الصفحة الرئيسية | السيرة الذاتية مراجعات أعمال د. الصويان الأعمال المنشورة | الصحراء العربية: شعرها وثقافتها | أساطير ومرويات شفهية من الجزيرة العربية
 الثقافة التقليدية مقالات صحفية في الأدب الشفهي مقالات صحفية بالعربية محاضرات عامة معرض صور تسجيلات صوتية موسيقى تقليدية
ديواني
| كتب في الموروث الشعبي مخطوطات الشعر النبطي أعمال قيد النشر لقاء تلفزيوني مع محطة العربية مواقع ذات علاقة العنوان

Home | Curriculum Vita | Reviews | Publications | Arabian Desert Poetry | Legends & Oral Narratives  
Traditional Culture
|
Articles on Oral Literature | Articles in SaudiDebate | Public Lectures |  Photo Gallery | Sound Recordings
Traditional Music
| Anthology | Folklore Books | Manuscripts | Work in Progress | TV Interview | Relevent Links | Contact

 

الحقبة الغريرية 2

ابن بسام

حميدان الشويعر

شعراء من القصيم 

شعراء من الأشراف 

شعراء سقطوا من ذاكرة الزمن

 

ابن بسام

يورد الحاتم (1952، ج1: 41-45) قصيدتين متبادلتين الأولى قالها قطن بن قطن شحنها بالألغاز وبعث بها، حسب رواية الحاتم، إلى ابن بسام في عنيزة. يبدأ قطن قصيدته قائلا:

    يابو محمد لا فجتك مصيبه // طيب الزمان في رغد ما ريت شر

ولما وصل نجاب الأمير قطن إلى البلد ذهب إلى السوق حاملا القصيدة وسأل عن ابن بسام فقالوا له إنه خارج البلد ودلّوه على ابنه الصغير الذي علم من النجاب أن قطن مستعجل على الرد على قصيدته. فطلب الصبي من النجاب أن يسمعه القصيدة ثم قام بالرد عليها وهو واقف في مكانه في السوق مع النجاب الذي لم يحط عن راحلته بل أخذ الجواب على القصيدة وعاد من توه إلى عمان. وبدأ ولد ابن بسام الرد بقوله:

    ياراكبٍ من عندنا منجوبه // من ساس هجنٍ كنها ظبيٍ عفر

ولا تخلو هذه الحكاية كما ترد عند الحاتم من المسحة الأسطورية التي لا تفارق شخصية قطن بن قطن. فالألغاز التي بعث بها قطن ليست من السهولة بحيث يستطيع صبي أن يحلها بهذه السرعة والسهولة. ولا أدري ما المصدر الذي عول عليه الحاتم، فلم أجد القصيدتين في مخطوطات ابن يحيى التي بين يدي. لكنني وجدت في إحدى مخطوطات هوبير أن ابن بسام من شقراء. كما وجدت في مخطوطات الربيعي أن ابن بسام المقصود هو ابن بسام راعي سدير. وهذا هو الأرجح عندي لأنه لو كان من بين عائلة البسام الذين يسكنون عنيزة شاعر على هذا القدر من النباهة لما خفي أمره على الربيعي.

والواقع أننا في حيرة من أمر هذا الشاعر نظرا لما نجده من اضطراب في المصادر. تجمع المصادر على أن الشاعر الذي قارضه قطن بن قطن يدعى ابن بسام، وإن اختلفت في تحديد موطنه. هذا يجعل ابن بسام من شعراء النصف الثاني من القرن العاشر الهجري وربما بداية القرن الحادي عشر، على افتراض أن قطن بن قطن الذي قارضه هو حفيد قطن بن علي بن هلال الذي مر بنا أنه اشترى إمارة الجبور من ناصر بن محمد بن أجود في حدود عام 930هـ. لكننا خلال هذه الفترة لا نجد أي إنتاج آخر يمكن نسبته إلى هذا الشاعر، غير هذه القصيدة التي حل فيها ألغاز قطن.

وفي وقت لاحق يتزامن مع بروز مشائخ آل حميد وبداية حكمهم في الأحساء يبزغ نجم شاعر يدعى ابن بسام يقول قصائد في مدح براك بن حميد وعلي بن هزاع بن حميد. هل يمكن أن يمتد العمر بابن بسام الذي قارض قطن بن قطن ليدرك براك بن حميد؟ أم هل يمكن أن يكون قطن بن قطن الذي قارضه ابن بسام شخص آخر جاء متأخرا عن زمن قطن بن قطن الذي مر بنا ذكره؟

وهناك قصيدة قائلها أيضا يدعى ابن بسام قالها في مدح عبدالله بن معمر، هل ابن بسام الذي مدح براك بن حميد هو نفس الشاعر الذي مدح عبدالله بن معمر؟

وهكذا يجد الباحث نفسه في حيرة لا يدري هل هو أمام شاعر واحد أم شاعرين أم ثلاثة، الأب والابن والحفيد مثلا. ومما يزيد من تشويش الصورة أن المصادر في أغلب الحالات لا تذكر الاسم الأول لابن بسام. ورد في مخطوطة الذكير خمس قصائد منسوبة لابن بسام منها اثنتان، التي قيلت في مدح عبدالله بن معمر والتي قيلت في المغازي، نسبتا لفارس بن بسام. وفي مخطوطة الربيعي نجد أمام قصيدة قطن المشحونة بالألغاز هذه المقدمة: مما قال قطن يلغز على ابن بسام راعي سدير. ونجد أمام قصيدة الرد هذه المقدمة: قال بسام مجاوبا له. تغيرت ابن بسام إلى بسام. هل هي زلة قلم؟ أم هل بسام هو ولد ابن بسام الذي وجهت له القصيدة أساسا والذي تقول الحكاية أنه أجاب بالنيابة عن أبيه الذي لم يكن موجودا حينما وصلت القصيدة؟ وفي بقية القصائد يكتفي الربيعي رحمه الله بالقول: وله أيضا؟ وهكذا تزداد حيرتنا ونتساءل هل يعود ضمير له إلى ابن بسام أم إلى بسام أم أن الاثنين واحد؟ وفي صفحة 221 من المخطوطة 28 يقدم الربيعي القصيدة التي مطلعها "عنا من بنى السمت من غير ساس" بقوله "مما قال بسام راعي سدير في علي بن هزاع بن حميد" والشيء الذي لاحظناه أن المواضع التي ترد أحيانا في بعض القصائد التي تنسب لابن بسام، سواء كان شخصا واحدا أم أكثر، تشير إلى أنه من منطقة سدير.

يتضح من المصادر أن أقدم شخصية تاريخية لها اتصال بشاعر يدعى ابن بسام، إذا استثنينا قطن بن قطن، هو براك بن غرير. وهذا مجرد احتمال يصعب تأكيده نظرا لاضطراب المصادر. وبراك هو مؤسس دولة آل حميد، كما مر بنا، وعم علي بن هزاع وسعدون بن محمد الذين مدحهما ابن بسام أيضا بقصيدتين سنوردهما فيما بعد. وووجدت في مخطوطات العمري قصيدة يقدمها بقوله "مما قال ابن بسام في براك الغريري"، وهي قصيدة مبتورة تتوقف قبل الولوج في غرض القصيدة وهو المدح، ولذلك لا يرد اسم الممدوح. ونود أن ننبه من البداية إلى أن بعض المخطوطات التي رجعنا إليها لنتلقّط قصائد ابن بسام لم تكن قراءتها سهلة، بل مستعصية أحيانا. لكننا حرصنا على إيراد كل ما استطعنا قراءته من أشعار ذلك الشاعر المتمكن والمجيد، والذي لا تورد المصادر المطبوعة من شعره إلا النزر اليسير الذي لا يكاد يذكر. وسوف يلاحظ القارئ في بعض الأبيات اضطرابا في الوزن وغموضا في المعنى وربما كلمات وعبارات ساقطة لم نتمكن من قراءتها. وليس مرد هذا الغموض والاضطراب إلى الشاعر وإنما إلى خطأ في التدوين أو في قرائتنا لما هو مدون. وحرصا منا على استقصاء شعر ابن بسام أوردنا كل ما تمكنا من العثور عليه من إنتاجه. وهذا ما وجدته من قصيدة ابن بسام في مدح براك بن غرير:

    01) بدا لي نهار السبت رايٍ مبارك // بكورٍ وأحلى كل الاشيا بكورها

    02) إلى المعتلى علام بالحال ما جرى // على النفس واسهام المنايا يدورها

    03) فياما حظينا دونها من غنيمه // لنا وعلينا والعدا من حضورها

    04) مذاهب لجه قصاها على العدا // إلى حام باسهام المنايا طيورها

    05) ولا ناب أول من شظى البين لامه // ولا ناب أول من شكى من دهورها

    06) والى احترت ادرت الفكر في كل جانب // وشاورت عقّال الملا من مشورها

    07) فمالي سوى تدبير مولاي ملتجا // ولا همّةٍ غير الولي في عْبورها

    08) فالى ايقن على بالي ودنّيت كاغد // ورسمت بادي فكرتي في سطورها

    09) بيوتٍ تهاداها الأجاويد كنها // جواهر درٍّ من مجاني بْحورها

    10) قم يانديبي دَنّ لي عيدهيه // بعادٍ مناكبها عن اقمان زورها

    11) كبارٍ أباهرها عريضٍ لبابها // إلى طَمّ طاميها عطى روس قورها

    12) فحطوا لنا قيمة ثلاثٍ من القرا // وعنزيّة الما ما تْنَدّي سيورها

    13) وميركةٍ عن ماقع الساق نبهه // مع نطع فرشٍ عن مصاليب كورها

    14) واجلس عليها للمناعير قاصد // وبي زفرةٍ يشوي المعاليق فورها

    15) وقلت لنفسي حلّلي فالمذاهب // لحومٍ محارمها إلى جا ضرورها

    16) فنويت اصلي ركعتين استخاره // وسايلت رفّاع السما عن غرورها

    17) واطلب كريمٍ باسط الكف خيّر // بالارزاق معطي مسلماها وفقورها

    18) غديت لكني فيد راعي سفينه // دعان الهوى في غِبّةٍ من بحورها

    19) فيوم انبرت غب الهوى الصلف وانتحت // يشق غزير الما إلى حد زورها

    20) وقفن غمضّات المراسي حسر // كالاقمار في ليل الدجى من بدورها

    21) دَهْشات يْدِرْن الروع من كل جانب // رعابيبٍ أمثال القناديل نورها

ويورد منديل الفهيد أبياتا من قصيدة سينية يقدمها بقوله "هذه أبيات من قصيدة لشاعر قديم أعمى اسمه بسام من أهالي سدير زار الشيخ براك بن عريعر وأراد أن يخفي ابن عريعر نفسه عن هذا الأعمى ويرى مدى معرفته وترك رجاله يقومون بالسلام على بسام وهو يسلم ضمنهم وعندما سلم عليه ابن عريعر مسك بيده وقال: حيا الله يمنى أبين من سهيل. وعرفه باللمس وقال هذه الأبيات من ضمن قصيدة مطولة في الوصف وذكر جميل الطباع." (الفهيد 1403: 51). لكن القصيدة التي يورد منها منديل ثلاثة أبيات ترد كاملة في مخطوطات الربيعي وابن يحيى والذكير في مدح علي بن هزاع بن غرير بن حميد، وليس في مدح براك، كما هو واضح من البيتين السابع عشر والثامن والعشرين. تقول القصيدة:

    01) عنا من بنى السمت من غير ساس // كراجي بنينٍ بليّا مساس

    02) وبالناس من يشتهي الطايلات // ولا له بها من صَلَفْها عساس

    03) وكم من غلامٍ يدور البيان // وله بالخفا صالحٍ واندساس

    04) يروم الهوى والغوى والدلال // بتعمير كاسٍ ونشمي راس

    05) يراعي ظلاله كغنجا طموح // وهو فيه وصف الفتى بو نواس

    06) كحيلٍ جميلٍ كغصنٍ يميل // يشادي الضيا بالظلام ان أكاس

    07) فقل له ترى الفخر في خصلتين // هي المدّ والردّ في الاعتباس

    08) وهذي فنون الهوى من بغاه // وباقي الهوى عقب ذولي خساس

    09) فياأيها المرتحل من سدير // على ضامرٍ مثل عود السياس

    10) سليمة أيادي خْطاها بعاد // وبالراس منها قويّ المراس

    11) عليها شدادٍ وبِطْنٍ جداد // ونقشة ستادٍ تقادي اللعاس

    12) ومرسل غلامٍ قليل الوهام // يداري الملام قليل النعاس

    13) يدل الوطا مثل فرخ القطا // ما لفظ بالخطا أو ضرى باللهاس

    14) إلى جيت عقب المسافه رجال // مفاخرهم الحمد اجاويد ناس

    15) بدواوين هبسٍ هل الطايلات // إلى ما الردي عن محله أكاس

    16) فعم السلام أمام العلام // إلى من عِلْم السوايل أناس

    17) وخص ابن هزّاع لي بالسلام // عدد ما رقى الورق روس الرواس

    18) وقل ياحجا من لجا والتجا // بجاله لجا عن جفا واحتباس

    19) مفيد الجميل ونعم العميل // وظلٍّ ظليلٍ لمن جاه حاسّ

    20) مفيدٍ مبيدٍ وباسه شديد // من اقوى أجاويد هبّاس باس

    21) همامٍ حوى المجد في بتتين // ثقال المراز على كل ناس

    22) جداهن الى نشّت المرزمات // وبالمدن بيع القرا باليباس

    23) فمجدٍ مريفٍ وحالٍ لطيف // ولا له وليفٍ بوقته يقاس

    24) وزبن العياد وذيب الجياد // وسردالها ان لبّسوهن لباس

    25) والنحر الى حقّت الموجفات // بالخيل فله عليها اعتباس

    26) حامي السبايا بزرق المنايا // وزبن الونايا إلى جت قباس

    27) ولا اظن من ركب جرد السبايا // وعوص النضا أو مشى بالمداس

    28) بأفرس من الشيخ ذخري علي // إلى جت وفي روس اهلها عطاس

    29) ولا آنس منه للذي مرتجيه // ولا اوحش منه للذي به فقاس

    30) ولا اكرم منه إن تلافت بقود // أهلها مقاوي وهي كالقياس

    31) وصلوا على خير خلق الإله // ودم ساعدٍ والعدى بانتكاس

كما ترد في مخطوطة الذكير قصيدة منسوبة لابن بسام قالها في مدح سعدون بن محمد بن غرير بن حميد يقول فيها:

    01) سوهجت بي عن هلي يَمّ البوادي // كل يومٍ لي بضاحي أو بوادي

    02) احسب انهم ان تلافوا منزلٍ // به مجالٍ أو مقامٍ أو معادي

    03) ما درينا انه تتابع يمهم // عوج الارجل في شفا طرقٍ بعادِ

    04) كل يومٍ بالضحى شدّوا ومدّوا // والمسا بين المثلّث والمبادي

    05) كل ما قلت الركاب تْوَجّهت // للمسير اللي يقرّبني بلادي

    06) صَدّهم عن نَوّهم علمٍ لفى // لا بقى علمٍ وهام ولا وكاد

    07) وبدّلوا عن نوّهم بتزاولٍ // وانضفافٍ وازورارٍ وانصداد

    08) ثم سوهَجْن الجمال بحيّهم // ما دروا والبين وين هم غوادي

    09) عدت مثل شارب ساهيٍ // أو كما المسحور مجذوبٍ فوادي

    10) مثل شلواحٍ بيسرى مولعٍ // بالقَنَص وِلّع وأمسى الطير غادي

    11) يوم قوّضت الجهامه كنها // أذكر الباري ككتفان الجراد

    12) مقتفين متوّجٍ ياطال ما // أونس الأضداد من حِمْله لْهاد

    13) شد من جو الدفينه صايلٍ // مثل حرٍّ فاكرٍ بالصيد عادي

    14) واوردوها نقع طلحه بعدما // مسّها سير الضواحي والحماد

    15) وانتحت بعد الورود صوادرٍ // كالحجيج مغاولٍ قبل التفادي

    16) وانحت الاسلاف تتلي ميمرٍ // مثل ورّادٍ لهن القيض حادي

    17) فوق هجنٍ كنهن نعايمٍ // يحترزن ارسان زينات المقاد

    18) فوقهن كالأرجوان ظعاينٍ // أو كما حملات شداد بن عاد

    19) بزّلٍ يحملن أرباب الحيا // مثل محّارٍ وبه حصٍّ يقادي

    20) خفرهن لى شرّفن فوارعٍ // تجهلهن ديران المعادي

    21) تالياتٍ ميمرٍ يسقي العدا // حنظلٍ من فعل كفّه ما أزاد

    22) طلعة القنّاص صالوا صولةٍ // بعد ما أشفى الهدان على النوادي

    23) ثم قوّضت الجهامه كنها // مزنةٍ يشبه بها حس النوادي

    24) يوم بان الصبح ثمٍّ عزلوا // المثاري والكمين من العوادي

    25) ثم دنّوا للطراد سلاهبٍ // كالوحوش مقطمراتٍ بالعداد

    26) ثم صبّحهم بنمرا كنها // زلزلة حشرٍ بها الأرض ارتعاد

    27) من جنوب قصيّرات جهامةٍ // ثم أودع شملها شَتٍّ بداد

    28) منه حق ذهابها وعذابها // بين جلديّه وجا واشفى البلاد

    29) بين شمّاخ الجبال لحيّهم // عولةٍ يحكي بها من بالمهاد

    30) قد توطّى حلّةٍ ما قبلذا // فرّشت للظعن في ضبط السناد

    31) أعولت خلج البكار قرايفٍ // عندكم وامسى مع اهلها تلاد

    32) فعل شيخٍ من ذوابة خالدٍ // صاحب المعروف سلطان البلاد

    33) ما صبت هجرٍ لاميرٍ مثله // من دهر كسرى وشداد بن عاد

    34) غير سعدونٍ صبت له خافةٍ // بالمنادي ما تلا فيها القواد

    35) فاطلبوا له بالقران وزمزمٍ // ذا واعيذه بالإله وحق صاد

    36) يجعله سلطان هجرٍ دايمٍ // ثم إن يلحق بها قاصي المراد

    37) ثم صلى الله على خير الورى // كلما ساج القلم حبر المداد

وترد في مخطوطات الربيعي والذكير لابن بسام قصيدة فائية، وتنفرد مخطوطة الذكير بذكر أن ابن بسام يسند هذه القصيدة على محمد رفاده. ولا أدري من يكون هذا الممدوح ولست متأكدا من قراءة الاسم لأن هذه الورقة من المخطوطة صعبة القراءة، لكن من شبه المؤكد أن الاسم الأول للمدوح محمد لأنه يكنيه "ابو قاسم" في أحد الأبيات. ومثلما مر بنا في القصيدة الذهبية التي قالها عامر السمين في مدح شريف مكة بركات بن محمد يشبه ابن بسام في البيتين التاسع والعاشر السحب المثقلة بالمطر بأذواد الإبل. تقول القصيدة:

