم ننجي رقاب الحوارس

    19) وكم في رباها من صديقٍ نسره // ومن بطلٍ في ملتقى الروع عابس

    20) وذا اليوم لا مستالفينٍ ظليمه // ولا يرتجي منا يد الفضل بايس

    21) رهين القضا واه القوى كلما نوى // مرام العلا عاقه من القِلّ حابس

    22) ولا من جدا الا من الله أو يكن // جدا منه لى أضحى به الظن آيس

    23) عريض ندى الكفين برّاكٍ الذي // يعَدّ على كل السجيّات فارس

    24) ذرى كل منيوبٍ منيبٍ ولافي // عفيف السجايا عن دروب الدنايس

    25) متم الرجا للمرتجي في جنابه // صخاه لعرضه من نبا اللوم حارس

    26) دِفِيّ الذرى حتف القضا صوب ضده // بِطِيّ الرضا للمجتني فيه حايس

    27) ظهير ضحى الهيجا هواةٍ معوّد // بنطح جماهير الجموع اللوابس

    28) أياديه لى كلّت أيادي مرامه // علي بالجدا من جديد ودارس

    29) فهو لي إلى ما ضامني فادح النيا // ملاذٍ كما تنجى الجبال الخوانس

    30) وليس سوى التقوى والايقان والهدى // وبذل النقا يفنى سوى ما انت غارس

وترد في أحد مخطوطات هوبير قصيدة على بحر البسيط يقدمها الناسخ بقوله "قال راعي القاره سعود باخوه فايز". والقصيدة يعاتب فيها أخاه فايز على تصديقه كلام الوشاة الذين زعموا أنه يكيد له. وقد أخطأ الناسخ في نسبته القصيدة إلى سعود لأن المؤرخ مقبل الذكير يقول في تأريخه لأحداث سنة 1111هـ أنه بعدما قدم عثمان بن نحيط من الأحساء واستولى على بلد الحصون "حصل بينه وبين أخيه فايز سوء تفاهم فخرج هذا مغاضبا لأخيه ونزل قرية صبحا ولم يكن لذلك سبب وجيه إلا وشايات الأعداء وتدخلهم في أمورهم فأراد عثمان استرضاء أخيه فأرسل له قصيدة يعتذر فيها فأجابه أخوه بمثلها وصلحت الحال بينهما لما عرف كل منهما ما عند الآخر". وفي ديوان الإتحاف من شعر الأسلاف يورد الأستاذ مبارك العماري القصيدة منسوبة لعثمان بن نحيط (1997: 319-323) وبعد عدة صفحات يورد رد فايز على أخيه (1997: 335-337). يقول عثمان بن نحيط:

    01) ما عن مقادير وال العرش منجاة // من كل حيٍّ على الدنيا ومن مات

    02) ما قدّر الله من أمرٍ يكون ولا // يمنعك عن ما يشا مولاك شوفات

    03) لا تركن الا لمن ترجى فضايله // جزل العطايا وعلام الخفيات

    04) اخف السراير وكن بالله معتصم // ولا تحسّف على ما جاك أو فات

    05) اعرف صديقك ومن يشفق عليك ترى // ما كل من قال لك حكيٍ بثبّات

    06) واجهد لنفسك فيما الحمد عاقبته // فيما يسرك ولا تلهيك الاوقات

    07) الناس خلان من دامت له النعم // ما همب اهل هاك لكن اهل هات

    08) عسمان الايدي مناكير الجميل لهم // مناجلٍ سِقّيت باسمام حيّات

    09) كم حدّروا من فتىً بارماث ما فتلوا // جازوه بافعاله الحسنات سيّات

    10) صاحب أخا جلدٍ تعرف مذاهبه // عند الرزايا صبورٍ فيه مكفاة

    11) شقيق روحٍ يحول بكل نايبةٍ // خلٍ على الكود ما هو خل راحات

    12) ياأيها المرتحل من فوق منجدل // حمرا جماليّةٍ كنه سبرتات

    13) خفّاقة الراس تشبه دلوٍ انجذبت // من كف لاقي الى الجمّه مهايات

    14) إلى غدت كنها العذرا الى لفحت // في ملعبٍ تنفض القلّه بطربات

    15) سرها جنوبٍ من المسمى الحصون إلى // دار المناعير يوم الروع وعْصاة

    16) مفضى الجويقا وما بين القارتين الى // جزع الفقي حدّها دار العرينات

    17) دارٍ لنا كم نحينا الضد لين بقت // مابيّة الجال برجاله معفّاة

    18) اختص لي فايزٍ بالقيل وانشده // عن كلمةٍ فيّضه ليتَه مخلاة

19 ) يافرز هيجا وياعيد الركاب الى // جنّك تقازى بهم هزلى مجيعات

20 ) يقول اخيّك ومن لا لك سواه ولا // له غيرك ونفع بعّاث الرميمات

21 ) ويش السبب في زَعَلْك وفي مغيضتك // تطيع ناسٍ نجوسٍ ما بهم ذات

22 ) أهل النمايم عديمين البخوت بغوا // تفريق الاخوين ياعذب السجيّات

23 ) حتى يصير لهم قولٍ ومقدرةٍ // وامرٍ ونهيٍ وتوخيرٍ وتبدات

24 ) ما لك يردون راسٍ في مشاورةٍ // يبغون ما حل في حيلٍ وحيلات

25 ) ما عِدّ منا قطاعاتٍ من اوّلنا // نعوذ بالله من درب القطاعات

26 ) إلى سنا نور عمرو الجود ننتسب // عليا تميمٍ رقيناها مناصاة

27 ) وِنْحِن هل الجود بالماجود والظفر // حمّالة الضيم عن جارٍ وجارات

28 ) وان قيل من يمنع المضيوم من دركٍ // بالزين حنا نجا راع الجنيّات

29 ) واحنا هل الباس والفعل الجميل واهل // نفعٍ وفعلٍ الى صارت ملاقاة

30 ) ما نتبع الهون دونه بل ندوس لظى // والضد نرديه في طقٍ وغارات

31 ) لنا على الروع جنبٍ ما يليّنه // خض الحديد اكود تلين ابانات

32 ) واليوم صرنا شماتٍ للعدا وإذا // مرض يروّع وله حدٍ وميقات

33 ) وحياة مولاك ما أنوي القبيح ولا // أنوي بك الشين ولا هو لي بنيّات

34 ) كيف اني اقطع يميني في شمالي ولا // لي غير يمناي في ضيقٍ وشدات

35 ) أتلى الذناين مفارقتي اخوي ولا // بي داس شرٍ فما الدنيا بجنات

36 ) فلا تطع فيّ أقوال المضل ولا // حكي النمايم ولا من جاك بوشاة

37 ) شف الليالي لها افلاكٍ تدور ولا // يحصل مع اقبالها منها مكافاة

38 ) لعبت باهلها الين ادعت منازلهم // خِلْيٍ خْلِيٍ سوى رسم العلامات

39 ) وين السلاطين هل المنشا الكرام على // عسر الليالي واهل بذل المروات

40 ) وشيوخ الاجود وين هم بعد ما ملكوا // هجرٍ مع الخط وبلادٍ بعيدات