    01) هوج النضا بالمنى لهْواك عكّاف // عجلات باليا وحرف الميم والكاف

    02) قودٍ ولك رافقاتٍ بالمسير ومن // باكوارهن منتواهن وهن زلاف

    03) وان ضاق صدري على الممشى ربعت لهن // فالى تهيّضت حق الهن الاوجاف

    04) هوجٍ لكن تقافي سيرهن إلى // سارن بْدَوّ الخلا لهن أوهاف

    05) قرانسٍ واردات الما وعنه قزن // فواتخٍ عقب ورده شاف ما عاف

    06) مترحّلات من اوطانٍ تعهّدها // نَوٍّ تبنّى به الاوصاف ما صاف

    07) نوٍّ من الغيث أبكارٍ مخايله // كما شفا الشعب أرداف على ارداف

    08) هطّال بتّال شرقيٍّ نسانسه // متتابعٍ لامعٍ بالوبل ذرّاف

    09) لكن وصف ربابه في سناه إلى // انقاد حس الرعد والبرق كشّاف

    10) شولٍ تدّلت على فحلٍ يزير لها // منها المياسير عند الفحل عكّاف

    11) تسقي نياطٍ وعنقودٍ وما حجزت // برق الوشيّات والمشقر والاشراف

    12) منها على الغاط والزلفي برايحة // لو كثر في نبتها الاوهاف ما هاف

    13) إلى الثنايا ثنايا البطن حادرة // إلى خشوم اشفة العَرْمه إلى الساف

    14) ساق الحبال من الدهنا منيره // وملازم الصلب بالصمّان كد صاف

    15) فيها الغدير إلى قريات يسندها // مراتع البوش الى الجهرا بالاوصاف

    16) إلى ردايف فصوّانٍ وما سندت // جرعاء عوجا إلى جوده بالاحراف

    17) إلى شفا حزم منقاد العيون الى // ردايف الجوف والبيضا والاسياف

    18) هذا تعهده مباكير السحاب يزل // سبتين بتمامها ما شاف الانشاف

    19) لما غدى يطرب الناظر تمايله // زهرٍ جميلٍ تبنى فوق الاوصاف

    20) يخن به مع سوام الصبح رايحه // لكنها الميم هو والسين والكاف

    21) تجلي لرجواه أفواد الممحلين كما // يلجي لابو قاسمٍ من خاف الاوحاف

    22) زبن المخيفين في كل الجهات وهو // حاشاه ما شيف من ملفاه الاجناف

    23) وهو إلى ما امحلت شهب السنين وْوزى // مير القرى بين حلافٍ وزهّاف

    24) وان نشّفت من مواردها العدود وبقى // تبغي لها عقب طامى الجم غرّاف

    25) فهو مقيمٍ لطلاب الجميل كما // شط الفرات إلى وردوه الاسلاف

    26) واليوم الآخر إلى أمست صوافنها // عجلات ما بين حرف السين والكاف

    27) نلوذ به عن شبا شوك الرماح إلى // خفنا الهوايا بحرف الدال والقاف

    28) فهو زبونٍ لهن في كل هيزعة // زبن المخلا إلى ما كاد الاوقاف

    29) ثم الصلاة على المختار سيدنا // ما روجع الورق في أشراف مشراف

وهناك قصيدة تنسب في مخطوطة الذكير إلى فارس بن بسام قالها في مدح عبدالله بن معمر الذي يدعوه في البيت العاشر بكنيته "أبا حمد". ومن حكام العيينة الذين ينطبق عليهم هذا الاسم عبدالله بن أحمد بن عبدالله الذي حكم من1070هـ إلى 1096هـ وعبدالله بن محمد بن حمد، الملقب خرفاش، الذي حكم من 1096هـ حتى وفاته في الوباء الذي حل في العيينة سنة 1138هـ. والراجح أن عبدالله بن محمد بن معمر، هو ممدوح فارس بن بسام، وممدوح حميدان الشويعر أيضا، لأن حميدان يقول في مدحته له:

    ذكر فيه فارس خصلتينٍ من الثنا // وزدت بثلاثٍ واربعٍ ثم خامسه

وذلك في إشارة من حميدان إلى ما ذكره فارس بن بسام في البيت العشرين وما بعده من قصيدته في مدح عبدالله بن معمر والتي يقول فيها:

    01) آه من خطبٍ لفى ما له نذير // له كِمِيٍّ بالضمير وله مغير

    02) ان شكيت لظاه قالوا واهمٍ // وان كتمته بان له منّي زفير

    03) واهجٍ يحداه صلو شكيّةٍ // ما لقيت لها من الحكما خبير

    04) غير حيٍّ واحدٍ متجبّرٍ // ما بحكمه له شبيهٍ أو نظير

    05) ما أراد يكون كان ومن بغى // شٍ يصير بغير أمره ما يصير

    06) أيها الراجي لمالٍ سادته // عوج أضفارٍ تجور ولا تجير

    07) ينسبون لاجل شاهدت ميمر // مثل سيفٍ باد والخلفه جفير

    08) اطو ياسٍ من رجاه ودع له // بخافة عما وقل بيس المصير

    09) استَخَلْف الله واقصد خيّرٍ // من قليل عطاه للراجي كثير

    10) شمت انا لماجود ابا حَمَدٍ إلى // قل در المزن أو جوه النفير

    11) سفرته توصف على الزوار الى // كثر منها الورد سرعٍ للصدير

    12) أيها المترحلين قلايصٍ // ضَمّرٍ شروى النعام المستذير

    13) تبري المهموم من كثر الطنا // تقرّب النازح ولو بِعْد المسير

    14) فوقها ذو همّةٍ ما يرتضي // عن مقانيصه سماويٍّ حقير

    15) مقتدي وادى الحنيفي صادق // ميمرٍ كالمشعل السامي المنير

    16) يقتدي بضْواه هشّال الخلا // قَلّ جنسه لا ببدو ولا حضير

    17) ثم قل له بعد إبلاغ السلام // حين ما حل النساع من النجير

    18) ياحمى الجاني وياصرْع العزوم // من ذوي الطنبا وياعز القصير

    19) يامقيد المجد كم من مِصْعَبٍ // من عداك ابدى الرغا عقب الهدير

    20) فان بغى يبراك يذكر شايتين // ردّه السابق وبذله للهجير

    21) فانت بك خمسٍ قليل وصفها // ما ايتفن براس شيخ ولا أمير

    22) غيث منيوبٍ ومنوة مرملين // وزبن مجرومٍ وقطع رجا المغير

    23) ونِزْه عِرْضٍ ما غشى ثوب الدجى // في متالاة العشيره والعشير

    24) غير ذكري ذا ان تعلوا سبّقٍ // لا بقى طمّاع ولا لافٍ نذير

    25) صرعهن ان أقبلن وان أنكفن // فان قرم القوم من كفّه خطير

    26) ينتسب وصفه بحرٍّ نادرٍ // وقع تام لا طويل ولا قصير

    27) أكبدٍ وافٍ على كل الجهات // وزن روزٍ مثل أمرٍ مستدير

    28) إن بغى يبصر لكن بناظره // حين ما تنظر شرارة نفخ كير

    29) معصبٍ أمره بسدٍّ نازحٍ // فكر قنّاصه بتمثيله يحير

    30) ما يدير الحوم خفّاقٍ إلى // أونست حوش الحباري ما تطير

    31) يفرح القنّاص خلفه راجيٍ // مثل رجلٍ ذا قتيل وذا كسير

    32) بالشجر مثل الجراد مجاورٍ // به حْبارى صَقْرِةٍ عيّت تطير

    33) ينتسب عبدالله بن معمّرٍ // إن لفن ابهم كما شول البعير

    34) ينكفن عقب الورود صوادرٍ // واهلهم ما بين ذبح وذا أسير

    35) والسبايا يرذين نقايصٍ // والقلايع ذي جنيب وذي تنير

    36) فعل شيخٍ كل أمره مصعَبٍ // ما صبا فيها يدبّر للمشير

    37) فالمماري له أظنّه ناقصٍ // والمماري به توافى له بشير

    38) بالفلاح بكل أمرٍ قالطٍ // ياحمى الزلبات ياكنز الفقير

    39) فان تحاكوا بالشيوخ على الطغى // ما لقي به لا شْوَيّ ولا كثير

    40) ارتجي منك العطيه علها // في زمان الجدب ما تبقى حقير

    41) والصلاة على النبي محمد // البشير لمن يشا الله له بشير

وترد في مخطوطة الذكير قصيدة تنسب لابن بسام قالها في مدح أمير يبالغ في وصف قوته وشجاعته وكرمه ويدعوه في البيت الخامس عشر عيسى بن حمد المويسي وفي البيت السادس عشر ملحم بن مزيد، وهو على ما يظهر من القصيدة شخص واحد. وقد يكون الممدوح أحد أمراء حرمة لأن الشاعر يذكر وادي منيخ في البيت الثاني عشر، كما يذكر نزار بن وايل في البيت الثلاثين ويلقب الممدوح أمير بني وهب في البيت الثالث والثلاثين. وقد ذكر ابن لعبون في تاريخه إلى أن أول من نزل حرمة وعمرها هو إبراهيم بن حسين بن مدلج وذلك سنة 770هـ، وآل مدلج يعودون في نسبهم إلى بني وهب من بني وائل. (الجاسر 1402: 594-597). ويشير البيت السادس والثلاثون إلى أن الشاعر قدم قصيدته إلى الممدوح يشكو إليه أناسا سماهم المحينات لم يوفوه دينه ويشكو الضامن لهم واسمه ظاهر بن صقر الذي تهرب من أخذ حقه له منهم. وذكره عفجة العود في البيت السادس دليل على أنه من منطقة سدير. وهذا ما استطعنا قراءته من أبيات القصيدة:

    01) يقول ابن بسامٍ ومن شد ضامر // ضروبة حرٍّ عيرةٍ ناتبينها

    02) رحولة من يبدي كداها على الرجا // ويوزمها باتلافها ما يهينها

    03) إلين بقت من كثر الاوزا لكنها // خلوجٍ نصل مما عناها جنينها

    04) تردّ الثنا من ماردٍ صوب مارد // . . . . . . . . . . . .

    05) حرامٍ عليها بركةٍ عند جلعد // الين توزا جثتي في بطينها

    06) رحلتها من عفجة العود بعدما // تنهت نجوم القرن . . . . . . .

    07) وْوَرّدْت فرقان المتالي عن الظما // لجل المتالي عولةٍ في عطينها

    08) إلى اوزمتها ما كادها ثم تابعت // حنينٍ وانا أدري وْلاهٍ حنينها

    09) وقلت لها ياناق صبرٍ لحاجه // فهو الانضا حاجات اهلها تهينها

    10) فلا بد من نقرٍ جليل وموقف // أبيض كعدلات المداري تجينها

    11) . . . . . . شروى القطا نازح الخطى // يقرّب منتزح الفيافي قرينها

    12) . . . . . . وادي منيخٍ لكنها // نعايم تحضى بيضها في دفينها

    13) لها بالضحى تسهيمةٍ ثم روّحت // إلين تغيب الشمس أو قبل حينها

    14) رحايل مهمومٍ تواما لكنها // عراجين غينٍ زلّ ميقات لينها

    15) ولد حمدٍ عيسى المويسي الذي كان // مذاهب نزهاتٍ عن اشيا تشينها

    16) إلى ملحمٍ وافى الذمام ابن مزيد // ومن حاش من جل المعاني سمينها

    17) جليلات المعاني ذوي الندى // إلى بار عن بذل الحساني وهينها

    18) متين طناب البيت مما يلي العدا // إلى ضعف من رهق المعادي متينها

    19) مقدّم دهيا طال ما فاجت العدا // بشبان هيجا ما ينادي طعينها

    20) غدى مالهم بين السبايا وعيلهم // على الثقفا تنعى كثيرٍ ونينها

    21) أميرٍ إلى استل المظاهير صايل // على نفرٍ قد ضاع قادي ذهينها

    22) كما البدر بانصافٍ تغبّى بنوره // نجوم الدجى ما كل شيٍّ يبينها

    23) توازا عنه عربان الاوطان والذى // بالاوعار تجلي ما علا من حصينها

    24) مخافة شيخٍ ما تلى راي غيره // إلى تلت اصحاب الرعايا مهينها

    25) حجا من لجا يبغى النجا مثل ما لجا // لجا رس قوم ضدها ضاهدينها

    26) ذميم السرايا سور من قصّرت به // من الخيل مرهاقٍ قليلٍ يقينها

    27) بيمنىً على الاقفا تِرِدّ وبالقسا // تمد ويرجي مدّها مستعينها

    28) فانا اظن ما رِكْب السبايا ولا حبا // لمرضعةٍ يرجي الجدا من شنينها

    29) بأسفط وأكرم منه رايٍ وهمّه // تروم العلا في قاس الاشيا ولينها

    30) ولا ارفع بيتٍ من نزار بن وايل // ذوى الفخر من سادات عاصي بنينها

    31) ولا اوسع مجالٍ منه بالضيق إلى غلى // قرا المدن وابدت كل نفسٍ كنينها

    32) ولا اسفط كفٍّ منه ممن عرفته // بذا الدهر والا ما مضى من سنينها

    33) أمير بني وهب قداها وباللقا // حماها وعند اقلاد الاريا أمينها

    34) إذا كل معروفٍ رجا كل آمل // مفيدٍ من الحسنى معانٍ يزينها

    35) أبا صالحٍ ريف المراميل بالقسا // إلى غار سعر المدن إلا ذنينها

    36) فيامير لي عند المحينات دينه // وظاهر اللامي ابن صقر ضمينها

    37) فالاجواد دون العرض بالمال تتّقي // مخافة من شين الحكايا وزينها

    38) والاوباش يكبر قيّها في صدورها // وكل رجالٍ دينَها مثل دِينها

    39) توسّلت حتى لم يجد لي توسّل // وقد زلّ ياريف المراميل حينها

    40) فلا وحياة الحي والحجر والصفا // ومن حج بيت الله لاخلاص دينها

    41) ألولاه ما ديّنت من لا أعرفه // وحبل رجا الحسنى لديه آملينها

    42) ويختار باحدى الرايتين نوزها // إلى ضم جيّان القرايا قطينها

    43) ونرجي خلف ما فات منها معوضه // بحسناك فالدنيا دمارٍ حصينها

    44) وصلوا على خير البرايا محمد // عدد ما لعى القمري بجنات غينها

وترد في مخطوطة الذكير قصيدة منسوبة لفارس بن بسام قالها في المغازي منها:

    01) يقول ابن بسامٍ ومن شام نيه // يسال من الله الكريم يهدى بها

    02) عفى الله عن قلبٍ مصابٍ ضميره // بصوايد غارات الليالي ونابها

    03) ونفسٍ بدنياها ان تهلا ذميمها // وهي بضحاضيح الخطايا شبابها

    04) تحوم فلا تدري عسيرٍ يسرّها // لعظم خطاياها كثيرٍ حسابها

    05) يارب هب لي من خطاياي ما مضى // واجرني من نار تلظى لهيبها

    06) غدا يوم لا يفدى قريبٍ قريبه // وبحدى الكفين تعطى كتابها

    07) ترى ان كان باليمنى فهو غاية المنى // وان كان باليسرى فهو من عذابها

    08) فكم زلّةٍ تهنا عليها وزله // فتحنا على غير الرضا منك بابها

    09) يباري مطايانا جيادٍ لكنها // جمايم اروى شيبها مع شبابها

    10) وكم من قفا دارٍ وكم من تنوفه // بجوٍّ ولا يدرى اين ياوي غرابها

    11) بالاهذال جزناها للاطماع كلما // تنى الصبح واغتال الروابي سرابها

    12) على الهجن مزويّات الايدي ودابنا // جلوسٍ على كيرانها من عذابها

    13) عجاف الذرى كم لا يونّين ساعه // بمجمدة المغنا سبوع شهابها

    14) مذعذعةٍ من منسب الجدي صبحها // وهينٍ ولا ينساب لو خاف دابها

    15) ولا قمرٍ فيها ولا نجم عاده // يشاف ولا يندى الصفا من سحابها

    16) فكم ذار قلبي بالخلا من نعامه // وعوسيّةٍ ريد الضحى قد ترى بها

    17) كم ذار من عينا فريدٍ ومغزل // بهدبا وعينا مفصلٍ ما تهابها

    18) ظفى ظلّها فاخترتها دون غيرها // إلى بارح الجوزا بدا وانثنى بها

    19) عروق الثرى منها كما اطناب خيمه // رفعن الجواري سمكها مع حجابها

    20) وإن مسّها حرٍّ من القيض فوّرت // بأظلافها بِرد الثرى من ترابها

    21) وكم والثريا في سنا الصبح غرّقت // هكيعٍ بريدا مستطيرٍ ذبابها

    22) جعلنا يديها من غلاها وسايد // ولبّاتنا شبحٍ بها في لبابها

    23) وكم قد شحنّاهن من برد منهل // على عَجَلٍ نجذب بالايدي شرابها

    24) تحوم علينا بعدما ساكناته // وطيّر من جيلانها كل ما بها

    25) لكن تدانيهن للعلم فرحه // وبقى كرهةٍ والهجن ذا كيف دابها

    26) تدانا بمثنى أبطح العرض لامها // مضايق من عقب اتساع الفضا بها

    27) وكم قد نشرناها وكم ضاع رايها // على طمعٍ زينٍ وكم ما خطا بها

    28) خذتها جياد . . . . . .  // على مَهَلٍ ما لحق باقي ركابها

    29) فكم صفّقت بيضا على جِلّ هجمه // تصيح وتنخى يارجالي غْدي بها

    30) على آثارها دِقّ المخاليل عوله // يتاما وحنا يتمها واغتلابها

    31) وكم قطع الصمان من جل هجمه // ومن روكةٍ قرع القنا في عقابها

    32) وطوينا سقا الهلباج عن شمّخ الذرى // وجيناه مع داويّةٍ ما درى بها

    33) كساجيّة الما بالمجاديف ردّها // على الدرب من بعد اعوجاجٍ رقابها

    34) كفرخ القطا يتلى الوطا عن كشافه // عن ادراكها مذروبها من عقابها

    35) بالاوما وما يدري والاهزاع خافه  // تشاف وتنكيس العوادي حرابها

    36) الوما بتفريقٍ والاخفاض راضه // ولو هاف تنويخ العوادي ركابها

    37) قصرنا سو الشارات فيها كل منا // والاحرار يكفي رمزها عن جوابها

    38) إلى ما بها راعي قلوصٍ تبينت // دعيناه بالتبشير حتى ثنى بها

    39) فلما أمِنّا الشوف ما عاد خافه // أمنا وذا كيف الليالي ودابها

    40) عدلنا وهي من قبل ذا غير عدله // على الدرب من بعد اعوجاجٍ رقابها

    41) ورحنا نر . . . . . . . . بالاعقاب حسّر // مطاويع ما جذبن الايدي صعابها

    42) تقازا بنا حتى بلغنا بها المنى // إلى عِجِز عن هِمّاتنا من هذى بها

    43) فلولا خطى الاخطار في ساعة العدا // وكل هواةٍ يبلغ الما صوابها

    44) لما قر الصما ورا شمخ الذرى // زعيم ولكن الزعيم اهتنى بها

    45) محا الله من يوقفن الاخطار عزمه // ومن لا يقاسي ميلها واضطرابها

    46) فكم فات رقّاد الضحى من غنيمه // بالافيا مع العجزا إلى ما ثوى بها

    47) فلا يدني اسباب المنايا خطوره // ولا يدفع اسباب المنايا بها

    48) فلا مات طلاع الخلا قبل يومه // ولا زاد في عمر الحريم احتجابها

49) وصلوا على خير البرايا محمد // عدد ما همل وبل الحيا من سحابها

وهذه قصيدة غزلية تنسبها المخطوطات لابن بسام:

    01) بنيت انا للغضي بستان الافراح // عَلْيت مبانيه من حيطان ولْياح

    02) مختلف الالوان يدْرج فيه ما نهر // من اللبن والعسسل والخمر والراح

    03) هونع به اللون في روس الغصون ثِمَر // خوخٍ وتينٍ ورمانٍ وتفاح

    04) مخضود منضود شهوات النفوس به // وطلول الاطلال به أنسات وافراح

    05) مغروس بالهيل والمشموم منه نشا // الورد والمسك والريحان نفّاح

    06) عشب الرياض وجنات النعيم به // ضحّاك الانوار فياحٍ بالارياح

    07) منير الافاق ليس به ظلام غشى // ناميه حاميه له قفلٍ ومفتاح

    08) غرد به الصوت قمري الحمام فرح // بالعز والطول لك يامتلفي صاح

    09) تعجّب الناس من زاهي محاسنه // تباشر البيض من خفرات وملاح

    10) جتني الرعابيب به ينقلن لي الثمن // لكّين تومان ومن الحص مسباح

    11) وقفن على الباب غضّات الاشباب // يبغن مني كلام البيع وسماح

    12) فقلت والله ما اسمح بالمبيع لِكِنْ // ذا مال شوقي ولا ابغى فيه الارباح

    13) ذا مال من هو لروحي بالجميل ملك // ولا به اسمع من العذال نصاح

    14) ياجملة البيض ما اقوى ادوس له غضب // مكحول الاعيان لو هو بالوصل شاح

    15) ميّال الارداف هيّاف الشباب كما // غصنٍ بمشراف تلعب فيه الارياح

    16) مخموص مهموص ما هو بالخصوص غوى // مكسال ميّال عدل القد مياح

    17) نكّاس بالراس يغشاه النعاس له // عرفٍ يشادي رواق الليل وان طاح

    18) ان شافه البدر في ليل التمام خجل // وان ضحك في فاه نور الصبح ينباح

    19) يشدي جمالٍ بيوسف بان واشتهر // بالخد والعين به سلال الارواح

    20) حديثه الطف من الديباج وان هرج // يجذب الى ما حكى قلبي ومطواح

    21) هو الذي لي خلق دون الملا شقا // وهو المداوي لعلاتي والاجراح

    22) مغرى بقتلي ولو ما دست له خطا // ومن لامني فيه مطعونٍ بالارماح

    23) ان كان يازين في قلبك علي كدر // ويرضيك قتلي فأنت بْحِلّ ومباح

    24) والله ما ناح طيرٍ بالغنا وشدا // الا وقلبي على فرقاك قد ناح

    25) فان كان ابا زيد في عليا افتتن // فانا الذي فيك مفتونٍ وسيّاح

    26) والله يازين ما شعب الفؤاد سوى // العِجْب والخِلْف والتقليب ومزاح

    27) الطف بحالي ترى الصبر الطويل قضى // وترى العزا والتجِلّد يالغضي باح

    28) افعل مليحٍ ولا تنوي القبيح ترى // مرجعك للطيب فان الطيب ما راح

    29) سِقْيَت ديارٍ ربى فيها الحبيب بما // غِرٍّ من المزن فيها الوبل كثّاح

    30) مِبْيَضّة اللون في حد المغيب نشت // ضحّاكة البرق من اعيازها لاح

    31) إن ناض باشناقها البرّاق ثم بكت // واستجهل الرعد وهبّت فيه الارياح

    32) تهلهل الودق من عالى السما وهما // وتسلسل السيل في ريضانه وساح

    33) ما نعرف الصبح حتى انقضى ومضى // ميقات موسى وصار البدر مصباح

    34) حتى بقت مثل جناتٍ وساكنها // ريم الجوازي وثور الوحش مراح

    35) يفوز فيها حبيبي في غنى ومنى // يقطّف اثمارها طربٍ ومرتاح

    36) ياجامع الناس في يوم الوقوف فكن // في جمع شملي معه والبال منساح

    37) ثم الصلاة على المختار ما طلعت // شمسٍ وما شيف رقراقٍ وضحضاح

 أعلي

 

حميدان الشويعر

تذكرنا قصيدة جبر بن سيار التي وجهها إلى ابن دواس في موضوعها وأسلوبها الساخر، وحتى في وزنها، ببعض قصائد حميدان الشويعر، وخصوصا قصيدته التي يبدأها بقوله "بالعون منيف قاله لي". هذا الأسلوب التهكمي الذي نتلمس بداياته في بعض أشعار جبر طوره حميدان ليصل به إلى القمة. كما طور حميدان أسلوب النقد السياسي والاجتماعي الذي بدأه جبر بن سيار في بعض قصائده مثل قصيدته التي وجهها إلى الأمير محمد بن عيسى وقصيدته التي رد بها على سعود بن مانع. ومن المعروف أن القليل من أمراء وأعيان مناطق الوشم وسدير نجوا من لسان حميدان اللاذع ونقده الجارح. ومن نقاط الالتقاء أيضا بين جبر وحميدان أن كليهما بلغ من الكبر عتيا وقال قصائد بالغة التأثير وبارعة السخرية في ذم المشيب والحال المتردي، بدنيا واجتماعيا، الذي يؤول إلىه كبير السن.

ولا يستغرب أن يتأثر حميدان بمدرسة جبر الشعرية ويسير على الدرب الذي اختطه له لأن كليهما من مدينة القصب من قبيلة السيايرة من الدعوم من بني خالد. ويرجح أن حميدان أدرك جبراً وربما روى عنه أشعاره، وقال الشيخ عبدالله البسام (1398، ج2: 542) إن حميدان استشار جبر بن سيار في قصيدته التي يعتذر فيها من ابن معمر وذلك في قوله: فهل ترتجي لي يابن سيار جانب. وهذا خطأ لأن الواضح من القصيدة أن الذي استشاره حميدان هو عثمان بن مانع، أمير القصب، الذي تولى الرئاسة بعد وفاة أبيه ابراهيم بن راشد بن مانع عام 1106هـ. والمتوفى هو الذي مر بنا أن جبراً سلمه الرئاسة وخاطبه بقصيدة يفقهه فيها بأمور الرئاسة والسياسة. وتصمت المصادر ولا تذكر شيئا عن الوضع السياسي في القصب إلى أن تأتي سنة 1138هـ وفيها قتل عثمان ابنه ابراهيم طلبا للرئاسة. هذا يعني أن عثمان تسلم الرئاسة بعد وفاة أبيه إبراهيم وفي أثناء حياته آلت الرئاسة، بشكل أو بآخر، إلى ابنه ابراهيم بن عثمان. ولا تحدد المصادر لماذا ولا متى سلم عثمان الرئاسة لابنه ابراهيم ولا تفصل القول في الأسباب التي حدت بالأب بعد ذلك إلى قتل ابنه واستلاب السلطة منه. يقول الفاخري وابن بسام إن دافع القتل هو طمع الأب بالرئاسة، وهذا أمر مستغرب لأن الأب على ما يبدو كان قد تنازل عنها طواعية لابنه. ومن قراءة ما أورده ابن بشر عن الموضوع يتراءى لي أن الدافع الأساسي وراء القتل هو الاختلاف في المواقف السياسية وعلاقة القصب بجيرانها، خصوصا مع بلدة الحريّق. يقول ابن بشر بعد إيراد الحادثة "وكان ابراهيم قد صار أميرا في القصب في حياة أبيه المذكور، فاتفق أن أتى إليهم صاحب بلد الحريق ابراهيم بن يوسف يطلب النصرة من عثمان على أهل بلده وعشيرته . . ." (ابن بشر 1403، ج2: 367-368) وهنا يبقى في الأصل المخطوط بياض بقدر سطرين كان ابن بشر ينوي، على ما يبدو، إكمالهما فيما بعد عقب التحقق من هذه التفاصيل، لكنه لم يفعل. ومنحى الكلام يوحي بأن الابن ربما خذل أباه أو عارضه في مساعدة من جاء يطلب نصرته مما أغضب الأب، خصوصا أن علاقته بابن يوسف قديمة إذ سبق له في عام 1112هـ، حينما كان لا يزال أميرا، أن ساعده في الاستيلاء على إمارة بلد الحريّق وقتل ابني راشد بن بريد محمد وأخيه. وأعتقد أنه لو لم يكن هناك سبب وجيه بمنطق ذلك العصر وقيمه دفع بالأب إلى قتل ابنه لما سكت حميدان عن هذه الفعلة الشنعاء ولشهر بالأب مثلما فعل بأولاد ابن نحيط في فعلتهم مع أبيهم. ومن المستبعد جدا أن يكون الخوف هو الذي منع حميدان من التطرق لذلك الحدث، إذ لم يعرف عنه الجبن. بل إنه، كما يذكر ابن بسام في تحفة المشتاق، لم يتورع عن التعريض بعثمان لسبب تافه وهو أن الأخير طلب منه شيئا من ثمرة واحدة من نخيله فرفض حميدان وقال فيه:

    ما تجوز الحذايا على حلوتي // قط انا كاسبٍ ياضريس السجن

هذا هو عثمان بن سيار الذي ركن إليه حميدان في محنته وطلب مشورته في اعتذاريته من ابن معمر. ولا ندري كم عاش هذا الأمير بعد حادثة قتله لابنه، لكن الأحداث والتواريخ التي سبق ذكرها تؤكد أن الفترة ما بين توليه الإمارة لأول مرة عام 1106هـ وقتله لابنه عام 1138هـ تمثل أوج نشاطه. هذا يعني أنه كان معاصرا للأمير عبدالله بن معمر الذي توفي هو الآخر عام 1138هـ، ويقلل من احتمال أنه كان قادرا على مزاولة أي نشاط سياسي فعال على وقت عثمان ابن معمر الذي لم يتسنم السلطة في العيينة إلا ابتداء من عام 1142هـ. ولهذا لا أعتقد أن الدكتور عبدالله الفوزان (1408: 24، 246-247) كان محقا في مخالفته لإجماع الؤرخين وجمّاع الشعر النبطي وتأكيده أن اعتذارية حميدان لم تكن موجهة لعبدالله بن معمر وإنما لحفيده عثمان. وسبق أن علقنا على قول حميدان في اعتذاريته "ذكر فيه فارس خصلتين من الثنا" أن المقصود هو الشاعر فارس بن بسام الذي تورد مخطوطات الشعر النبطي قصيدة له في مدح عبدالله بن معمر. ويبني الفوزان استنتاجه على المصادر الشفهية التي لا يعول عليها في حال توفر مصادر أكثر تثبتا مثل المصادر الخطية. فهذا ابن بسام صاحب تحفة المشتاق يقول في تهميشه على أحداث سنة 1096هـ "تولى إمارة العيينة عبدالله بن معمر وهو الذي هجاه حميدان الشويعر ثم اعتذر منه". ومن الأدلة الأخرى التي يوردها الفوزان هو اقتران ذكر ابن معمر في عينية حميدان المشهورة مع ذكر الأمير محمد بن ماضي الذي لم يتأمر في روضة سدير إلا بعد عام 1139هـ. لكننا لا نعرف الاسم الأول لابن معمر الذي يرد ذكره في العينية، لذا فهو ليس بالضرورة عبدالله ابن معمر الذي اعتذر منه حميدان وإنما أحد حفيديه محمد أو عثمان اللذين تأمرا بعده. البيت الوحيد الذي قد يوحي بأن الممدوح هو عثمان بن معمر هو قول حميدان:

    ولا فاه من فاهي على الغير كلمه // حذا حب من أحيا من الدين دارسه

وذلك نظرا لاحتضان عثمان بن معمر لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في بدايتها. لكن التفسير الصحيح لهذا البيت، في اعتقادي، هو ما ذهب إليه عبدالمحسن بن معمر (1416: 292) في استشهاده به كدليل على مدى ازدهار الحركة العلمية والنشاط الثقافي في العيينة في عهد عبدالله بن معمر والذي كان من نتيجته ظهور دعوة الشيخ محمد فيما بعد.

وهناك اختلاف بين المهتمين بسيرة حميدان وشعره فيما إذا كان فعلا أدرك ظهور الشيخ محمد بن عبدالوهاب وماذا كان موقفه منها. وأجد أن ما ذكره الدكتور الفوزان (1408: 61-63) حول أشعار حميدان المتعلقة بالدعوة الوهابية أقرب إلى التخريج الذكي منه إلى التحليل الصحيح. ويرى البعض أن بعض الأبيات والمقطوعات المنسوبة له في هذا الشأن منحول عليه مثل المقطوعة التي منها "ما همن ذيب بالعوصا" والتي تنسبها المصادر الموثوقة إلى قرينيس أبي وثلان، عبد الهزازنة بالحريق. أما قصيدته التي مطلعها "النفس ان جت لمحاسبها" فلقد تتبعتها في المصادر ووجدت اختلافا في رواياتها من مصدر إلى آخر. فالمقطع الذي يتألف من خمسة أبيات ويبدأ عند الحاتم بقوله "شفت جملين بالعارض" لا يوجد في مخطوطة الربيعي ولا في ديوان حميدان الذي نشره الفرج. وفي مخطوطة الذكير ورد المقطع على شكل بيتين هما:

    لقيت حيودٍ بالعارض // زبدها فوق غواربها

    ولا ادري ويش هي تبغي // ولا ادري وش مطالبها

والمقطع كما جاء عند الحاتم يتناقض تماما مع البيتين الثاني والثالث عنده وهما:

    كانّك للجنه مشتاق // تبغى النعيم بجانبها

    اتبع ما قال الوهّابي // وغيره بالك تْقِرّ ابها

والبيتان لا يوجدان في مخطوطة الذكير والثاني منهما لا يوجد عند الفرج. كل هذه الدلائل تضعّف من احتمال وجود موقف معلن لحميدان من الدعوة، وحتى لو وجد فإنه سيكون موقفاً سياسياً أكثر منه موقف ديني ينتهي بمجرد انتهاء الصراع بين الدرعية وبين بلدة القصب، وربما وثيثيا التي وفرت ملاذا آمنا له في آخر حياته ومدح أهلها مدائح تنم عن ولاء قوي لهم ولبلدهم، وانضمام هاتين البلدتين إلى حظيرة الدولة السعودية. وتذكر مصادر التاريخ أن القصب لم تذعن للدولة السعودية حتى عام 1172هـ، أما وثيثيا فقد ظلت هي وثرمدا تقاوم النفوذ السعودي حتى بعد ذلك التاريخ.

واحتمالية اتخاذ حميدان موقفا من الدعوة يتوقف أساسا على ما إذا كان قد أدرك الدعوة أم لم يدركها. وهناك اختلاف حول تاريخ ولادة حميدان ووفاته وهل أدرك جبر في بداية حياته أم لم يدركه وهل أدرك الدعوة الوهابية في آخر حياته أم لم يدركها. يحدد الحاتم (1981، ج1: 139) تاريخ وفاته بسنة 1160هـ بينما يحددها صالح بن عثمان القاضي (1412، ج1: 92) بسنة 1088هـ (ولعل هنا سهو أو خطأ ويكون المقصود هو سنة 1188). ويحددها ابن مطلق في تاريخه المخطوط شذا الند في تاريخ نجد بسنة 1200هـ. ولا ندري كيف توصل كل من الحاتم والقاضي وابن مطلق إلى السنة التي حددها.

ويورد ابن بسام في تحفة المشتاق بعض التفاصيل التي تغفلها مصادر التاريخ الأخرى والتي تهمنا في هذا الصدد، منها ما ذكره في تأريخه لأحداث سنة 1168هـ حيث يقول "في هذه السنة آخر محرم غزا ابراهيم بن سليمان العنقري أمير ثرمدا وقصد بلد ضرما وكان محمد بن عبدالله أمير ضرما قد جاءه النذير عنهم حين خروجهم من ثرمدا فأرسل إلى محمد بن سعود في الدرعية يستنجده فأرسل ابنه عبدالعزيز بن محمد بن سعود إليه ومعه سرية من أهل الدرعية وأهل العيينة فوافى قدوم عبدالعزيز ومن معه وصول أهل ثرمدا فحصل بينهم قتال عند قصر الغفيلي وصارت الهزيمة على أهل ثرمدا وقتل منهم نحو ستين رجلا وأسر منهم عدة رجال منهم عبدالكريم بن زامل أمير أثيفية، وفي هذه الوقعة وربطة عبدالكريم بن زامل يقول فيه حميدان الشويعر من قصيدة له:

    ومهيضه ربط الكريم ابن زامل // سنا الوشم راعي منسفٍ وجْفان

    وجازوا عن الحسنى بسوٍّ ولا لهم // يجازون إلا بالاحسان احسان"

وفي تأريخه لوقعة الصحن سنة 1180هـ يقول ابن بسام "وفيها غزا عبدالعزيز بن محمد بن سعود على بلاد الوشم وأغار على أهل ثرمدا وأخذ أغنامهم ففزعوا عليه وحصل بينه وبينهم قتال شديد وانهزم أهل ثرمدا إلى بلدهم وقتل منهم نحو عشرين رجلا منهم راشد وحمد أبناء الأمير ابراهيم بن سليمان العنقري ومحمد بن عيد إمام مسجد الجامع في ثرمدا وقتل من قوم عبدالعزيز فواز التمامي وعبدالله بن غدير وتسمى هذه الوقعة وقعة الصحن وهي التي قال فيها حميدان الشويعر:

    ناديت بالجرعا رزينٍ ومانع // وعيّت تناديني رسوم المقابر

    ياليتهم يحيون يومٍ وليله // يشوفون كونٍ بالصحينات باكر

    ناديت بالاثنين أولاد زامل // حجولٍ تبلّتها سلوب العناقر

رزين الذي ذكر حميدان قتل هو وعلي بن زامل سنة 1163 وعبدالكريم بن زامل قتل سنة 1168 كما تقدم". وشطر البيت الأخير يرد عند الحمدان (1409: 79) "تقاسموا معنا سلوب العناقر". وها نحن ننقل ما ذكره ابن بسام عن مقتل رزين وعلي بن زامل في وقعة الوطية عام 1163هـ "وفيها وقعة الوطية وهو موضع معروف خارج بلد ثرمداء وذلك أن عبدالعزيز بن محمد بن سعود سار إلى ثرمداء بأهل الدرعية وقراها وأهل ضرما ومعه مشاري بن ابراهيم بن عبدالله بن معمر أمير بلد العيينة وكان أهل ثرمدا قد جاءهم النذير فاستعدوا واستفزعوا أهل مرات وأهل أثيفية فلما وصل إليهم عبدالعزيز بن محمد بن سعود ومن معه خرجوا لقتالهم واقتتلوا قتالا شديدا وصارت الهزيمة على أهل ثرمدا وقتل منهم ومن أتباعهم خمسة وعشرين رجلا منهم علي بن زامل أمير بلد أثيفية وابن سبهان ورزين وفيها قتل دباس أمير بلد العودة المعروفة من بلدان سدير وحمد بن سلطان قتلهما ابن عمهما علي بن علي واستولى على بلد العودة وهم من الدواسر."