41 ) ما كنهم غرّبوا بطن النفود ولا // سيقت لهم من حمى نجد الهديّات

42 ) وين آل عجلٍ ووين غدت ممالكهم // من عقب الاقبال وجموعٍ ورايات

43 ) وابو عليٍّ شبيبٍ وين دولته // والزير بدرٍ فتى الجودا وشيمات

44 ) وين الضياغم اسالك وين وجّهوا // واهل سعيده ووين الناس هيهات

45 ) دارت عليهم صروف النايبات وكم // دارت على امثالهم من كل آفات

46 ) جعلت مقاديمها اعيازها وقفا // واستنقلتهم إلى الأجداث أموات

47 ) اعلم هديت ولا فاجاك نايبةٍ // يافايز افهم ترى للغيظ حزات

48 ) واعرف وشف كيف تفريق الزمان ولا // تدع العيا في رفيقك بالمهمات

49 ) ما والذي له جميع الناس قد سجدوا // وانعامها والنوابت والجمادات

50 ) لا والذي هللوا يرجون رحمته // يرجون غفران وال العرش منجاة

51 ) متيممين لبيت الله مقصدهم // يهرولون وهم حافين وعراة

52 ) ياخوي والله والرب الكريم وما  // نزّل ولِيّ السما من سور وايات

53 ) ما ابديت ما قلت من قصرٍ علي ولا // جزعٍ ورزقي على وال السموات

54 ) ما ناب رجلٍ يذل الوقت همته // إلا على الوقت لي باسٍ وهمّات

55 ) لا شك اشوف الليال السود خاينةٍ // واشوف دنياك له مكرٍ وقلبات

56 ) ميّالةٍ كلّةٍ بالخير غارزةٍ // وتقلّب انواعها بالوقت تارات

57 ) فكن بها صابرٍ واور الجلاد بها // فالناس ما بين حسادٍ وشمّات

58 ) فاسلم عدد ما سعى ساعي الحجيج وما // مرّن الايام والليلات عجلات

59 ) ثم الصلاة على المختار ما طلعت // شمسٍ وغابت على خير البريات

ومن باب الاتعاظ والاعتبار يسرد عثمان بن نحيط في الأبيات من الأربعين حتى الرابع والأربعين عددا من الحكام الذي أفناهم الدهر وهم شيوخ الأجود وآل عجل وابو علي شبيب والزير بدر والضياغم وأهل سعيده. وبعض هؤلاء شخصيات تاريخية حقيقية وبعضهم شخصيات أسطورية ومنهم من نعرفهم ومنهم من اندثر ذكرهم ولم يعد لهم أثر في الذاكرة الشعبية من أمثال أهل سعيده وآل عجل. والضياغم المشار إليهم هنا ربما يقصد بهم عرار وعمير وبقية الشخصيات التي تخلدها رحلة الضياغم الأسطورية، مما يشير إلى أن أسطورة الضياغم المعروفة في عصرنا هذا كانت متداولة منذ ذلك العصر. وكثيرا ما يستشهد المؤرخون على امتداد نفوذ الجبريين إلى نجد ببيت جعيثن اليزيدي الذي يقول: ونجد رعى رِبْعِيّ زاهي فلاتها// على الرغم من سادات لام وخالد. والبيت الواحد والأربعين من القصيدة السابقة يقدم دليلا آخر على ذلك.

وفي الأبيات من واحد وعشرين إلى ثلاث وعشرين من رده على أخيه عثمان يستشهد فايز ببيتين من قصيدة لجعيثن اليزيدي أوردناها في الفصل الخاص بالحقبة الجبرية الأولى، والبيتان هما:

    فربة مكروهٍ تمنى له الردى // يجي منه نفعٍ فوق ما أنت خايل

    وربة مامونٍ تمنى حياته // يصيرٍ لما تدرى من السو فاعل

وفي البيت الخامس عشر يشير فايز إلى حكاية تتعلق بشخص اسمه منيع لها مغزى يتعلق بما حدث بين فايز وأخيه لكننا لا ندري من يكون منيع ولا نعرف قصته. وفي الأبيات الثلاثة التي تبدأ من البيت السابع والعشرين يوجه التحية إلى أبي مانع ويحيى ثم يخاطب في البيت التاسع والعشرين ابن فوزان قائلا إنني لا أسمع كلام الوشاة فيك. والمفروض أن يوجه فايز هذا الكلام إلى أخيه عثمان بن نحيط الذي لا نعرف من بين آبائه وأجداده أحداً اسمه فوزان. وهذا جواب فايز:

    01) صدق مقالك وخلاق البريات // إن الليالي إلى أثرت مريّات

    02) وان الليالي أحد يرفن زلَّتَه // وهنِّ دايم على مثلك جريّات

    03) وكل يومٍ يسوق الليل واضحه // والليل مثله وهن تفريق ساعات

    04) ساعة سعودٍ سرورٍ ما بها كدرٍ // ويجي لها ضد كدرٍ فيه نكبات

    05) والشط والبحر طول الدهر بينهن // روجٍ وموجٍ ومدات وجزرات

    06) كذلك الدهر به عبره لصاحبه // وهو بثنتين كدراتٍ ولذّات

    07) وقيل في محكم التنزيل باخره // مثّل بثنتين نيرانٍ وجنات

    08) وكل الاعمال بالنيات لى صلحت // سقمت وان كانت النيات نيات

    09) فسدت وكلٍ على ما الله كاتبه // حتمٍ وما لك يشا أمرٍ فهو آت

    10) وكل اخا ثقةٍ وان شاخ بوطنه // يحفظ صديقه إلى ما داس زلات

    11) وان بان له زلةٍ أخرى عفى عنها // وان بانت الثالثه فادمح معاناة

    12) وان بانت الرابعه خَلّه وشم عنّه // قل ما خلق وانذفه زد له بمجفاة

    13) صديقك ان ما ورد ما كنت وارده // لو كان نارٍ وله عقلٍ وبه ذات

    14) تنعاف عشرة صديقٍ ذي سجيّته // وراع العيا بالعيا جازه مقاضاة

    15) يصير شروى منيعٍ هو وصاحبه // ويصير فرقى الممات على الجمالات

    16) هذاك يثبت على خيرٍ وصاحبه // يشرب بكاس الصفا عقب الكدارات

    17) يصير درعٍ منيعٍ دون صاحبه // ما راد قال الهدى في كل نيات

    18) فان كان دومٍ يرى رأيٍ وصاحبه // يرى وما قد يرى للكل شوفات

    19) متفاختينٍ وكلٍ ضاربٍ نهجٍ // متفاختٍ جذبهم فيهم حماقات

    20) ففراقهم للذي ضده مقابله // أخير من جمعهم خوف المغاثاة

    21) قد قال بيتٍ جعيثن صادق المثل // وشفنا بما قال شارات وعلامات

    22) كم من عدوٍ تمنّى خفض قامته // يجيك بالنفع فاثبت له مصافاة

    23) وكم من صديقٍ تظن انه أخا ثقة // وهو كما عزةٍ بالنفع والآت

    24) قم أيها المرتحل من فوق ناجيةٍ // تزهى شدادٍ مصاليبه قويات

    25) إن سرتها من ربى صبحا فيمّمْها // وادي سديرٍ فواقرب المسافات

    26) واضرب على دار ربعٍ سلْم قايدها // واقر التحيه يحيّونك بتلبات

    27) منهم ابو مانعٍ نعم العميل ومن // أحيوا بضرب الهنادي ذكر من مات

    28) واثن التحيه على يحي وبلّغه // لفظٍ وللصدق بالالفاظ امارات

    29) وقل لابن فوزان لا اوزاك الزمان الى // ضدٍ ولا جتك غاراته مفاجاة

    30) وشى بك الواش ما نسمع وشايته // والحمد لله قد صارت سلامات

    31) ثم الصلاة على المختار سيدنا // محمدٍ ما سجع ورقٍ بنغمات

ومن شعراء سدير القدامى الذي لم تسعفنا المصادر في تحديد وقته الشاعر حمد الوايلي من أهالي حرمه. وزمنه أقدم من زمن المؤرخ حمد بن محمد بن لعبون لأن ابن لعبون يذكر سويد حفيد مبارك الذي من ذريته حمد الوايلي مما يعني أن هذا الحفيد إن لم يكن قبل ابن لعبون فهو معاصر له. يقول ابن لعبون:

وممن أهملنا من ذرية مبارك جد سويد حمد الوايلي الشجاع الشاعر المشهور الذي غاضب رفاقته حين أغضبوه وعتبوا عليه من قبل دخوله حايط سيف الفريجي المسمى بالفاضلية الذي في جنب الناصرية نخل ابن عمه، وأخذه العناقيد من عنبته هو ومعشر معه، حين تبعوا طائرا يرمونه فشوه عليه سيف الفريجي وقطع غصون من العنبة ودخل بها يجرها على حمار وقال: اليوم يتوصل للعنبة وبعدها على البنات، واصطفقوا عليه رفاقته حمية لجارهم الشمري فماج عنهم وانتقل إلى العراق وبعث إليهم قصيدته المشهورة التي أولها:

          على الناس دالوب الزمان يدير // وخيل الليالي بالفجاة تغير

          ومن عاش في الدنيا ليال كثيره // سواً ذاك واللي يموت صغير

          ومن عاش في الدنيا ولو شب مترف // فصيورها تبحث كداه الغير

          ولو كان في حقٍّ من العاج مطبق // فلا عن مقادير الاله يطير

ثم إن رفاقته حنوا عليه وأمروا شاعرهم المشنق يجاوبه بشعر يزريه فيه، يحداه على الظهور فجاوبه بالشعر الذي يقول فيه:

          يوم انت في حوران تتلي مطابخ // وأكلك من خبز الهنود خمير

          وانحن نصالي في سديرٍ قبايل // نعدل في ميلاتها وندير

          ونصبر على أكل الهبيد وخلطه // قصيل وعيد المحصنات شعير

وظهر من رحلته قانص قتل المشنق على غرة فلما قربت الرحلة من حرمة سبقهم، ودخل معلق بندقه وصوت للمشنق في بيته في الليل وقال: غريب مبعوث إليك بغرض! وقال: ما في الليل قضي أغراض ولا أفتح بابي في الليل!! فقال: طل علي مع الفرجة أخبرك. وقد بشم الفتيلة لرميه فانتبه المشنق وقال: إن كان الوايلي حي فهو أنت وأنا شاح بعمري، وتايب عما مضى من أمري، فلما انتكث أمره عدل إلى المجمعة وأصبح فيها، فلما علموا رفاقته مشوا إليه وأرضوه، ورجعوا به معهم إلى حرمة على وقار وحشمة. (الجاسر 1402، ج7: 606-607).

وقد نقل الربيعي هذا الكلام ووضعه مقدمة لقصيدة الوايلي التي أثبتها في مخطوطته مع رد المشنق. وتقول الرواية الشعبية إن المشنق حينما رفض الظهور من بيته طلب منه الوايلي أن يخرج رأسه من الباب ليناجيه، وفهم المشنق قصد الوايلي فأظهر له من كوة الباب لبنة ظنها الوايلي في ظلمة الليل رأس رجل فضربها بسيفه فقسمها إلى نصفين. ويذكر ابن لعبون أن الوايلي ذهب إلى العراق لكن يستشف من قصيدته ورد المشنق عليه أنه ذهب إلى حوران ويصف في بعض أبيات القصيدة ما وجده هناك من رغد العيش مما يذكرنا بقصيدة رشيدان التي بعث بها لأخيه رميزان من الأحساء. كما أن رد المشنق، بما تضمنه من زراية على الوايلي وتسفيه له على ركونه إلى الراحة والدعة وتتبع ملذاته، يذكرنا بالقصائد التي وجهها كل من رميزان وجبر بن سيار إلى رشيدان. يقول حمد الوايلي:

    01) على الناس دالوب الزمان يْدير // وخيل الليالي بالفجاة تغير

    02) ومن عاش بالدنيا ليالٍ كثيره // سواتين هو واللي يموت صغير

    03) ومن عاش بالدنيا ولو شب مترف // صبّور ما يبحث كداه الغير

    04) نشيت بعجاتٍ ولا ادريش ما جرى // على الناس ولا كيف الزمان يصير

    05) أدوس المعاني كالضرير وإنني // خبيرٍ بما لا خير فيه بصير

    06) إلى حيث بان العيب لي من كبارنا // بيانٍ لكل العالمين شهير

    07) على بالهم ما اعيش في دار غيرهم // ولا من سدى خيط الكلام انير

    08) فلا صاحبٍ يشقى بقضيان حاجتي // ولا خيّر بالغانمات يشير

    09) ولا الجار يْعِنّى عن تنائي تنوفه // ولا من لنا بالملزمات قصير

    10) ولا أخٍّ طويل الباع عرجا جواده // إلى حق بين المورشات سعير

    11) بها اعيش في بلدان الاجناب واشتقي // هو باللقا من لامهن عسير

    12) ولا لي سوى مسلوبة البطن كنها // عظم ساق خفّاق الجناح يطير

    13) وسيفٍ ثقيل الروز غالي مسامه // إلى ناش مريوش العظام يطير

    14) وقد شفت مغمود البنانين عندهم // كبيرٍ وكسّاب الجميل حقير

    15) وسيف المنيعي عندهم راس مغنم // من عقب ما ينقل سقاه خضير

    16) عرفت انني لو طلت الاوقاف بينهم // بقيت لعوج النابحات اسير

    17) قضيت اللما من وصل الاصحاب مثلما // قضى الحج من بيت الحرام نفير

    18) وادنيت للزيزا صميلٍ ومزهب // ومن فوق منبوز الوروك نجير

    19) ثلاثين يومٍ عقب فرقا رفاقتي // وعشرٍ لقود الناجيات مسير

    20) وسادي مع برد الشتا عضد ناقتي // ولي كورها وسط النهار حصير

    21) وصادمت من خوفي شماتات مبغض // هوا كالحٍ عين الشمال شرير

    22) وجزت بتيها يكره اللاش وِرْدَها // من الزول غير الجازيات جفير

    23) إلى ديرةٍ ما يفقد الظل جالها // بها البر للقبّ الجياد عذير

    24) بها لابةٍ تبحث كدا الضد بالوغى // وشيخٍ لْسرح المعتدين يذير

    25) إلى شفت بالهيجا مشاهير خيلهم // لكنه روض الديدحان منير

    26) وجزت بها بياع هيلٍ وفلفل // وْوَرْدٍ وما يعبا لهن ذرير

    27) على الرغم والا فان لي نفس خيّر // ولكن دهري عن هواي يدير

    28) بلادي أنادي ياخطيبٍ بربعها // يحسبون اني عابد أو فقير

    29) هم ما دروا إني ضحى الروع عادتي // على القرم في ضيق المجال خطير

    30) يهاب المعادي سطوتي في ضحى الوغى // ولا خَط من نبت العوارض نير

    31) وكم نثّرت يمناي من ساخن الدما // إلى ثار من عين الضبوح ذخير

    32) وكم نادرٍ مرجام حربٍ رميته // حطّوه في قبرٍ جباه غزير

    33) بلاكن حظي خان بي يوم بان بي // على الخد من وجه النبات كثير

    34) وقومي عن العليا بعادٍ وشبرهم // عن الجود عند الملزمات قصير

    35) فياطارشٍ من دار حوران كِدّها // أجارك عن سو الزمان مْجير

    36) ودع من جوف آل عمر مخافه // إلى أن ترى نور الصباح منير

    37) وجنّب عنسك للمروات سقها // على الربع من جوٍّ رْشاه قصير

    38) يمين النقا قِبْلِيّ الاشراق منهل // عليك إلى ريّعت فيه خطير

    39) وحد ساعةٍ في معطن الما وكدّها // قومٍ فضرّاب الفجوع كثير

    40) دع عنك باليمنى طويقٍ ولا تكن // لشوف الرعون الطافحات نحير

    41) بلادي عن المسما جنوبٍ وقبله // عن الذخم غربي الظعون تصير

    42) وسر سالمٍ حتى تجي ربع ديره // بها قبل ذا لي صاحب وعشير

    43) دارٍ ترى فيها للاجناب طوله // عليها البوادي وارد وصدير

    44) وقل للذي لي من صديقٍ وصاحب // تراني عن الأمر إليه مجير

    45) أنا اظن من قد باعني غير رابح // إلى طِقّ في بعض المواقف زير

    46) وقابلتوا الشوف الذي تكرهونه // وعاد لطلاب الديون هدير

    47) بيومٍ كداج الليل عالي قتامه // فيه الفتايل كالبروق تنير

    48) فلي عادةٍ فيها إلى من تزاحمت // بكفي لها قرم العداة يطير

    49) كم ميمرٍ مقدام قومٍ دعيته // يْجَرّ إلى قبرٍ مِداه قعير

    50) وصلوا على خير البرايا محمد // عدد ما عنوا له قاصدين وزير

وهذا جواب المشنق على الوايلي:

    01) الاشيا إلى والي العباد تصير // ولا عن مقادير الإله مطير

    02) والايام غمسٍ والليالي حوادث // ولا من دواهي رميهن منير

    03) تجيه على غِرٍّ وهو ما درى بها // ولا جاه منها طارش ونذير

    04) فيامن لقلبٍ من زمانين كنه // يشظى بزين الرونقين طرير

    05) وعينٍ لها عن لذة النوم حارس // لكن يحشي جفنها بسفير

    06) أنا كان قبل اليوم في حد راحه // وسرحي مْغِرٍّ وارد وصدير

    07) وقد هاض ما كنّيت طرسٍ مورّخ // لفاني كما كتف الغزال جهير

    08) لفى من صديقٍ صَدّ عنا مْغَرّب // غدى في مغانٍ لَمّهن عسير

    09) ولكن كافانا بالانكاف والهجا // وهو تايهٍ ما له جِدى ومشير

    10) فقم أيها الغادي على ظهر هرقل // لها الإنس في بعض الحزوم يذير

    11) عرا غير ما ينقل شرابٍ ومزهب // ومن فوق مريوش العظام نجير

    12) إلى سِرتها من وادي الوشم مشمل // أجارك من سو الليالي مجير

    13) دع الجدي باليمنى شمالٍ وحثّها // تجاوز لقفرٍ موحش وخطير

    14) إلين تجي دار آل عمر قبايل // لكنك ياوالي النجير بِشير

    15) وسايلهم عنّه إلى جيت حيّهم // كما سال مفقود الذهيب بعير

    16) وقل حاظرٍ يابو شهابٍ بفضوه // ولا حِطّ من فوق النجيب نجير

    17) علامك كافيتنا منك بالهجا // وشرواك يرجى حاظرٍ واخير

    18) فما ذِكِر قبلك واحدٍ سب قومه // ولو كان سعبوبٍ يسوق حمير

    19) هْجاك لمن يضفي عليك جميله // خلاف الحساني منكر ونكير

    20) لكن بك من عَصِر ما فات شاره // هبالك ياذرب البنان كبير

    21) غذيناك راجينٍ بك الفود والثنا // نبيك لهول المرجفات ذخير

    22) واوشيت علينا ظربة ما طفيتها // سُوّه على وجه الصديق خطير

    23) وقولك في يوم الوغى تذكرونني // إلى طِقّ في بعض المواقف زير

    24) عليت وهذي منك ياشيخ وهمه // وتصوير ما لا كان كيف يصير

    25) زمان انت في حوران تتلي مطابخ // وزادك من قل السيور خمير

    26) يدامك فيها يومك وباكر // ومن درّ محنيّ القرون مضير

    27) تمتّع بخردات الحبايب وتشتري // بهيلٍ وتنباك القرى وعصير

    28) وحنا نصالي في سديرٍ قبايل // نْعَدّل في ميلاتها وندير

    29) ماكولنا حب الدعاع وخلطه // هبيدٍ وعيد الغاويات شعير

    30) كفيناك ياعذب السجايا بساعه // إلى جا القدر للكاينات مْغير

    31) فياما جلبنا ارواحنا دون دارنا // في ماردٍ فيه العسير يسير

    32) وياما حضرنا دونها من دويسه // بيومٍ على اللي يحتضيه كبير

    33) وكم من طويل الردن قرمٍ بفعلنا // دعيناه من عقب النشاط كسير

    34) دعينا عدانا في حمانا لكنها // طعاميس خبرا في محل غدير

    35) هذاك مطروحٍ على الأرض عافر // وذا واقعٍ غصبٍ عليه يبير

    36) وقولك في يوم الوغى تذكرونني // إلى شب في حرب الرفاقه كير

    37) فما بان لك إلا سلامتك عندنا // زمان انت تغذى كاهل وصغير

    38) فما يستحق المدح إلا مجرّب // حسامه إلى حق الزحام طرير

    39) يحامي على الأدنين لو مسّه الجفا // لدى كل الاشيا مِسْدِيٍ ومنير

    40) ومن رام رِفْد الأقربين ونيلهم // زهيدٍ بعين الناظرين حقير

    41) وقولك سيفٍ عندكم راس مغنم // من عقب ما ينقل سقاه خضير

    42) ترى سيفٍ ابرك منك وان حق مرجف // مقدّم غلبا جمعنا ويشير

    43) فياما دحمنا عوج الاجناب خافه // شماتات من بالباطنات خبير

    44) وان كان للجيران حقٍّ وحشمه // ترى جارنا بالملزمات يجير

    45) ومن عافِنا زعلان عفنا قباله // ولو كان قدره قبل ذاك كبير

    46) فجاك القضا يابو شهابٍ مشافه // ومثلك بصيرٍ بالقضا وخبير

    47) وصلوا على خير البرايا محمد // نبي الهدى للمؤمنين بشير

أعلي

 

<< الصفحة السابقة  |  الشـعر النبـطي  |  الصفحة الرئيسية  |  الصفحة التالية >>