 أعلي

 

شعراء من القصيم

لعل القارئ لاحظ في النماذج التي مرت بنا في الفصول السابقة ندرة الشعراء من منطقة القصيم، مقارنة بمنطقة سدير مثلا. وأعتقد أن السبب ليس قلة الشعراء وإنما ندرة النساخ ومن يجيدون التدوين في القصيم فدفنت القصائد التي قيلت آنذاك مع قائليها ورواتها دون أن يتمكن أحد من تدوينها. فقد ذكر الشيخ ابن بسام في الجزء الثاني من علماء نجد خلال ستة قرون (1398، ج2: 517-518) في ترجمته للشيخ عبدالله بن عضيب أن بلدان القصيم كانت مقفرة من العلم قبل انتقال هذا الشيخ إلى عنيزة سنة 1110هـ. ويقول ابن بسام في مكان آخر "الذي لا شك فيه أن عنيزة نهضت نهضة علمية كبيرة -بفضل الله- ثم بسبب الشيخ ابن عضيب." (1398، ج1: 255). وقبل تاريخ قدوم الشيخ ابن عضيب إلى عنيزة لم تحفظ لنا المخطوطات من القصائد لشعراء القصيم إلا مدائح الشعيبي في بركات الشريف الذي ذكر الربيعي أنه من أهالي عنيزة. كما ذكر الربيعي أن عامر السمين الذي مدح بركات الشريف أيضا من عنيزة لكن المصادر الأخرى تنسبه إلى ملهم. وتصلنا من منتصف القرن الثاني عشر وقبيل ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب قصيدتان لشاعرين من عنيزة. أحد هذين الشاعرين اسمه نبهان السنيدي والآخر من أهل الجناح قال قصيدة بعث بها إلى ابنه في العراق، وتتفق معظم المصادر أن اسمه شايع بينما يرد في مخطوطة الذكير باسم محمد الحسن ويخطئ الحاتم في تسميته ابن رشيد. والقصيدتان متقاربتان في الزمن ونستطيع التثبت من تاريخهما من واقع الأحداث والشخصيات التي ترد فيهما.

نبهان السنيدي من موالي المشاعيب، أمراء عنيزة آنذاك، وموضوع قصيدته هو الخلافات التي حدثت بين المشاعيب على إمارة البلد. والمعروف أن أول من استوطن عنيزة آل جناح من بني خالد في المائة السادسة هجرية. وفي المائة السابعة قدم إلى عنيزة زهري بن جراح الثوري الربابي (التميمي) نسبا السبيعي حلفا (ابن بسام 1398، ج1: 253). ومن أوائل أمراء آل جراح حميدان بن حسن بن معمر من آل فضل من ذرية علي بن زهري بن جراح. وكان لحميدان بن حسن أخ اسمه محمد، وهو أبو رشيد الذي سيصبح أميرا لعنيزة فيما بعد، وكان أقل منزلة وقدرا عند الناس من أخيه حميدان بن حسن إلا أنهم يكرمونه لأجل أخيه، ومن هنا نشأ المثل المشهور "لعيني حميدان يكرم محمد". لذلك فإنه لما توفي حميدان بن حسن عام 1097هـ انتقلت الإمارة إلى ابنه فوزان بدلا من أخيه محمد. وفي عام 1115هـ اغتصب آل جناح، وهم من الجبور من بني خالد، إمارة عنيزة من فوزان بن حميدان بعدما قتلوه. وبعد مدة استرد حسن بن مشعاب من آل جراح إمارة عنيزة من آل جناح وذلك عام 1128هـ. ويذكر مقبل الذكير في تاريخه أنه في عام 1143هـ قام حسن بن مشعاب أمير عنيزة على بني عمه وهم قسم من المشاعيب يدعون الشختة وهدم منزلتهم الجادة وأجلاهم إلى العوشزية وأقاموا فيها مدة ينتظرون الفرصة لاسترجاع محلتهم ولهم في ذلك قصيدة مشهورة يتناخون فيها. وهنا يورد مقبل مقتطفات من قصيدة نبهان الحماسية ويعقب قائلا "وأخذ (نبهان) ينحى على هذا المنحى ثم إنهم (الشختة) كاتبوا بني خالد أهل الجناح وطلبوا مساعدتهم فأجابوهم وواعدوهم يوم معلوم فجاؤوا فيه وسطوا على حسن بن مشعاب وقتلوه واستولوا على عنيزة جميعها سنة 1155 وأجلوا الجراح عنها وغرسوا الجادة." وفي الجزء الأول من شعراء عنيزة الشعبيون نجد هذه المقدمة لقصيدة نبهان "عاش الشاعر نبهان السنيدي في القرن الثاني عشر هجري حسب ما نقله الرواة الثقات ويظهر ذلك من قصيدته إذ إنه في قصيدته يستنهض المشاعيب والمشاعيب إحدى الأسر التي تولت إمارة عنيزة في ذلك الحين وكان بينهم وبين آل بكر أبناء عمومتهم والجميع من قبيلة سبيع منافسة على الإمارة وفي قصيدته هذه التي تسمى (الموصله) نجد أن الشاعر يلوم أهله على تخاذلهم وذهاب الإمارة منهم ويستنهض هممهم لاسترداد ما سلب منهم. وفعلا قد تم ذلك واستردوا الإمارة في عنيزة بعد أن كانوا طردوا إلى ضاحية من ضواحي عنيزة تسمى العوشزية وهي تبعد عشرة كيلات منها." (العقيل والهطلاني 1404، ج1: 19). وترد القصيدة في عدد من المصادر الخطية والمطبوعة مما يدل على شيوعها واهتمام النساخ والرواة بها، وهي لا تخلو أبدا من التحريف. تقول القصيدة:

    01) يقول نبهان السنيدي بدا النبا // من القيل عدلات القوافي نجي به

    02) صعبٍ على غيري إِلى راد مثلها // والامثال حَلياها تلَقّى نصيبه

    03) موَلِّفه مانيب باغي رْفاده // باغٍ بَأيّام اللقا نقتضي به

    04) مولّفه والعين غَرْقَى من البكا // دمعٍ على الأوجان عجلٍ صبيبه

    05) لحيثْ بان لي الجفا من رفاقتي // أشوف الخنا بالعين ثم اغتضي به

    06) فكيف على هذا مقامي بدِيره // على منزل الزهدا أنا وِيش لي به

    07) كم كلمةٍ من سفلةٍ كد سمعتها // عندي قْضاها مير ما اقدر أجي به

    08) يِسَمُّونني ندهان والله خابر // وانا اسمي نبهان المسمّى ربيبه

    09) من عقب ما حنا بخيرٍ وجارنا // عزيزٍ ولا جاه الخنا من قريبه

    10) غدينا سْوَاة صْلَيْب يوخون بالقرى // حياة الوزى ما بي حياةٍ مريبه

    11) مشاعيب انا مثل الذي بات تايه // بدَاوِيِّةٍ فيها الضواري وذيبه

    12) تنكّبْت رمحي لا يجي الذيب منكبي // عليك فَان الروح ما ينصخي به

    13) مشاعيب ألى وَاعِلِّةٍ في ضمايري // وهي عِلّةٍ كد عِجِز عنها طبيبه

    14) ترى علتي يامن يِدَوِّرْ لها الدوا // صعيبٍ مداوى علتي ما يثيبه

    15) تمنّيت لا حافاني الله بالمنى // أحسب التماني كل شيٍ تجي به

    16) وابات شديد الهم واحَظّ مِنْ هُو // مريحٍ على خبث الليالي وطيبه

    17) بت وشديد الهم يلحى ضمايري // كما لاحيٍ يلحى جزورٍ قصيبه

    18) وانا اليوم في راسي على زورة العدا // هيامٍ عساني باللقا أنتخي به

    19) وانا والمشاعيب العصاة على العدا // مشاعيب بَايّام اللقا ننتخي به

    20) إِلى اقفوا فلاولاد المشاعيب رَدَّه // على الضد شَرْوى الضان وانْ شاف ذيبه

    21) مشاعيب انا انخاكم ثمانين نخوه // عسى النفس تشفي غِلّها من حريبه

    22) بيُومٍ تغاب الشمس من شد قَبْوَهَا // والبيض تنخى بالملاقا حبيبه

    23) ونشفي بمكنون الصدور غِلّنا // بجَنْبِيِّةٍ ما يشرب الما عطيبه

    24) ياعم انا هاجس فما فيك نجده // ولا انتب لزيزوم العوادي صليبه

    25) وانا اظن ما بك رحلة للحرايب // ولا هِمّة للدار فيها تجيبه

    26) أجل عنك إنك عاجزٍ وابن عاجز // إبن ناقص اللي دارنا ما تجي به

    27) أُخو تركي ان العمر مني كد انقضى // غديتوا وانا ارجي ساعةٍ نلتقي به

    28) أُخو تركي الايمام ما فيه ثابه // غدينا سواة البيض تَتْنَى نصيبه

    29) مشاعيب راس الشيخ نهفي مقامه // وعلى الله إطْلاَع الدِّلِي من قليبه

    30) ترى ما خَطَر يومٍ بيِدْني منيه // ولا الذل ينجيها إلى جا طليبه

    31) مشاعيب فان الروح في حكم خَيِّر // ولا لك عن الماذون شٍ تتقي به

    32) قمنا براي الله مع إسم شيخنا // أُخو تركيٍ سور النفوس المريبه

    33) مشاعيب من رام العلا حصّل العلا // ومن رِضِي بالزهدا حقيقٍ رمي به

    34) مشاعيب سَمُّوا وِادْعَوا الشور واحد // ندور ديرتنا قَلاطٍ غْدي به

    35) مشاعيب سَمُّوا وِادْعَوا الشور واحد // عليكم ديونٍ وارداتٍ قريبه

    36) مشاعيب سمّوا وادعوا الشور واحد // نضرب ونار الضد نِطفي لهيبه

    37) مشاعيب سموا وادعوا الشور واحد // تهب ريح العون يذرى عسيبه

    38) وصلوا على خير البرايا محمد // عدد ما لَعى القمري بمثنى رطيبه

وفي عام 1156هـ ثأر رشيد بن محمد بن حسن، وهو ابن عم فوزان بن حميدان بن حسن، لعشيرته المشاعيب واستنقذ البلدة من الشختة وتأمر في عنيزة. وعقد رشيد صلحا مع بني خالد أهل الجناح وهدأت الأمور وسكنت الأحوال وتفرغوا لشئون فلاحتهم وغرس نخيلهم فصلحت أحوالهم ونمت أموالهم واتسعت أملاكهم بفضل حسن سياسة رشيد الذي يقول عنه مقبل الذكير أنه كان من أحسن الأمراء سيرة وأبعدهم نظرا وبقيت الحالة نحو عشرين سنة على أفضل ما تكون الأحوال حتى مقتل رشيد عام 1174هـ.

والأمير رشيد بن محمد بن حسن هو الذي مدحه شايع في قصيدته التي بعث بها إلى ابنه في العراق، وهي قصيدة تذكرنا بقصيدة محمد أبي دباس التي بعث بها إلى ابنه دباس. ويورد ابن يحيى وسوسين مقدمة للقصيدة تبين الأسباب والدوافع لنظمها. ونورد هنا مقدمة ابن يحيى بأسلوبه وما تحتويه من أخطاء لغوية وإملائية وقد عنونها "حكاية غريبه عنوانها الولد النجيب الصالح":

كان رجل اسمه شايع من اهل الجناح تابع لعنيزه وهو من بني خالد وكان ذو مال وثروة طائله وكان رجل طيب وفيه مكارم أخلاق وذو شجاعة باسله وكان له جاه وقدر عند رفاقته وجماعته وكانوا يدعونه في المهمات والولائم وله عليهم فضل ومعروف طائل فبعد سنين ذهبت ثروته وقصرت عندهم معرفته وتأخروا عنه من سبق فضله عليهم وارخصوا به لما قل ما بيده وصار يحتاج إلى الناس مع هذا وشايع هذا فلاحا وله نخيل كثيره وكان له ولد اسمه حسن بن شايع فلما رءآ قصور دنيا والده وعظم حاجته سافر إلى طلب الرزق حتى وصل إلى بغداد فامتهن البيع والشراء فرزقه الله رزقا واسعا وكان والده يعامل تاجرا يشتري منه ثمرة نخله وعيشه قبل حلول أوانه حتى أدت به الحاجة إلى أن رهن نخله لدى التاجر ففي سنة من السنين قال التاجر ياشايع انني غير واثق بك ان تبقى في النخل اخاف ان تأكل ثمرته فقال له شايع وما ذا تريد قال اريد ان تخرج من النخل وقت هذه الثمرة واجعل فيه وكيلا من قبلي فاذا صرم النخل واخذة ثمرته فارجع فيه فما وسع شايع الا طاعة عميله التاجر فغادر النخل شايع وابقاه في يد التاجر فمن اجل ذالك جادة قريحته وارسل هذه القصيده الى ابنه حسن مع رجل ساكن عنده في نخله من قوم الظفير فاسر شايع ما حصل عليه فقصد القصيده شايع واعطاها النجيب البدوي الظفيري فعند ذلك ركب مطيته وسار ليلا ونهارا حتى وصل الى بغداد فسئل عن حسن واناخ عنده فاكرمه حسن فلما استقر به القرار ناوله كتاب ابيه فلما قرء الكتاب والقصيده بكا فقال له النجاب وما يبكيك قال حسن بكيت على والدي ايظن ان لدي دنيا ونحن في بغداد ليس عندنا الا البر الكثير فلما فرغوا من قهوتهم قال حسن للنجاب هذه دريهمات ادخل السوق واشتر بها كسوة لعيالك فعمد حسن في خلوته من غير ان يطلع عليه احد الى عجينة كبيره فعجنها وجعلها كالخبزة المستديره الا انها ضخمه فجعلها قريب من النار حتى اشتدت جوانبها فعند ذلك اخذ العجين من داخلها حتى صارت كالجوف فملأها جنيهات الى آخرها فلما امتلئت سد بابها بعجين واصخنه على النار حتى اشتد مثل جوانبها الأولى فلما فرغ منها حسن فإذا بالنجاب يدخل عليه راجع من السوق فقال له حسن هذه الخبزه ارسلها معك الى والدي ليعلم انه ما عندنا في بغداد الا الخبز الكثير فلما رآها النجاب ظن أنها خبزه صحيحه وليس بداخلها شيء فعند ذالك ألبسها حسن ثوب خام وخيط عليها وضبطها وأعطاها النجاب وجعلها في خرجه وكتب لوالده كتاب وقال للنجاب اركب الى ابي فلما ركب سار ليلا ونهارا حتى وصل الى عنيزه هذا وشايع يعد له يوماً بعد يوم وكل يوم يتطلع له خارج البلد فلما كان ذات يوم بعد طلوع الشمس اذا بالنجاب يقبل على عنيزه وشايع ينتظره فلما اقبل عليه وقرب منه لاقاه شايع من الشفقه وقال له بشر عسى الأمور على ما ظنيت به هذا وعنده خبر ابنه فقال له النجاب لا بل هي دون ظنك وظني فلما سلم عليه قال النجاب ان ابنك حسن ما اعطاني الا خبزة كبيره هذه هي في خرجي فلما وصلوا بيت شايع اناخ راحلته وادخل خرجه فلما فرغوا من قهوتهم ناوله شايع عشرة اريل اجرته فلما فتق الخرج واظهر الخبزه وإذا هي ملئآنة جنيهات صفر فعند ذالك قرة عينه وطابت نفسه بوفا دينه فنادى بعد صلاة الجمعه من كان له عند شايع حق فاليتقدم وياخذ حقه واعطا التاجر جميع حقه وفك رهن نخله منه واليكم ايها القراء القصيدة بكاملها.

ويبدو لي أن الجزء الأول من هذه المقدمة والذي يتحدث عن شايع وتردي أحواله مقتبس من أبيات ترد في وسط القصيدة يذكر فيها مضايقة الدائنين له وانحطاط قدره لدى جماعته لقلة ذات اليد. ونعرف من هذه الأبيات أن اسم الولد حسن وأن كنيته أبو محمد،؛ وهذه الكنية، حسب عادة أهل نجد في التكني باسم الأب، ترجح أن الشاعر، والد حسن، كان اسمه محمد، كما تنص على ذلك مخطوطة الذكير. ويقول الأب إن لديه من النخيل ما يكفي لوفاء ديونه لو اضطر لبيعها غير أنه يعز عليه التفريط بها والتخلي عنها لأسباب يسهب في ذكرها. بعد ذلك ينتقل إلى مدح رشيد، أمير القصيم. بعد وصفه للنجاب الذي بعث به لولده ونعته لراحلته والطريق التي سيسلكها إلى بلاد العراق. تقول القصيدة:

    01) جار الزمانُ بتفريق المحبينا // ياليت شعري به الأيام تنبينا

    02) ياليت الايام تخبرني أوايلها // ماذا يجي في تواليها بتبيينا

    03) كافٍ كفاها إلى عضّت بناجِذها // من شدة الغيض تؤلمنا وتشقينا

    04) كل ما صفت كدّرت مشروب صاحبها // لو كان فوق التخوت من السلاطينا

    05) تحط ناسٍ من العليا وتجعلهم // في منزل الذل لو كانوا عزيزينا

    06) من عاش فيها فلا يامن دغايلها // سوا يفاجيه منها ما يفاجينا

    07) تزيّنت وفْتنتنا في تزينها // وتغيّرت ما حزينا فعلها فينا

    08) قد قطّعت من ثمر قلبي نشايبها // هيهات هيهات يادنيا غترتينا

    09) أثر تِزِهّيك ياغرّا الجبين لنا // خديعةٍ جعلك الله ما تزينينا

    10) يازين عصرٍ لنا قبل الفراق مضى // أيام عصر الصبا زهره مغطّينا

    11) الدار جامعةٍ والعين هاجعةٍ // والورق ساجعةٍ طربه تغنينا

    12) ياحلو ذيك الليالي لو تدوم لنا // ياليتهن في توال العمر يثنينا

    13) كافٍ كفانا الليالي والحدوث بها // تضحك لنا خدعةٍ ثم تبكّينا

    14) صَدْعت فؤادي بصدعٍ ما يباح به // الله يجبر عزاي ولا يفاجينا

    15) ما كل جرحٍ يداويه الطبيب وانا // جرح الحشا ما تداويه المداوينا

    16) واكبر كون الذي دفنت معزّته // تحت الثرى والحصا واللبن والطينا

    17) أبكي على خِلّةٍ ما لي بهم عوض // فرّقهم البين وشْمات المعادينا

    18) ولو بكيت وطوّحت الونين ولو // صفّقْت بالكف ما هذا يسلينا

    19) العفو والله ياما اكبر مودتهم // في مهجتي واشقا قلوب المحبينا

    20) والله ما ابيعهم بالهند باكملها // وام القرى والحسا خضر البساتينا

    21) مع مصر والشام والدنيا بأجمعها // لهم بلاجي الحشا أرجح موازينا

    22) أولاد مِطْعم الى عض الزمان بنا // اهل السخا والعطا هم الكريمينا

    23) دارت عليهم رحى الدنيا بثافلها // وبقيت كالطير مكسور الجناحينا

    24) أطلب عسى الله يجمعنا برحمته // ويبري القلب من همٍّ مشاكينا

    25) يقرّب لنا شوف من نلجي بجانبه // الغايب اللي شوف شخصه يداوينا

    26) تزهي به الدار الى ما حل جانبها // وتظلم إلى غاب عنها قدر يومينا

    27) دع ذا ويامرتحل من فوق ناجيةٍ // كزارق الموج تسبق جارح العينا

    28) من فوقها نادرٍ صلبه عزايمه // يشق ثوب الدجى بالعلم يشفينا

    29) سهيل حِطّه قفا وان كنت عارفه // وامامك الجدي حِطّه بالحجاجينا

    30) نَحِّر قلوصك من ديار القصيم إلى // دار العراق وسر باليوم يومينا

    31) فالى لفيت قبل ما تفاخت شداده // يجيك ناسٍ بْرَدّ العلم مشفينا

    32) فانشر سلامي على ناسٍ نعرفهم // من قبل ذا وانهم عنا مْنِيسينا

    33) واشهر بصوتك يامن شاف لي حسن // اني رسولٍ لابوه وهو موصّينا

    34) يقول ياولدي بالعمر تاصلني // وْتِفِكّ عني وسار العسر والدينا

    35) انا وحيدٍ ولا لي من ينادمني // واقالب الدين من حينٍ إلى حينا

    36) يابو محمد ياولدي وياسندي // ومعزتي ياسلاحي للمدينينا

    37) والله من روحتك ما عاد ينفعني // عيشٍ ولو نمت فاني ساهر العينا

    38) كافٍ كفاني إلى بانت محقريتي // عند العشيرة ياريف المقلينا

    39) وجماعتي كل ما جا عند نايبةٍ // ينادي البيّنين ولا ينادينا

    40) لو قال لهم واحد منهم بحضرتهم // نادوا فلانٍ فلا هو من ينادينا

    41) وان جيت لي واحدٍ منهم أبي غَرَضٍ // عيّى وهو من قَبِل هذا يدارينا

    42) هذا جزا كل من قلّت فوائده // يرخص على الناس ما حِنّاب جزعينا

    43) وانا احمد الله على تفضيل نعمته // حمدٍ كثيرٍ تقرّ بذكره العينا

    44) لو كان عالقني دينٍ فلي نخل // بعضه عن الدين لو بعناه يكفينا

    45) لكن ما ودّي بنقص علي وذا // عيبٍ ولا نرتضي تهفى رواسينا

    46) نصايب العمر ياوِلْدي نشحّ بها // نبغي عن اصحابنا الجافين تغنينا

    47) ياحلو ياولدي مقيضهن إلى // ركب الجريد عذوقهن وحنينا

    48) والنوم بظلالها والورق ساجعة // متخالف الحانها برطايب الغينا

    49) وان هبت الريح واهتزّت عذوقه // شبعوا تَحَتْها اليتامى والمساكينا

    50) الله يْتَمّم علينا فضل نعمته // ولا يْغَيّر علينا الوقت يغنينا

    51) الله يحفظ من حنا بجانبه // نرعى العفا في ذرى ذرب البنانينا

    52) سهل الجناب لمن يلجي بجانبه // وغصّة الموت بكبود المعادينا

    53) وقدور مجده مْشَبّعْةٍ وزايدةٍ // للضيف والجار والعاني مقيمينا

    54) زين المعاني رشيدٍ نعم من زبنه // ولا غيّر الدين من خوف الموازينا

    55) وان غرّز السحب وغرزن جوانبه // فهو إلى أمحلت غيث المقلينا

    56) شيخ القصيم ولد شيخٍ نلوذ به // هو سعدنا دام لاوّلنا وتالينا

    57) ولد علي ساس جوده ما تغيّره // غبر السنين ولو خبثت ليالينا

    58) ينسب إلى ذروةٍ بالعز طايلةٍ // خالد وهو فخرنا العالي ويكفينا

    59) وان ثار نقع العجاج بيوم كائنة // يومٍ يشيبُ مِنِه روس الغلامينا

    60) يدعي كمثل الهشيم على جوانبه // صرعى بها بين مجروحٍ وميتينا

    61) سنينته بالوغى بالقوم ملحمة // في كف ابو ثاقبٍ حامي توالينا

    62) عَيٍّ على العَيّ وَرْعٍ في رفاقته // زبن المجلّين وان جوه مْتلاجينا

    63) يلوي رقاب المعادي ثم يبرمها // نَكْدٍ على الضد ياتونه مطيعينا

    64) يالله ياحامل الثقلين ساعده // معزّةٍ وامنحه بالعمر عمرينا

    65) ثم الصلاة على المختار سيدنا // محمدٍ خير خلق الله هادينا

يرد في البيت الواحد والعشرين ذكر رشيد الذي يصفه الشاعر في البيت الثاني والعشرين بأنه أمير القصيم ويكنيه في البيت الثالث والعشرين بولد علي. والمقصود هو رشيد بن محمد بن حسن، وسبق القول بأن أبا رشيد، محمد بن حسن، كان أقل منزلة وقدرا عند الناس من أخيه الأمير آنذاك حميدان بن حسن. ولذلك فضل الشاعر أن ينسب رشيداً لا إلى أبيه محمد نظرا لخمول ذكره وإنما إلى علي، والمقصود علي بن زهري بن جراح الجد الأعلى الذي ينتسب إليه آل فضل أمراء عنيزة آنذاك. (ابن بسام 1398، ج1: 299-300).

وبعد مقتل رشيد بن محمد بن حسن عام 1174هـ تأمر ابنه جار الله ثم بعد ذلك تأمر ابنه الثاني دخيّل. وكان دخيّل طالب علم وزاهدا ورعا فتنازل عن الإمارة بعد فترة قصيرة لأخيه عبدالله بن رشيد. وعبدالله بن رشيد هو الذي في عهده سطا الإمام سعود بن عبدالعزيز سنة 1202هـ ومعه حجيلان بن حمد، أمير بريدة، على عنيزة واستولى عليها ونقل عبدالله معه إلى الدرعية. ولم يعد عبدالله من الدرعية إلا بعد أن هدمها إبراهيم باشا. لكن إقامة عبدالله في عنيزة لم تطل حيث قتله جنود إبراهيم باشا سنة 1234هـ قبل رحيلهم من نجد.

وجميع ما سبق ذكره من أحداث استقيناه من المصادر المخطوطة مثل تاريخ مقبل الذكير وتاريخ ابن بسام تحفة المشتاق وكذلك من المصادر المطبوعة مثل علماء نجد خلال ستة قرون (ابن بسام 1398، ج1: 253-256) والمعجم الجغرافي للبلاد السعودية: منطقة القصيم (العبودي 1399-1400، ج4: 1638-1748) والأحوال السياسية في القصيم في عهد الدولة السعودية الثانية (السلمان 1407-1408: 15-27).

 وقد خلد العرف، مولى عبدالله بن رشيد، حادثة سطو سعود وحجيلان التي مر ذكرها على عنيزة بقصيدة مشهورة منها قوله:

    جونا هجاد وْجِمْلة الناس برقود // بس القهاوي مشعلينٍ ضواها

    لا ثار به رميه ولا زِرْق به عود // ولا ثار مثلوث الدخن من وراها

    مزنه تصيح وْمِقْدَم الراس مشدود // ياليتهم ما برّقوا في صباها

    رباعتي واللي هقينا به الجود // عِزْلوا كما عَزْل الغنم عن ضناها

    ياليت اخو طرفه حضر يافتى الجود // ما كان صَرّت بالمحامل نساها

والذي يهمنا في هذا الشاهد الشعري هو أن وزنه، بخلاف القصيدتين السابقتين لنبهان وشايع، على بحر المسحوب مستفعلن مستفعلن فاعلاتن وقافيته مزدوجة، مما يعني أن هذا الشكل الشعري الجديد أصبح في ذلك الوقت شكلا راسخا متأصلا. ومما يدل على تأصل هذا الشكل الشعري مع نهاية الحقبة الغريرية وبداية حقبة الدرعية، وخصوصا بين أبناء البادية، الأشعار التي قيلت في وقعة الحجناوي سنة 1193هـ بين عنزة ومطير بالقرب من جبل كير والتي فصل فيها القول مقبل الذكير في تاريخه وذكر طرفا من الأشعار التي قيلت فيها مثل قول الشاعر العنزي:

ياكِير ما عيّنت ربعٍ لجوا فيك // خطلان الايدي نقوة اولاد وايل

وقول الشاعر المطيري:

    يالله ياللي ما حْذاتك خْيارا // ياللي غني وكل عينٍ تراعيه

    تجعل لنا في جنة الخلد دارا // قصرٍ حصينٍ نلتجي في مذاريه

 أعلي

 

شعراء من الأشراف

هناك قصائد منسوبة لبعض الأشراف يبدو من لغتها ونفسها الشعري أنها قديمة لكننا لا نعرف وقتها تحديدا ونوردها هنا لاستكمال مسح الأشعار النبطية القديمة. يورد الدخيل في مخطوطته قصيدتين أحدهما قالها شخص اسمه منصور يتضح من البيت الثامن أنه من المنتفق، ومن آل سعيد منهم، كما يرد في البيت الرابع عشر. وفي التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية أن بني سعيد كانوا في الجزيرة بين الغراف ودجلة وكانوا يشكلون مع الأجود وبني مالك تحالف المنتفق (نبهاني 1986:397). ويخاطب منصور في قصيدته الشريف عطيفة بن مقبل الذي يلقبه أبا قراب في البيت الرابع عشر. ورد عليه الشريف بقصيدة فى نفس المعنى وعلى نفس الوزن والقافية. يبدأ منصور قصيدته بتذكر الديار والدعاء لها بالسقيا ثم يعرج في البيتين الخامس والسادس على الحسناوات اللاتي كان يسامرهن ويتلهى بمداعبتهن. قال منصور:

    01) يامن لعينٍ كل ما نامت الملا // لكن من الشب اليماني ذرورها

    02) مذيّره ما تالف النوم ساعه // إلى ذْكَرت ما قد مضى من عصورها

    03) إلى ذْكَرت دارٍ بشقرا ولعلع // سقاها من الوسمي تقافي خطورها

    04) يسقي رباها كل ما نوّض الحيا // بكورٍ وحلوا كل الاشيا بكورها

    05) لكني بها ما ريت خيمٍ ظلايل // وبيض الثنايا بالحنايا خْدورها

    06) ملاح الحلا خمص الكلا رجّح التلا // بعادٍ عن ادناس الخنا ما يزورها

    07) وشعث النواصي عاذراتٍ بربعها // ونزلٍ بها خيل العدا ما تزورها

    08) من المنتفق حمّالة الريم باللقا // إلى طاح من بعض الثنايا ستورها

    09) وتطريدنا فرق الحباري بربعها // بكل قطاميٍّ ربى في بحورها

    10) على قود الانضا في رباها الى زها // من النبت ما يكسي وطاها وقورها

    11) تذكّرتها ريد الضحى فوق مشرف // فانهل ما عيني ضياعٍ حجورها

    12) فيامبلغٍ مني الشريف ابن مقبل // عطيفه وهّاب السبايا وخورها

    13) ثقيل مراز الحلم أَلُوّا مجرّب // مُنى مِعْسِرٍ يشكي رزايا دهورها

    14) أيابا قراب اشتاق قلبي ظعاين // سعيديّةٍ بيض الرواقات دورها

    15) يشدّونها ما بين شقرا ولعلع // ويرعون بالاسلاف عافي قفورها

    16) فهل فيك شكوى يانصيحي لمغرم // أخا مقلةٍ غرقى قليلٍ فتورها

فأجابه الشريف عطيفة بن مقبل:

    01) يقول الحسيني الذي هاض ما به // عجاريف دنيا كايدات امورها

    02) تميل وتوريك اعتدالٍ وطبعها // إلى اقبلت لا بدّها من دبورها

    03) فلو ساعفت لامرٍ بخيرٍ فإنها // قريبٍ شقا أيامها من سرورها

    04) فالانسان لا يغترّ فيها وإن صفت // فلا بدّها من دايراتٍ تدورها

    05) فعلمي بها أمسٍ وهي مستزينه // واسرع من الاوما بالايدي غدورها

    06) فقلت أيها الغادي على عيدهيه // قراويةٍ قد شب ما ضم كورها

    07) تبوج الفيافي ما تملّل من السرى // إلى مل من سير المطايا ضجورها

    08) إلى سرتها من مطلع الشمس مجنب // وقابلت من بلدان رانٍ قصورها

    09) فعجها على اليمنى مْصِدٍّ ولا تعد // من الجانب الأدنى من الما سرورها

    10) فسر سالمٍ حتى ترى علم ماجد // كريمٍ من أجوادٍ كبارٍ قدورها

    11) فتى الجود منصور الذي ظهرت له // شوايع جودٍ ليس يحصى مرورها

    12) وقل يامنى ركبٍ ضووا فوق ضمّر // رذايا كأمثال الحنايا ظهورها

    13) ويانعم يوم الكون من يتّقى به // إذا الخيل قفّت والبلنزا يثورها

وتورد مخطوطة الذكير قصيدة منسوبة إلى ابن عجلان الذي يتضح من القصيدة أنه من شعراء الأشرف، وربما من قدمائهم، فهو ينتسب في البيت الثامن إلى هاشم. ويستشهد في البيت الخامس بكلام شاعر آخر سماه عثمان بن راشد، ومع الأسف أننا لا نعرف عن هذا الشاعر شيئا. كما يستشهد بقصيدة وقصة المهادي مهمل المعروفة التي سجلها الأستاذ فهد المارك في الجزء الأول من عمله القيم من شيم العرب. والاستشهاد بالقصة في هذه القصيدة دليل على قدم تداولها بين الرواة الشعبيين. ويتضح ابتداء من البيت الخامس عشر من القصيدة أن قائلها بعث بها من هجر في اتجاه النجم اليماني، سهيل، أي باتجاه الجنوب الغربي، واستغرقت الرحلة عشرة أيام. لكن نص القصيدة الذي وجدناه في المخطوطات نص مبتور لم تستكمل فيه أبيات المدح ولا الرسالة التي نتوقع أن تعبر عنها القصيدة ويوجهها الشاعر إلى الشخص الذي بعث إليه بالقصيدة. يقول ابن عجلان:

    01) يقول ابن عجلانٍ بنفسٍ عزيزه // بعيد منافي غيضها من قريبها

    02) رفيع ارتفاع الراي من روس لابه // بعادٍ عن الزهدا عزيزٍ غريبها

    03) ثقاةٍ عداةٍ ذات فكرٍ من الملا // بحور الصخا من فرع الاجواد صيبها

    04) ذرى الجار عيد الضيف في حزّة القسا // إلى قل من در الخلايا حليبها

    05) فقلته على بيت ابن عثمان راشد // يمينه ما يشكي عياها قريبها

    06) لهم كل دربٍ يوجب الحمد منهج // وعن كل ضيمٍ جارها يتّقي بها

    07) على سبّقٍ جودٍ جيادٍ طلايع // عليهن من لا يختشي من طليبها

    08) عليهن قومٍ من بني إبن هاشم // بزرقا وخضرا باللقا يصطلى بها

          09) تسقّي بها اعدام العدا كل هيه // إلى ثار من غبو السبايا كثيبها

    10) فقلته على بيت ابن مهدي مهمّل // والامثال ما تغبى فطينٍ يجي بها

    11) الاجواد أمثال الجبال الذي بها // شرابٍ وزبنٍ للذي يلتجي بها

    12) رفاع العناصر من عقيل بن ماجد // رقوا بعال الجود عالي تعيبها

    13) رفاع العناصر كابرٍ بعد كابر // عفافٍ عن ادناس الخنا ما يجي بها

    14) مضى ذا وياغادي على عيدهيه // جماليّةٍ يطوي الفيافي جنيبها

    15) إلى سِرْت من هَجْرٍ لك الرشد قايد // تعرّض لك ارشاد المعاني وطيبها

    16) ويممتها النجم اليماني مجنّب // بداويّةٍ مجتازها يختشي بها

    17) إلى جيت بعد العشر منا جماعه // ذرى الجار والجانين عن ما ينيبها

    18) قبيلة من روس أجاويد لابه // كرامٍ على عسر الليالي وطيبها

    19) فعمهم التسليم مني وخص لي // فتىً حاش من زين المعاني غريبها

    20) قل ياحمى الجانين عن كل نكبه // وراقي ذُرى العليا وداعي خطيبها

    21) ومن عاش ما يومٍ شنا اللوم عرضه // ولا قنع بالزهدا ولا يرتضي بها

ومن شعراء الحقب المجهولين الشريف جبارة ويضيف منديل الفهيد إلى اسمه كنيته أبا حماد. يقول الشيخ منديل إن جبارة من أشراف الخرمة ويورد قصته حينما ضاقت الدنيا في وجهه لأن الضيوف حلوا بساحته وليس لديه ما يقريهم، ومن شدة ارتباكه ضرب زوجته ولما رأى الدم يسيل منها خجل من نفسه وزاد اضطرابه وفر من البيت (الفهيد 1404-1415؛ ج1: 279-281). وتقول الحكاية الشعبية إن جبارة صعد مرتفع غير بعيد عن بيته يستطيع من قمته أن يراقب الوضع وينظر ما يحدث لضيوفه إذا أناخوا ركائبهم أمام بيته. أما زوجته التي ما زالت تعاني من الإهانة وتسيل الدماء على وجهها من أثر الضرب فإنها تصرفت تصرفا نبيلا أخجل زوجها حيث ذهبت إلى بيت أخيها وأخبرته بأن زوجها غائب وأنه ليس لديها ما تقري به ضيوفه. فأرسل أخوها إليها كل ما تحتاجه من عيش وذبائح وقهوة. وما كانت إلا لحظات حتى رأى الشريف جبارة الدخان يتصاعد من بيته مما يؤذن بإعداد وليمة كبيرة للضيوف، وبذلك علم أن مشكلة إطعامهم قد حُلت. فنزل من مخبأه وبادر ضيوفه بالسلام واعتذر لهم من عدم استقباله لهم لعدم علمه مسبقا بمجيئهم. لكن أمير الركب كان نبيها أدرك كل شيء وعرف ما يعانيه الشريف من قلة ذات اليد. لذلك فإنه قبل مغادرته عمد إلى كيس نقود معه ووضعه تحت المسندة ليجده الشريف بعد ذهابهم، وقد عمل ذلك لأنه كان متيقنا بأن الشريف لن يقبل المال لو أعطاه له هكذا. أما زوجة الشريف الهذيلية فإنها بعد أن عملت ما يمليه عليها نبل الأصل وكرم المحتد من القيام بالواجب والمحافظة على مكانة أبي أولادها راحت مغضبة إلى بيت أهلها. ما سببته له هذه الحادثة من ألم نفسي هو الذي حدا بالشريف جبارة إلى أن يهجر بلده ويخاطر بنفسه ويتغرب عن أهله طلبا للرزق والعيش الكريم. وقال هذه القصيدة لما طالت غربته واشتاق إلى أهله وحن لولديه اللذين يقول عنهما في البيت التاسع إنه تركهما وهما ما زالا في سن الرضاع.

ولا نجد في القصيدة أي ذكر لحكايته مع الضيوف وما عملته زوجته تجاههم. إلا أن الجو العام للقصيدة قد ساعد على تفريخ هذه الأسطورة وأوحى بتفاصيلها. فالموضوع الأساسي للقصيدة هو التشكي من الفقر وذم الحاجة. كما أن ما ذكره في البيتين السابع والعشرين والثامن والعشرين عن صبر زوجته على غضبه وحدة مزاجه قد يفهم منه أنه ضربها. لكنه لم يحدد حادثة بعينها غضب فيها على زوجته والفهم الأصح، في رأيي، أنه يتحدث عن سلوكه معها بصفة يومية. ولربما يرجع السبب في حدة مزاجه معها إلى ما يقاسيه من ذل الحاجة والعوز.

ولا تحدد القصيدة أين ذهب ولا من أين بعث بالقصيدة، لكنه بعث بها إلى نجد مع شخص سماه عمران والذي كان يستعد للذهاب إلى نجد ومغادرة الريف، وربما يقصد بالريف هنا المناطق الخصبة في الشام وبلاد الرافدين. وفي البيت الثامن عشر تنتهي رحلة عمران حينما ينيخ راحلته في بطحا البجيري. ولا أدري إذا كان المقصود مكان بهذا الاسم أم أن البجيري شخص مرموق أمام منزله مناخ رحب ومفروش بالبطحاء لإناخة ركائب الضيوف. والشطر الثاني من البيت يرجح هذا التفسير حيث يبدو أن الضمير في كلمة "بابه" يعود إلى البجيري. أي أن المناخ المفروش بالبطحاء والذي تشتاق له ناقة عمران يقع في ملتجا باب البجيري وباب صفار. بعد ذلك يوجه جبارة كلامه إلى نسيبه وخال أبنائه محمد أبي بكر ليستفسر منه عن حال ولديه اللذين سماهما في البيت الثاني والعشرين شبيب وأحمد، وهذا ما يتفق مع ما ذكرته الأسطورة عن غضب الزوجة وذهابها إلى بيت أخيها. وقد أفادني أخي الأستاذ عبدالرحيم الأحمدي أن البجيري اسم لمكان في مدينة الدرعية وكذلك صفار هو شِعب كبير أسفل الدرعية به سد لحفظ المياه، كما أن أحد نواحي الدراعية تسمى قرى عمران. فهل بعث الشريف جباره قصيدته إلى وجيه من وجهاء أهالي الدرعية اسمه عمران؟.

وأجمل ما في القصيدة المقطع الذي يتحدث فيه عن الأولاد ودور الأم في تربيتهم. ويكاد يقتصر النصف الثاني من القصيدة على ذم الفقر وما يجره على صاحبه من ازدراء الناس له وازورارهم عنه. والأبيات الأخيرة تبدو مهلهلة التركيب وضعيفة الصلة بموضوع القصيدة وجوها العام، وقد تكون ملحقة بها من قصيدة أو قصائد أخرى على نفس البحر والقافية. تقول القصيدة:

    01) يقول جْباره والركايب زوالف // يدير الاريا ايّهن خْيار

    02) ألاعي الورقا بالابعاد بعدما // غشى جفن عينى بالمنام وذار

    03) ياركب شدّوا واغنموا البرد قبل ما // يهب عليكم بالهواجر نار

    04) يهب هوا من مطلع الجدى بارح // إلى طلعت عين الشبيب وثار

    05) لكن حصباه الذي في رباعها // على جسم من هو يلتقيه شرار

    06) هيّض علي بتالى الليل والف // لها ضايعٍ يوم الهجيج حْوار

    07) تحن وهي كد عاقها عن لحوقه // على الساق بعض الرامحات كسار

    08) تحن اليهوديات من فقد ليله // عزّي لمن فرقاه بيع جمار

    09) هذا وهي عجما فياويل من له // أولاد في سن الرضاع صْغار

    10) الايقان بالله وما كتب للفتى // يجيه ولا له عن لقاه فرار

    11) لو كنت في قبّة حديدٍ مْعَسْكر // في غب جهّاشٍ غزير بْحار

    12) أو كنت في حِقٍّ من العاج مطبق // فلا عن مقادير الإله مطار

    13) فان كان ياعمران الى نجد راجع // عن الريف من خوفة يقال وصار

    14) أوصّيك ياعمران لا عاقك النيا // حاذور عن ضعف العزوم حذار

    15) على نضوةٍ وجنا لكنه إلى اوجفت // خْطاه من طول المسير قْصار

    16) لكنها من غب الادلاج والسرى // تشوف بها هاك النهار ذْعار

    17) فجّا النحر مثل السبرتات لى اوجهت // طفوحٍ على اليمنى لها ويسار

    18) تشتاق في بطحا البجيري مجلس // في ملتجا بابه وباب صفار

    19) إلى جيت ياعمران منى جماعه // وحسّك من بين الجماعه دار

    20) اختص ابو بكر الشجاع محمد // من لا شنا يومٍ جنابه جار

    21) نسيبي وخال ابني ومن هو إلى أمر // على غرضٍ مني يجيه جمار

    22) أسل ليت علمٍ عن شبيب وأحمد // الاولاد للقلب الشقى اثمار

    23) هم الخير وهم الشر والفقر والغنى // وربحٍ وفيهم من يكون خسار

    24) الاولاد فيهم من جلى الهم شوفه // والاولاد فيهم مِطْلَق وْثبار

    25) بالاولاد من هو رافعٍ قَدِر والده // وبالاولاد من يوريه دار حقار

    26) خلّفتهم في حِجِر بيضا عفيفه // كساها من الدل الجميل وقار

    27) هذيليّةٍ من روس قومٍ عنابر // من منسبٍ عالي وطيب جوار

    28) صبورٍ على عوباي ما يندرى بها // إلى مِرّ كبدي بالمغوضه فار

    29) ياما من الطربات يانفس فاقنعي // مع الناس غالي ما عليه اقدار

    30) محى الله من يارد على غير مارد // ويبني على غير العزاز جدار

    31) مصادمك بحرٍ من ورا ديرة العجم // ودارٍ ورا عين الدقيق بدار

    32) أشوى ولا تحتاج لادنى قريبك // إلى احتجت للدانى القريب وبار

    33) لعل مالٍ ما يمارى به العدا // ولا ينفع المضيوم ليته بار

    34) أوصّيك خلان الرخا لو تزخرفوا // كما الشجر يورق بغير اثمار

    35) يبنون لك بالحكي كم من مدينه // بالضاهري والباطني دمار

    36) يقولون تِرْد الماي بمحوص قِنّب // فالى ورّدن الما يجن قصار

    37) يورونك احوالٍ إلى ما بغيتها // والى حلم ليلٍ فر عنك وطار

    38) ولا تنطح اللقوات الى صرت معسر // ترى الفَقِر يِرّث بالعظام فتار

    39) ترى الفقر لو قالوا لك الناس هيّن // يهينك كما هان الهزيل فقار

    40) يقصّر عزومك لو تهقويت هقوه // كما يقصّر للزمول هجار

    41) ولا عيشة الصعلوك إلا شقيّه // سل الله عنها بالغناة جوار

    42) مجالسك من ياجد ولا أنت واجد // يزيدك عند الموجبات حقار

    43) تهوم المراجل ثم عنها يردك // عِسْرٍ كما رد الهجين هْجار

    44) رجلٍ بلا مالٍ له الموت راحه // ورجلٍ بلا فضلٍ غناته عار

    45) إلى هم بالجودا والى انه عضوده // عليها من القِدّ الشديد وسار

    46) ما تفتكر بالطير الى بات جايع // تباطا سنا نور الصباح وطار

    47) واحذر عن الرديان لا تقرب ارضهم // ولا تسكن ارض العايلين بدار

    48) وهْدوم خطو الرجل لا تعتبر بها // يشبه لذانون عليه غْبار

    49) الانثى ولو سنّيتها كل ساعه // كثر سَنّها بما لا يكون دمار

    50) هذا وانا ما في ضميري كد انقضى // تراه في مبدا الكتاب حضار

    51) صلوا على خير البرايا محمد // عدد ما سعى ساعي الحجيج وزار

    52) وآله وصحبه من تبع ملّةٍ لهم // عدد ما تعاقب ليلها ونهار

ويختلط اسم الشريف جبارة مع اسم شاعر آخر بنفس الاسم يدعى جبارة الصفار وتكاد تتفق المصادر الشعبية على أن الشريف جبارة وجبارة الصفار شخصان مختلفان وأن جبارة الصفار من فئة الصناع كما يدل على ذلك اسمه. لكن الشيء المحير أن الاسم صفار يرد مقترنا بالبجيري في البيت الثامن عشر من القصيدة السابقة. هل يعني هذا أن "صفار" ليس لقبا وإنما اسم لشخص ربما يكون قريبا للشاعر السابق، ولعله يكون أباه؟ ولو ثبتت صحة هذا الزعم فهل معنى ذلك أن القصيدة السابقة والقصيدة التالية لشخص واحد من الأشراف اسم أبيه صفار؟ هذه مجرد تساؤلات مبعثها ورود الاسم صفار في القصيدة السابقة. ولعل الاسم عمران الذي تردد في القصيدة هو عامر الذي يرد في البيت الثاني من القصيدة التالية.

يورد الحاتم القصيدة التالية بقوله: جباره الصفار يمدح حسين بن منصور. ويقدم الربيعي للقصيدة في مخطوطاته بقوله: مما قال جباره يمدح حسين بن منصور في زمن زيد بن عريعر. ويرد اسم الممدوح في القصيدة حسين ابن منصور ابن رحال، ولربما أن له صلة بالشيخ فرير بن رحال الذي يذكر صاحب  التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية أنه كان وزيرا للشيخ الجبري الذي استقل بالبحرين سنة نيف عشر بعد المائة والألف بعد زوال حكم الجبريين في الأحساء. وربما يؤيد ذلك ما نلاحظه في البيتين التاسع والعشرين والثلاثين من أن مسير الشاعر يبدأ من عالية نجد وينتهي في الجبيل وواسط شمال شرق الجزيرة العربية. وترد في القصيدة أسماء مواقع في نجد مثل السر وقرى الوشم في البيت السابع والعشرين. ويذكر الشاعر ابراهيم بن سعد العريفي في الجزء الأول من ديوانه أن جبارة هذا غير جبارة الشريف قائل القصيدة السابقة وأن جبارة هذا صفّار، أي صانع، لكنه شجاع وكريم. وانخدع به ابن زامل، أمير الخرج، وزوجه ابنته. لكن بعض معارف جبارة الأقدمين لما علموا بزواجه من ابنة ابن زامل لجأوا إلى حيلة ليحرجوه بها ويكشفوا بها عن أصله أمام صهره. ونجحت الحيلة واضطر جبارة إلى الهرب لما افتضح أمره. لكنه حن إلى زوجته وأولاده بعدما طالت غيبته عنهم. وبعث بقصيدة كان لها أطيب الأثر على رحيمه الذي أرسل له زوجته وأولاده لاقتناعه بطيب عنصره وكريم أخلاقه حتى لو لم يكن له أصول قبلية. ويورد العريفي (1411، ج1: 267-269) قصيدة لم أجدها إلا عنده يرد فيها ذكر ابن زامل. أما القصيدة الموجودة في المخطوطات وبعض الدواوين المطبوعة فهي قصيدة قوية جزلة تذكرنا في بعض أبياتها بلامية الشنفرى. كما تتداخل بعض أبيات القصيدة مع قصيدتين ينسب الرواة إحداهما إلى شخص اسمه غريب النبيطي (الفهيد 1398، ج1: 241)، والأخرى إلى شخص سمى نفسه "الصبي العايذي" حبسه الشريف وقال قصيدة يتعزى فيها لحاله ولحال ناقته ويتذكر أيام الحرية السابقة (الفهيد 1411، ج5: 128-129). يقول جبارة:

    01) لو ادري بيوم الرشد نوّخت ناقتي // وسايلت عن خُبث الليالي وطيبها

    02) وقلت لماموني من الناس عامر // ونفس الفتى يدري بداها طبيبها

    03) أياناصحي من دون داني قرابتي // وعن غيرك اكتم علتي ما افضي بها

    04) إلى حنّت الصفرا قلوصي تظاهرت // علي همومٍ ضَرّ حالي لهيبها

    05) إلى ذْكَرَت بين الذراعين مبرك // وطفلٍ غدا في راس مفلا شعيبها

    06) إلى حرّكت خرس الحنين تهاملت // عيوني بجاري الدمع مما يصيبها

    07) تحن فلولا ثِقِل عقلي وهيبتي // من الناس كنت العي بصوتي واجيبها

    08) تحن حنينٍ ينجض القلب بعدما // غفت عين خالى البال في نوم طيبها

    09) فقلت لها والعين تزداد عبره // ونفسي من الوجلا ضعيفٍ صليبها

    10) ياناق ذوقي مثلما ذقت واعلمي // لزومٍ تفارق كل عينٍ حبيبها

    11) فلا انتيب أول عيرة قد ركبتها // بْداوبّةٍ يزري المطايا خبيبها

    12) خلاويّة الغيطان مابيّة الحمى // تشيب النواصي قبل مبدا مشيبها

    13) شرابي بها وقمٍ وزادي مشافق // إلى وجبةٍ من وجبةٍ أجتزي بها

    14) وكم ليلةٍ شِتْوِيّةٍ زمهريره // بها تصبح الجوزا تباري رقيبها

    15) يطيح ذراها من عْشاها مبكّر // من البرد ما يسري ولو جاع ذيبها

    16) تبات بها حرش العراقيب جِثّم // تشح على حيرانها في حليبها

    17) جميدٍ لشاربها لكن شرابه // حثيمة دمٍ كن جاري شريبها

    18) مريب دم الغزلان في القاع ثجّه // خلاويّ شلحٍ طال ما يعتني بها

    19) وهاجرةٍ ياناق لاقيت حَرّها // من القيض كن النار حامي لهيبها

    20) تدور الثرا الغيّوب في مستقرّها // ويفيض من الاوشال حامي هضيبها

    21) تجشّمتها واغتال صدري هواجس // إلى حالف البيض العذارى ربيبها

    22) وقبّلتها صدري أدوّر غنيمه // يسهّل بها ربي لعلي أجيبها

    23) ولي خِلّةٍ يرجونني في مغيبتي // كما ترتجي قطّانة الما عزيبها

    24) معوّدهم مني إلى جيت سالم // فكل يدٍ منهم يجيها نصيبها

    25) فلا خير في نفسٍ تروم الشكاله // مدى الدهر يقصر نيلها عن قريبها

    26) فياناق جزوى نقضة الجزو عطنه // على عِقْلِةٍ شهلا غويطٍ قليبها

    27) تعَدّي بي النسرين والسر واجعلي // قرى الوشم باليمنى وذيك اقطعي بها

    28) والاخفاف والجلدين والرمل واجزمى // على النيّه اللي يكتب الله لي بها

    29) من النير والشعرا إلى حَبِل مِشْرِف // إلى السمنا أيام مغنى رطيبها

    30) إلى حبل غورٍ والجبيل وواسط // مراتع من عِين الجوازي وذيبها

    31) خلاف ارتعاش النبت تسعين ليله // بنجدٍ تذبّين العفا من عشيبها

    32) لعلي أزور اليوم ياناق خيّر // كريمٍ على خبث الليالي وطيبها

    33) حبيبٍ رحيبٍ باشٍّ وغير كالح // والاجواد أحلاها متاعٍ حبيبها

    34) كما تنجع الهزلى لْخَدٍّ مريفه // لعلم الحيا فيها وكيدٍ يجيبها

    35) حسين ابن منصور ابن رحّال والذي // رقى من دروب المجد عالي تعيبها

    36) إلى ضامنا وقتٍ لجينا بجاله // كما تلتجى الأوعال باعلى هضيبها

    37) فلو كنت ما أقوى أكافي جميله // فحسناه نرجي الله عنا يثيبها

    38) أجازه إله العرش عن كل سايه // فهو فاتح ابواب الدعاوي مجيبها

ومن شعراء الأشراف الشريف جري الجنوبي الذي لا يجارى في رقة الغزل وعذوبة اللفظ. ومن جيد قوله هذه القصيدة، خصوصا المقطع الذي يربط فيه بين الغزل والحنين إلى الدار:

    01) يقول جِرِيٍّ واشرف اليوم مرقب // طويل الذرى للريح فيه زِليل

    02) طويل الذرى تهفى الحواويم دونه // وللحر الاشقر في ذراه مقيل

    03) وللريح صَفْقٍ بالعَلِي من رجومه // ودجّ الصفا عن جانبيه يميل

    04) كد ابصرت وانا في ذراه ظعاين // وقِطَعت الرجا من لام كل خليل

    05) شعبنا النيا في طول ليلي وهِجْرتي // ولا الليل فيما قد مضى بطويل

    06) لا تِشرف المرقاب يلعب بك الهوى // ويذكّرِك مرقاه كل خليل

    07) يذكّرْك خلٍّ حال ابانات دونه // بوادي الرشا يامرتجيه هبيل

    08) خليلين خلانا الزمان نتفرّق // ياحسرتي من قعدتي بلا خليل

    09) أنا جيت من نجدٍ ولا يعرفونني // مع غزيو بدوٍ جيت لهم دليل

    10) على فاطرٍ هبّاعة السير والسرى // لها في مهاميه القفار رقيل

    11) تاطا ولا ياطا على القاع خفّها // كما غصن موزٍ بالنسيم يميل

    12) سقى الله وادٍ للحجاز مقابل // أبو شِجَرٍ داجي الغصون ظليل

    13) ترى باسفله سدرٍ وعالي فروعه // وسيله يفيّض في قرى ونخيل

    14) ترى باوسطه جبّارةٍ أسلميه // ملعب لغضّات الصبا ومقيل

    15) تلقى بْنِيّ البدو يلعبن حولها // ويهزّعن اغصانها وتميل

    16) وتلقى بها راعى الذوابه جالس // حِمّ الأشافي في وجانه نيل

    17) حم الأشافي وادعج العين ليتني // ألاقيه وابرد بالضمير غليل

    18) غليلٍ من الود الذي ما يِقِلّه // مْقِلٍّ ولا يقواه كل مشيل

    19) ياراعي الخد الذي فيه اماره // ثلاث لعاسٍ دقّهن جميل

    20) ودّي تجرّيني عليك بكلمه // خير المعاني للرجال دليل

    21) قليلٍ من الحب الذي صار بيننا // غليلٍ ولا يرويه كل خليل

    22) أريتك إلى ما جيت موزٍ بي الظما // والاك معلّقٍ بين اشفتيك صميل

    23) ألاقيك وآخذ من ثناياك مزّه // علي بها رب العباد وكيل

    24) انشدك الى ما جيت طلاب حاجه // وتِهْت وقلّطت النشيد دِليل

    25) أنا اجيك أو ما اجيك أو وش تقول لي // أو انت على ما قد نويت بخيل

    26) تاعد ولا تافي ولا تقطع الرجا // ولا في يدي مما تقول ضويل

    27) ولا ينفع الظميان لى قلت باكر // يجي ولا يلقى باليدين حصيل

    28) وبالايمى بالحب تبلى بمثله // عساك في طِرْق السفاه تعيل

    29) تلقى غزالٍ مثلما اني لقيته // تصبح وتمسي من هواه عليل

    30) يلومني بالحب ثورٍ مْقَلّد // لكنه من بين الجماعه فيل

    31) يلومني في حب مسلوبة الحشا // عساه في طول الزمان خبيل

    32) ترى رِدِيّ العقل تعمى بصيرته // وتيهات الاريا ما لهن دليل

    33) وان كان ميزانك على الناس مايل // لا بد ميزانك عليك يميل

    34) إلى عاد ما للرجل رايٍ يدلّه // فياخذ من امثال الرجال دليل

    35) ليت العذارى كالحباري بروضه // وانا طير شامٍ والحرار قليل

    36) أصيد ام صومينٍ واصيد ام ثالث // واصيد من ترمي لها بحليل

    37) ردّت تجاوبني من الهجن عرمس // لها بين ملتج الضلوع عويل

    38) تحن اليهوديات من ولف ليله // تحن واقول ان البعير هبيل

    39) واثر هبيل القلب من لا يهمّه // فراق الأخلا والزمان طويل

    40) تبصّرت وانا في هواهم معاين // وشفت النيا في شف كل خليل

    41) كم ساعةٍ تدني إلى حد ضيقه // وكم ضيقةٍ ما ترمها بطويل

    42) كم ساعةٍ ما به هبوبٍ وساعه // هبوبه لمبْنِيّ الرواق يشيل

    43) أغني بأصواتٍ دقاقٍ لعلني // أسلّي بها قلبٍ عزاه قليل

    44) صبرت وناعي البين ينعى بخلّتي // وصبر الفتى بعض المرار قليل

    45) صن النفس واحفظها عن المكرهيّه // عساك تازي بالعيون جليل

    46) والى فات شيٍّ فارض بالعز دونه // ترى العَوَض فيما يفوت قليل

    47) وترى روضة الجثجاث مرٍّ نباتها // مرّه ولو هي كل يوم تسيل

    48) وعظم الندى يندى ولو كان بالي // لو كان بالي بالمراح محيل

    49) فان كان ما تعطي والايام عدله // فالايام لا بد عدلهن يميل

    50) وترى العوشزه ما وقّع الحر فوقها // ولا به لسمحين الوجيه مقيل

    51) وان كان ما نَفْع الفتى في حياته // ترى النفع من بعد الممات قليل

    52) إلى منّها اختارت حياتي منيّتي // فلا لك بالحسنى علي جميل

    53) ألى ما اكثر الخلان يوم تعدّهم // كثيرٍ وعند الموجبات قليل

    54) إلى صرت في دارٍ مْقِلٍّ ومبغض // قليل المواشي والمقل ذليل

    55) تنزّح عنها بالرحيل وقل لها // مذكورةٍ يادارنا بجميل

    56) قعودك في دار الهوان مجامل // كما باقرٍ يثغي لجلد حسيل

    57) وصلوا على سيد البرايا محمد // ما هل وبلٍ في حقوق السيل

ويقول في قصيدة أخرى:

    01) يقول جِرِىٍّ واشرف اليوم مرقب // طويل الذرى للريح فيه فنون

    02) طويل الذرى تهفى الحواويم دونه // وللحر الاشقر في ذراه زبون

    03) إلى هب نسم الريح وانا براسه // تذكرت خلانٍ لنا وشطون

    04) يارب تمحل دارهم واحي دارنا // لعل لى ذكر الحيا يجون

    05) اما يجون العام جَوْ عام قابل // ولا بدهم لى جا الربيع يجون

    06) ياراعي البستان والنخل والقرى // أنشدك ما مرّت عليك ظْعون

    07) ما مر عليكم من شريق ظعاين // ظعاين بدوٍ مشيهن بْهون

    08) ظعاينٍ قلبي بينهن معلق // بخيطٍ ولا دون انقطاعه دون

    09) ظعاين ارقاب الجوازي رقابها // ومن بقر الدهنا لهن عْيون

    10) ومن خيل عَدْوانٍ لهن معارف // ومن سَلَق السحلي لهن بْطون

    11) ياسيف دوّر لي مع الوِِرْد بكره // لعل البكا عن ناظري يهون

    12) تراها الذي ضيّعْت في وادي الغضا // غزالٍ يقود من الجوازي بْدون

    13) مخضّب اطراف البنان موشّم // سبى القلب وازتاد الضمير جنون

    14) ياذيب رز البند في راس مرقب // لعل ياذيب القفار يجون

    15) إن اقبلوا ياذيب طابت معيشتي // وان قوطروا باقي الحياة ظْنون

    16) ياذيب انا واياك إخوان سِرّه // لو ما ايتفينا من حشا وبطون

    17) تكاملت الاحساس منا ولا بقى // سوى سامرٍ غنّى بدق لْحون

    18) ثُمٍّ هوى في البيت مني سمامه // ومشيت مشي الغاويات أو دون

    19) وقلّطت حدبا طالما قد تعوّدت // تنبيه زينات العيون بْهون

    20) وقامت وشالت راسها وتنبّهت // بْحِسٍّ كما حِسّ العليل او دون

    21) وجاوبتها مثله حديثٍ مضاعف // يكود على غيري وعلي يْهون

    22) وبتنا بأحلى ليلةٍ تطرب الفتى // بها من عجاريف السفاه فْنون

    23) يبات على صدري جعودٍ منقّضه // بسايل وهي من قبل شد قْرون

    24) وجانا عمود الصبح لا مرحبا به // تشدي لجرد السابقات صفون

    25) وقالت لي اقعد صاحبي غير صاغر // عن الصبح لا تشهد عليك عْيون

    26) وقعدت وشفّي ما انقضى من عْشاقتي // ولا ينقضي للعاشقين شْطون

ومن القصائد التي تنسب إلى جري الجنوبي قصيدة رائية وجدتها مثبتة في المخطوطات تقول:

    01) يقول جِرِيٍّ في ذرى راس مرقب // بنته الذواري في تِقيزي مريره

    02) بنته الذواري صوب هجرٍ من النيا // وهجر النيا ما هوب يبرى كسيره

    03) ليت الليالي لى نوتنا بغاره // يجي قبل غارات الليالي نذيره

    04) ياليت بقعا خيرها دوب شرها // وياليت حلواها تَلَقّى مريره

    05) تِمِرّ على ذولا وذولا تِعِسّهم // وذولا مواريده وذولا صديره

    06)  تِمِرّعلى الاثنين تاخذ حداهم // وهي على الثاني سريعٍ مريره

    07) تِمِرّ على ما جا بالايدي وتنثني // على الروح ياويل الفتى من شريره

    08) يامن لعين تهمل اهمال شنّه // بعيدٍ مْرَوّاها دنونٍ بعيره

    09) لو يركز المشتاق فيها غرايس // على موق عيني طوّل الما قصيره

    10) وراريد ليلى ياوراريد اوردوا // على حِجِر عيني وارتووا من نظيره

    11) قلبي يشادي لكمة الرجل بالشتا // إلى طقّها عودٍ تَلَوّى ظميره

    12) يامن لكبدٍ تطحن الغيض كنها // رحى عاجزٍ ما فيه حيلٍ يديره

    13) قلت اطحني يالكبد غيضي ودقّقي // على صاحبٍ ما بالبرايا نظيره

    14) لكن القرون الشقر فوق ام ضيغم // الى دنّقت وانجال عنها خديره

    15) كما زرّجاناتٍ بْوادٍ نواعم // سقاهن من نو الثريا مطيره

    16) والا بريض اثلٍ الى هبّت الصبا // تِحِتّ الندى من راس عالي شكيره

    17) هيّض جوابي صوت ورقا حمامه // تْمَزّع من بين الثنادي زفيره

    18) تلعي تحسب البين ما صاب غيرها // والبين صاب صغيرها مع كبيره

    19) تزج الغنا في راس ما ناف مرقب // لى واعلى ادري ما خفى من سريره

    20) دعت مستكنّاتٍ من الورق حولها // إلى زْعَرت جاوبنها في زعيره

    21) أبا العيس ياتالي صديقٍ نخيته // ياكاتم اسرار الفتى عن غريره

    22) أبا العيس ياتالي صديقٍ نخيته // الى ثار من دهم الفرنجي ذخيره

    23) حامي عَقاب الخيل من ذارع القنا // إلى سِنّ من روس العريني شطيره

    24) علام شمس اليوم تمشي مريضه // وهي كان قبل اليوم عجلٍ مسيره

    25) ياشمس ياللي بالسما مستقلّه // غيبي لعل العين تلقى عشيره

    26) أنا مثل سَدّايٍ سِدى عند خَيّر // ولا كل من يسدي سِداةٍ ينيره

    27) أنا اليوم في ضحضاح رقراق نيّه // وْهَفّيت من ضحضاحها في غزيره

    28) لكن بْعيني ساق دفّانة الضنا // أو الشب يقلى موق عيني ذريره

    29) ضحى شفتها بالسيل في عرصة النيا // تخوض مع البيض العذارى غديره

    30) يخوضن خوض الوز بالما وبان لي // حلايا لمجمول الحلى من ستيره

    31) قالت لهن مجمولةٍ غضّة الصبا // هبيتن ما غطّى بريمي قصيره

    32) تقافن يمشن الهوينى حواسر // تثنى على خمص المكالي جريره

    33) ترى العين عن من لا توده مْصِدّه // وهي صوب من تهوى حديدٍ نظيره

    34) حلا ما يلم الشوق حضن ام ضيغم // صغيره واحسن كل شي صغيره

    35) ترى عمرها اللي فات خمسٍ مع اربع // وثنتين مع ثنتين ما اقول غيره

    36) صغيرة ميلادٍ كبيرة نظره // ياطول ما تلّيتها من جريره

    37) وصلوا على سيد البرايا محمد // طبيب الخلايق بالهدى هو بشيره

إضافة إلى الرواية المدونة لهذه القصيدة هناك رواية شفهية سنوردها للمقارنة بين الروايتين. وتقترن مع الرواية الشفهية للقصيدة قصة غرام خيالية تلقيتها مشافهة من الراوية المرحوم خفيج بن بدهان الرمالي من أهالي قرية قنا قرب حائل. وتتداخل هذه القصة في بعض عناصرها مع قصص الغرام المشهورة في الأدب العربي مثل حكاية مجنون ليلى وكثيّر عزة وجميل بثينة وغيرهم. تقول القصة إن جري التميمي كانت له زوجة اسمها ليلى تسبي القلوب بحسنها وجمالها. تزوجها جري عن عشق وحب عميق متبادل بينهما. ومن القصائد التي قالها جري يعبر عن حبه لليلى هذه الأبيات:

    من هوى ليلى رعينا مع الظبا // وقَرَضت عود الشري مِرًّ زوانيه

    ياهل ليلى يامعاطيش واوردوا // على دمع عيني غديرٍ زلاليه

    ياهل ليلى كثّر الله مثلها // عندكم كدكم تخلّونها ليه

    حبه لجا بيلجّفٍ تحت عِجَّف // عليها ضلوعي والمعاليق باليه

والبيت الثالث في هذه المقطوعة يبدو أنه مأخوذ من قول الشاعر العربي:

    فياأهل ليلى أكثر الله فيكم // من امثالها حتى تجودوا بها ليا

وكان جري مشهورا بشجاعته وبسالته. وفي يوم من الأيام كان غائباً مع فتيان قبيلته في إحدى الغزوات ولم يتخلف في الحي إلا النساء والأطفال والعجزة. في هذه الأثناء نزل عليهم أمير من أمراء البلاد اسمه السقيفي الذي كان هو أيضاً في طريقه إلى الغزو فمر بهذا الحي الذي فيهم ليلى فأسرت لبه بجمالها الفاره. ولما رأى ليلى وتمكن حبها من شغاف قلبه سأل عنها فأخبروه بأنها ليلى زوجة جري. قال: فليخسأ جري، أنا أريد هذه الحسناء لنفسي فأنا الأمير ابن الأمير أحق بها من هذا الأعرابي الجلف، هذه الحسناء هي مغزاي وهي غنيمتي. فأخذها قسرا وكبل يديها بالقيود وحملها معه على راحلته وربط ضفائرها بكور راحلته وعاد أدراجه إلى بلده. وبعد ما نهب السقيفي ليلى اجتمع أهل القطين وتشاوروا فيما بينهم ماذا يقولون لجري بعد أن يرجع من غزوته فلا يجد ليلى لأنهم لو أخبروه بالحقيقة فقد يصعق أو يفقد صوابه وقد يتجرأ على الذهاب إلى السقيفي لاسترداد ليلى فيقتله السقيفي. وبعد أن تبادلوا الرأي استقر رأيهم على أن يكتموا الأمر عن جري ويقولون أن ليلى ماتت. وقاموا إلى جذع شجرة ورمسوه في التراب وأقاموا عليه نصباً على هيئة قبر.

ولما عاد جري سأل عن ليلى فقالوا له إنها ماتت وذاك قبرها أمامك. فجلس عند القبر يبكي ليلى ليل نهار وعزف عن الأكل والشرب والنوم. وكان جسيماً مفتول الساعدين عريض المنكبين فأحاله الحزن والأسى إلى شخص هزيل ضامر، ولم يبق من جسمه القوي إلا الجلد والعظم والعروق. ولما رأت إحدى عجائز الحي الحالة التي آل إليها أسفت له وقررت أن تساعده وتخبره بحقيقة الأمر بطريقة إيحائية. فأوعزت إلى بعض الصبايا الصغيرات أن يغنين على مسمع منه هذه الأهزوجة.

    كن عين ليلى يوم راح ابها السقيفي // عين ظبيٍ شاف قَنَّاصٍ وذاره

فلما سمع جري هذه الأهزوجة من الصبايا ساوره الشك في أمر ليلى فسألهن ممن سمعن الأهزوجة فأخبرنه أن العجوز فلانة أخبرتنا بها وطلبت منا أن نحفظها ونغنيها على مسمع منك. فلما نام جميع أهل الحي هب جري إلى قبر ليلى وحفره فلم يجد داخله إلا جذع الشجرة فعرف أن هناك سراً لابد من كشفه. فشد الرحال إلى بلاد السقيفي وسأل عنه حتى وجده في وادي النير. ولما حل على قوم السقيفي كان هزيلاً شاحباً مما لاقاه من الوجد والهيام لذلك لم يعرفوه. ولما سألوه عن هويته أجابهم بأنه درويش يهيم في بلاد الله بدون هدى أو قصد وطلب منهم أن يقيم بينهم لفترة من الزمن فأجابوه إلى ما طلب.

وحينما شاهد وجه ليلى في بيت السقيفي وتأكد أنها لاتزال على قيد الحياة بدأ يستعيد قواه وبدأت صحته تتحسن. وكان من بين حاشية السقيفي أناس يعرفونه حينما كان على أشده وقبل أن تفارقه ليلى وتسوء حاله. فلما بدأ يستعيد صحته ونضارته شك هؤلاء الناس في أمره، وأخبروا السقيفي أن هذا الذي يدعي أنه درويش قد يكون هو جري بعينه. وكان من عادته أنه إذا نام لا يفيق إلا في الضحى بعد أن يضربه حر الشمس. فقرروا ذات يوم أن يرحلوا في الصباح الباكر قبل أن يفيق، ولكي يتأكدوا أنه لن يفيق في الغد إلا في ساعة متأخرة جداً كلفوه بالكثير من الأعمال الشاقة المرهقة وطلبوا منه أن يقوم بها جميعها قبل أن ينام. ولما أوى إلى مرقده في آخر الليل رحل القوم وتركوه وقالوا لأحد فرسانهم المعدودين واسمه أبو العيس: اجلس أنت مختبئاً خلف هذه المرقبة المطلة على هذا الكهف الذي في قمة هذا الجبل وانظر ماذا يفعل حينما يصحو في منتصف النهار. وكانوا قد تركوا بجانب جري شيئاً من الطعام وقالوا لأبي العيس: راقب ما يفعله بالطعام حينما يفيق فإن كان درويشاً كما يدعي فهو سيأكل من هذا الطعام الذي تركنا له، وإن كان جري فهو سيصعد إلى هذا الكهف ويقول شعراً وعليك أن تعي وتحفظ ما يقوله، وبعد أن يتم كلامه إن اتضح لك أنه جري تقطع رأسه وتحضره معك.

ولما أفاق جري كعادته التفت يمنة ويسرة فوجد أن الحي قد رحلوا وليس حوله إلا الطيور تحوم على الأطلال. فنهض من مكانه متوجهاً إلى الكهف ليلتجىء في ظله. عند ذلك تسلل أبو العيس من مرقبته المشرفة على الكهف وانبطح حتى يكون على مقربة من جري ليسمع ما يقول. وكان أبو العيس رجلاً وسيماً لحيته وشاربه كأجنحة الصقر حين يهم بالانطلاق وله ضفائر طويلة. ولما جلس جري في ظل الكهف واستقر به المكان بدأ ينشد.

    01) يقول جِرِيٍّ وان بِدا راس مرقب // تهب الهبايب ويتجازى مِريره

    02) تهب الهبايب صوب هَجْرٍ من النيا // وهجر النيا ما قط يبري شِريره

    03) تهب الهبايب كل عصرٍ وجهمه // عيّت على صلف الهبايب زبيره

    04) الا ياحماماتٍ بوادٍ رِبَن به // ربن بواد النير مربى الصغيره

    05) معاهن ورقا واشرفت راس مرقب // لوى الضيم من بين الثنادي ضميره

    06) تبكي تحسب الضيم ما صاب مثله // ولا صابن السيّات الا ضميره

    07) عيني تشادي قِرْبِةٍ شوشِلِيِّه // بعيدٍ مروّاها دِنونٍ بعيره

    08) أو اثل الديم كل ماهب به الهوى // يطيح من بل الندى من شكيره

    09) هلّت وصبّت وصابت وْصَبْصِبَتْ // كما ينصب مع الزعجا حقوقٍ غَديره

    10) وكبدي تشادي لكمة الرِجِل بالشتا // ليا طقّها عودٍ تَلَوّى ضميره

    11) يامل كبدٍ تَطْحَن الغَبِن كِنّه // رْحى عاجزٍ ما فيه حيلٍ يديره

    12) قلت اطحني يالكبد غيظي ودققي // على صاحبٍ ما بالبرايا نظيره

    13) علام شمس اليوم تمشي مريضه // وهي كان قبل اليوم عجلٍ مسيره

    14) ياليت بقعا خيرها داب شرها // عسى حسانيها تكافي شريره

وأثناء إنشاد جري لهذه الأبيات كان أبو العيس يقترب شيئاً فشيئاً إلى فوهة الغار ليتبلّغ كلامه فرأى جري ظل وجه أبي العيس وظل ظفائره الطويلة فعرفه وعرف قصده من الاستماع إليه فألحق الأبيات التالية بقصيدته دون توقف.

    15) أبا العيس يادارٍ درى عن شِكِيّتي // ياكامي اسرار الهوى عن خبيره

    16) ياحامي الونْدات بيذارع القَنا // لْيا كَلّ من عود العريني طِريره

    17) الاشوار لو هي صدرها مثل وردها // ما تاهب الاشوار من يستشيره

    18) الاشوار تبغي له ورا السد نادر // ليثٍ الى نام المعافى يديره

    19) من لامني بحب ليلى ام هاشم // يبلاه من بلوى الليالي شريره

    20) شَرٍّ من الادنين دَمٍّ تَنَقّلوا // بيقالةٍ كن تاهوا اللي مشيره

    21) كن العيون السود بيني وبينه // ينباج عن لبات ليلى غَديره

فلما انتهى جري من إنشاد قصيدته قال أبو العيس: لا عليك فأنا لن أتعرض لك بسوء بل سأحملك إلى حيث رحل السقيفي علك تحظى بوصل ليلى. فشكره جري وقاما إلى راحلة أبي العيس وأغذّا السير حتى وصلا إلى منازل القوم، فانتظرا حتى غياب الشمس ولما أجنّهما الليل أخذ أبو العيس بيد جري وأدخله على ليلى ثم ودعهما وانصرف. فأدخلت ليلى جري في صندوق كبير وظل مختبئاً في هذا الصندوق وحينما يخرج السقيفي من البيت ويخلو الجو لليلى وجري تخرجه من الصندوق تطعمه وتسقيه، ويجلسان يتشاكيان لوعة الغرام. وكانت ليلى تطلب من الخدم أن يحضروا لها لبن العشائر وتتظاهر لهم أنها مولعة بشرب اللبن ولكن بدلاً من أن تشربه كانت تعطيه جرياً ليتغذى به.

وفي إحدى المرات ذهب السقيفي غازياً فأخرجت ليلى جري من صندوقه وجلسا يتحدثان كعادتهما حينما يخلو لهما الجو. فوضع جري رأسه على رجل ليلى وشرعت تتحسس شعره وتفليه، فبصق بصقة إلى أعلى فلزمت بصقته في السقف وكان مرتفعاً، وهذه من دلائل قوة جري وشدته. ولما رجع السقيفي من غزوته ودخل بيته في الهاجرة من أجل المقيل لاحظ البصقة التي في السقف فساوره الشك في أنها بصقة جري لأنه لا يعرف أحداً بهذه القوة والنشاط. ولكي يتأكد بصق هو فلم يصل بصاقه السقف وطلب من ليلى أن تبصق فلم تبلغ هي السقف أيضاً. فأمر خدمه أن يبحثوا في جميع أنحاء القصر علهم يجدون جري فبحثوا حتى عثروا عليه في الصندوق. وكان السقيفي وحاشيته في السابق استغربوا على ليلى حبها للبن وشغفها به حيث كانت تطلبه بكميات كبيرة وتدعي أنها تشربه كله، فلما وجدوا جري عندها عرفوا السر وقال السقيفي كلمته المشهورة "الاسم لليلى والغبوق لجري" وسارت بين الناس مسار المثل. فلما أمسكوا بجري وصمموا على قتله صعدت ليلى إلى أعلى شرفة بالقصر وهددتهم أنها سترمي بنفسها وتنتحر إن هم قتلوه. قال لها السقيفي: لابد من قتل هذا الرجل الجاني الذي يدخل بيوت الناس ويختلي بنسائهم. قالت ليلى: هذا ابن عمي تزوجته على سنة الله ورسوله أما الجاني فهو أنت الذي نهبتني قسرا وحرمتني من أحبتي وعشيرتي فليس لك أن تذبحه بل عليك أن تعتقه وتكرمه وتردني إليه. فسخر منها السقيفي وقتل جري أمام عينيها فرمت بنفسها وماتت في الحال. فقبروا الاثنين في قبرين متجاورين. ولم يمض وقت طويل حتى نبتت على قبر كل منهما شجرة وبدأت الشجرتان تنموان شيئاً فشيئاً ولما طالتا واستقلتا عن الأرض تعانق فرعاهما عناق الأحبة فكانتا عبرة لمن اعتبر.

 أعلي

 

شعراء سقطوا من ذاكرة الزمن

هنالك قصائد يبدو من لغتها وبحورها وصورها ومعانيها أنها قصائد قديمة ونعرف أسماء قائليها لكننا لا نملك أي معلومات عنهم ولا نستطيع تحديد الفترة التي عاشها كل منهم. فلا يرد في أشعارهم ذكر لأي شخص أو أي حدث تاريخي نعرفه ونعرف متى كان. ولولا روعة هذه القصائد ومتانة سبكها ومهارة نسجها لتناثرت وذرتها رياح الزمن. من هذه القصائد نص محير وجدته في مخطوطة الذكير منسوبا إلى شاعر يدعى ابن مقرب. ولولا أنني وجدت هذا النص في مخطوطة شعر نبطي لتوهمت لأول وهلة بأنه شعر فصيح. وحاولت البحث عن هذه القصيدة في ديوان الشاعر علي بن المقرب العيوني للتشابه في الاسم، لكنني لم أجدها. وهناك أيضا حمود بن مقرب الأسعدي من أهالي بقعا، ولا ندري من هو ابن مقرب صاحب القصيدة التي منها قوله:

    01) دع الدهر ياتي ما يشا من عجايْبِه // فما أنت من أقرانِهِ فتغالِبُه

    02) فَذَرْهُ إذا أبصرت منه تَقَلُّبا // وأبْصِر فإن الدهر جَمٌّ مصايبه

    03) وجامِلْه مهما كنت فيه مسالما // فليس لَهُ كُفْوٌ فكيف تحاربه

    04) فإن كنت ممن يحمل الصبر فاصطبر // فكم من عجولٍ عض غيا رواجبه

    05) فما الدهر ثبّاتٌ على كل حالة // وما هو بمامون على كل صاحبه

    06) فكن حذِرا من باسه وتقلّبه // فكم من غفولٍ قد دهته نوايبه

    07) وداهنَ من لا تستطيق خصومته // وذُلّ لمن لا تشتهي أن تعاتبه

    08) ولا تتّكل فيها على ذو قرابة // فكم من قريبٍ مال عن من يقاربه

    09) إذا عبس الأدنى عليك بوجهه // فيوشِك أن تسعى عليك عقاربه

    10) ولا تبتدي من لا ابتداك بشريره // تكن باغيٍ والبغي شُؤمٌ عواقبه

    11) وصاف الصديقَ وادنه وابعدَ العدا // وإن رام منك الطيب يوما فطايبه

    12) وضامر قلوب الناس تملك قلوبَهم // إذا شئت بالحسنى ومن طاب طايبه

    13) وليّن صلاب القوم بالكفّ والصخا // فربّة أن تأوي إليك مخالبه

    14) ولا تامن الدنيا فكم من متوّجٍ // غدى ملكه بالرغم ملكا لنايبه

    15) ألى إن أحداث الليالي كثيرة // وإن زمان السو مُزْوَرّ حاجبه

وهناك قصيدة ترد في مخطوطة هوبير الثالثة منسوبة إلى ابن شذر وعند الدخيل منسوبة إلى ابن رشش موجهة إلى شخص اسمه حماد وهذا ما وجدناه منها:

    01) صدود الفتى عن من قلاه خَيار // ولا عن مقادير الاله فَرار

    02) الاعمار يفنيها ولو طال حتنها // جديدين ليلٍ عايل ونهار

    03) الاقدار ما منها حليمٍ بجازع // لها دواهٍ بالعباد كبار

    04) شكيت لحمّادٍ مُنى هاشل الخلا // الى قل وبل المرزمات وغار

    05) راعي هواةٍ بالتلاقي فتوقه // وساعٍ نهار الكاينات جهار

    06) تريح بها الوندات من شد باسه // وتنقل منه المعتدين ذْعار

    07) كعام المعادي هيبة الدار ما شكا // جنابه في شبابه جار

    08) تسمّع ياحمّاد مني وصيه // تجيك مع الراوي تعد جهار

    09) وصيّة عودٍ زل حلوا شبابه // وقالب حيلات الرجال وصار

    10) خبيرٍ بها من كِثِر ما يعتني بها // مضى الدهر ما تلقى عليه بوار

    11) اوصّيك ياحمّاد لا عادك الردى // حَذار عن اوباش الرجال حَذار

    12) اوصيك بالتقوى وبالدين والهدى // لعل الهدى يوردك دار قرار

    13) اوصيك بالجار الذي كان بايت // لا بد ما يمسي لغيرك جار

    14) جازه بالمعروف حتى لعله // يراعي الى ما شد عنك ونار

    15) يذكر حسانيك الذي كنت فاعل // الى بات له من عقب دارك دار

    16) وصبرٍ على زلات الأصحاب طوله // تطول بها ما هي عليك عَيار

    17) فلا تبدي الوحنا لأدنى رفيقك // ولا منه ياذرب البنان تغار

    18) وابا الحاس لا يعجبك برّاق ريشه // تراه مكسور الجناح ثبار

    19) له منقرٍ غمقٍ لداني صديقه // عقورٍ ولا منه العدو بينار

ووجدت في المخطوطات قصيدة تنسب إلى مهنا بن ذباح الذي لا أعرفه ولا أعرف زمنه، ويرد في مصادر التاريخ أن آل ذباح من العناقر كانوا أمراء مرات. والبيتان الثالث والثلاثون والرابع والثلاثون من القصيدة غامضان لم أتبين معناهما. تقول القصيدة:

    01) أرى الخل عند الملزمات قليل // ولا كل من يبدي الرضى خليل

    02) ولا كل من رام المعالي ينولها // ولا كل من رِكْب النضا دليل

    03) ولا كل زولٍ يعجب العين شوفه // ولو كان هو ضخمٍ جماه جليل

    04) فليّاك تامن من صديقٍ دغايل // ولو دايمٍ تسدي عليه جميل

    05) فكم من جميلٍ صار مبدى عداوه // وكم من عدوٍّ يحتضيك عميل

    06) وكم واحد يضحك ويبدي لك الرضى // وله باطنٍ وخـمٍ جباه وبيل

    07) حسودٍ غيورٍ قِلّبِيٍّ سِمَلّج // لبيب الْحْكى طَلْق اللسان هبيل

    08) يوريك لين الحكي من عظم نصحه // وقلبه مقلوبٍ غشيش عليل

    09) قصيرٍ عن اسباب المراجل ذراعه // وباعه لنقل العلوم طويل

    10) جبانٍ ولكن له لسانٍ مهذّب // ذا منه مطعونٍ وذاك قتيل

    11) كريمٍ بْبَذْل الشر عجلٍ إلى الخنا // خبيث وعن اسداي الجميل بخيل

    12) سخيٍّ جوادٍ جاد بالكذب والردى // وعن الخير مفجوع الشباب كليل

    13) ان جاب من هذا جوابٍ وخلته // لقيت له هرجٍ بغير ضويل

    14) ليّاك تامن ذا لسدّك فما مضى // لك ياشقى عين الحريب دليل

    15) كما بارقٍ يعجبك من حين ما نشا // وهو قد أراق الما وصار جفيل

    16) اختر لسدّك في زمانك صميدع // كما اختار من رام المحال صميل

    17) رفيقٍ على عسر الليالي ويسرها // صموت ولدى النادي لغاه قليل

    18) عفيفٍ نطيف الجيب عن كل مدنق // رحب النبا سهل الجناب أصيل

    19) شيماوي نفسٍ ليس يرضى مذله // عزيزٍ وللداني القريب ذليل

    20) أخا همّةٍ عنه المعادين تتّقي // صخيٍ لمن يهوى اليه يميل

    21) صفوحٍ عن الزَّلاَّت للخل ما هفا // تلقاه يطلق للحجاج مقيل

    22) ولا عيشٍ إلا بْعِزّ لو بِتّ قاوي // ولو بالقسا دهرك عليك يميل

    23) ولا خير في نفس تدوّر معيشته // في ماقفٍ يدعى العزيز ذليل

    24) ولا تاخذ الدنيا على الدين مطمع // أجل عنك ذا كسبٍ جداه وبيل

    25) ترضى بْبيع المسك تعتاض دونه // رجيع المواشي بئس ذاك بديل

    26) ولا تستقيم بدار ذلٍّ على الجفا // ولو دوم واديها عليك يسيل

    27) ولا تشتغل بعيوب غيرك من الملا // ترى الغير به جرحٍ وانت قتيل

    28) صن النفس عن طرق المهاوي وغيّها // ولا انت على عيوب الأنام وكيل

    29) ومن جرّب الأشيا تراني مجرب // ولا شفت لي فيما ذكرت ذبيل

    30) كفى شرّها لى اقفت ولا لي مساعد // حْذى صاحبٍ حِرٍّ لديه مثيل

    31) لي قدر عامٍ مخفي درّ نظمها // عساني أجِد في ذا الزمان قبيل

    32) حارت ودارت ما لقت جال خيّر // تنصاه وتهدي إليه سبيل

    33) حْذى من بسبعينٍ وجوزٍ تمامه // وجوزين واسمٍ للإله جليل

    34) أبو عند بالفرقان لا يسجدون له // بها سم اسمٍ له لديه أحيل

    35) يجيك من مكنون نظمي خريده // لها منطقٍ حسن الكلام جميل

    36) خذها جزاك الله خيرٍ وحفّها // بالبشر فالباغي بذاك فضيل

    37) فلا جاك يبغي منك يالعشر مطمع // فاجعل لها حسن القبول نزيل

    38) وصلوا على خير البرايا محمد // عدد ما أضا برق وسال مسيل

    39) كذا الآل ما كرّرت من طاري طرى // أرى الخل عند الملزمات قليل

    40) أَبَو عند بالقرآن لا يسجدون له // تمت باسم للاله فضيل

ووجدت في مخطوطة هوبير الثالثة هذه القصيدة منسوبة لابن جمعان يخاطب فيها شخصاً سماه في البيت الخامس عشر جماز الجفيف:

    01) سلامٍ احلى من الجلاب ناضحه // واخن من فايح الريحان فايحه

    02) والذ واحلى من البان البكار // صارت على الرس سارحةٍ ورايحه

    03) والذ من شربةٍ في غول مهمه // من قلتةٍ كد سقاها وبل رايحه

    04) حاب على جالها من فوق جانبها // كهفٍ ظليلٍ ومن فوق الكهف لايحه

    05) تبرد لظى عطشانٍ كد ادركه // من واهج القيض حامي لفح بارحه

    06) عليك ياوارد القرنين من قبلي // يابو ثمانٍ كالاقحوان واضحه

    07) جزوى وثنوى حسانيك القدام لنا // ايام الايام لي بالوصل سامحه

    08) ايام ما فرّقت الايام جيرتنا // والبين مغيباتٍ سوارحه

    09) القلب في طربٍ والواش في تعبٍ // ايام صرف النيا ما صاح صايحه

    10) ياأيها المرتحل من فوق منجدلٍ // بعيد لرد المماسي عن مصابحه

    11) بكرٍ طويل الخطى مرماة مهمه // قيزانها في غزير اللال طافحه

    12) لكن زوله الى ادلولى براكبه // واستنّ بالبيدا وتتلاه روامحه

    13) دلوٍ فرى زهفةٍ من كف جاذبها // واستلّت الحبل يم الجم طايحه

    14) بلغ سلامي الى مشكاي مسندي // حيثه بيفهم بعنواني وناضحه

    15) زبن المشافيق جمّاز الجفيف // ومن نهار الوغى تشكى جوايحه

    16) قل ويش تعشق ياجمّاز في سجن // فالى وقفت الايام رايحه

    17) من غير لا بغضا ولا زهدا // الا بداع الفراق ورِجْل البين رامحه

    18) فاكن ما بي بصدري ويهيّضه // نوح الحمام الى ما ناح نايحه

    19) ما هيب لا شعوا ولا دنّا قصيره // الا ولا طمبة الاطراف كالحه

    20) الا من البيض معطارٍ خَدَلّجِة // عمهوجةٍ من غزير الزين مايحه

وتتفرد مخطوطة ابن يحيى بتسجيل قصيدة ينسبها الناسخ إلى شاعر يسميه ابن دلوه، وهي قصيدة حماسية جميلة في معاتبة الدار وأهل الدار الذين صدقوا فيه قول الوشاة المغرضين:

    01) يعيب الفتى سدي الامور الدقايق // والغدر باقلاد العهود الوثايق

    02) ونقل الوشايا بين الاجواد عيره // ودفن الحساني من كبار اللوايق

    03) وعلمٍ لفاه الكذب عيبٍ الى بدا // حديث الرجال بما يقولون صادق

    04) ومن يعطي السفّاه قصيا سدوده // فعيبه فضيحٍ بين كل الخلايق

    05) ومن يسحب اردان القميص الى سرى // جنح الدجى يتلي سكيك المفارق

    06) يِعِسّ جاراته الى نامت الملا // فيلبس ثوب النيل ضاف البنايق

    07) ومن باش بالوجه عند قبيله // وقلبه سقيمٍ من لجا الغيض ضايق

    08) وأعظم من ذا لابةٍ كنت انا لهم // أمينٍ على كتمان الاسرار حاذق

    09) ما اشقى بهم ما حم بالنبت شاربي // إلى حيث لاح الشيب بالوجه لاهق

    10) إلى صابهم خطبٍ من الضد بت انا // على نار حامي مرضفات الحرايق

    11) أطاعوا شياطينٍ غواةٍ تولّفوا // نفايا من انذال البرايا لفايق

    12) يقولون ما لا صار مني ولا طرى // علي ولو امسي بدارٍ مفارق

    13) محام عليهم لو بدا منهم الجفا // وأرى معاديهم بلحظ الروامق

    14) ثلاثين عامٍ كنت انا راعيٍ بها // وذا اليوم حبلي من حباله طلايق

    15) إلى عاد فيها قاصر الشبر طايل // وفيها كديش الخيل بالطرد سابق

    16) أجل عنك بعناها برخصٍ الى بقى // به الديك يمشي مشية التيه مايق

    17) وتلقى بها خِرْب الرعالي وموكب // وطير القطامي للقطا ما يسابق

    18) تشوف بها عوج المناقير تعتدي // على الحر تلقى مخلبه فيه عالق

    19) أجل عنك بعناها برخصٍ ولا لنا // شفاةٍ بها فالوجه غالي ونافق

    20) أهلها شغاميمٍ عصاةٍ على العدا // عفافٍ عن الجارات غِرّ المفارق

    21) فلا تحسبون اني شقيٍّ بربعها // ولا شاقني فيها من الناس شايق

    22) يكون مقدمهم فهولٍ مخيله // زمانٍ مضى عندي عزيزٍ ونافق

    23) الين بقى يصغي لواشٍ براسه // ويسمع لأقوال الوشاة النمارق

    24) فالابعاد عن دار الهوان معزّه // فلا نافقٍ عندي سوى العرض نافق

    25) وصلوا على خير البرايا محمد // عدد ما طلع نجمٍ وما ناض بارق

كما تنفرد مخطوطة ابن يحيى بتسجيل قصيدة لشاعر يقال له ابن ميمون، يقول:

    01) يقول ابن ميمونٍ مقالة من طوى // حباله عن لاما الخليل بْياس

    02) تمايل هذا اليوم بي محمل الهوى // وهو قبل هذا اليوم بي متواس

    03) نظرت باسواق القطيف وقد رمى // عليه من اوفاق القبايل ناس

    04) بعينٍ بغت بالناس شروى خليلها // ولا لحقت من فوق راسه راس

    05) وانا من امسٍ مستفيد علاقه // لها من حذانا ملعبٍ ولْباس

    06) لكن ذرى الاقحوان انيابها العلا // مفلّجْه وهي ربوّة ناس

    07) وما روضةٍ فيها عرادٍ وحِنْوه // وما روضةٍ فيها عراد وياس

    08) بأطيب من أثوابها بعد هجعه // الى ما امتلت عين الحسود نعاس

    09) فياركب حِيّيْتوا من اينٍ لفى بكم // علينا من اي الفيّتين بناس

    10) لعلكم البشرى لنا في ظعاين // قد ادرس علمهن عنّا وناس

    11) هن على فقداننا ناسياتنا // ولا نحن عن فقدانهن نِتْناس

    12) نبيع الرجا بالياس والياس بالرجا // وربّة رجا قد حال دونه ياس

    13) ونمر على ناس ونقرا التحيه // وعنوانها لو يعلمون لناس

    14) ونحب ناسٍ لاجل ناسٍ تحبنا // ونبغض ناسٍ في مودّة ناس

    15) ناسٍ نحييهم وناسٍ نودّهم // وناسٍ نحيّيها لمودّة ناس

    16) يلين لهم قلبي وتقسى قلوبهم // ولا يستوي قلبٍ يلين وقاس

    17) ياراعي الخلخال والطوق شاقني // جميل التباهي في يديه لْعاس

    18) بحقّي على ما بين عينيك أسقني // ببرد ثنايا حولهن لعاس

    19) هل أنت تسقي من ثناياك شربه // يهيّض على مكنون علمك ناس

    20) تلفي على زلٍّ وفرشٍ وبسط // وحكيٍ خفيٍّ ما درى به ناس

    21) عذبٍ ترى الأنياب جعدٍ قرونها // سقتني من ايام السفاه بكاس

    22) سقتني بكاسٍ من عْذابٍ رهايف // وخالط ريّان العروق يباس

    23) ترى ان قابلت عيني لعيني صاحبي // إلى قابَلَت عيني لعينه كاس

    24) كيسٍ بلا بغضٍ ولا زهد او جفا // بْغير حيا مني وقوّة باس

    25) يكيس على نهدين غِضٍّ نواعم // كما الصين في توصيفهن يْقاس

أعلي

 

<< الصفحة السابقة  |  الشـعر النبـطي  |  الصفحة الرئيسية  |  الصفحة التالية >>