Please enable JavaScript in your browser preferences and then Reload this page!!!

الصفحة الرئيسية | السيرة الذاتية مراجعات أعمال د. الصويان الأعمال المنشورة | الصحراء العربية: شعرها وثقافتها | أساطير ومرويات شفهية من الجزيرة العربية
 الثقافة التقليدية مقالات صحفية في الأدب الشفهي مقالات صحفية بالعربية محاضرات عامة معرض صور تسجيلات صوتية موسيقى تقليدية
ديواني
| كتب في الموروث الشعبي مخطوطات الشعر النبطي أعمال قيد النشر لقاء تلفزيوني مع محطة العربية مواقع ذات علاقة العنوان

Home | Curriculum Vita | Reviews | Publications | Arabian Desert Poetry | Legends & Oral Narratives  
Traditional Culture
|
Articles on Oral Literature | Articles in SaudiDebate | Public Lectures |  Photo Gallery | Sound Recordings
Traditional Music
| Anthology | Folklore Books | Manuscripts | Work in Progress | TV Interview | Relevent Links | Contact

حلوم ليل

سعد الصويان

حلمت حلما فضائيا بالألوان ليلة البارحة. رأيت فيما يرى النائم أنني أقلب بين يدَيّ رموت كنترول ألعب به وأنقل أصابعي بين أزرته من زر إلى زر لتغيير المحطة والانتقال من حلم إلى حلم آخر، إلى عالم آخر· أجمل ما في الأحلام أنها لا تتشابه، لكنها قد تتداخل· عالم الأحلام ينبهنا إلى أن عالمنا هذا كان يمكن أن يكون شيئا آخر مختلفا جدا. زمن الحلم ومنطق الحلم وقوانينه لا صلة لها بعالم الطبيعة الواعي، إنها الوجه الآخر لحقيقة أخرى· الحلم  يتحدى قوانين الطبيعة واللوغوس· يتيح لك أن تكون في الماضي والحاضر، هنا وهناك، حاضر غائب  موجود وغير موجود في نفس الآن واللحظة· ليس الحلم إلا وسيلة من الوسائل العديدة التي يستعين بها عقل الإنسان في محاولاته لتشفير الواقع وترميزه، مثلها في ذلك مثل الخرافة والأدب والنحت والتصوير والموسيقى والرقص، وكلها ضرورية لتحقيق الاتزان العقلي والتوازن العاطفي والتكيف السليم مع الطبيعية والناس·

المهم أنني أدرت الزر في أحد المرات ولم أشعر إلا وهذا أنا يامحدّثكم أطل من الشاشة مع رئيس المركز الدولي للاتصالات والبث الإعلامي العالمي وهو يسلمني مفاتيح المحطة التي كانت المقابلة تبث منها جزاءا وفاقا لي على قصيدة مدح عصماء قلتها فيه وكنت قد "خمشت" أداء المحطة في القصيدة· ناولني مفاتيح المحطة وقال: يالله، خلينا نشوف ركضك بالسروال· أسقط في يدي طبعا، لأن أحلامي، حتى وإن كانت أحلام، غالبا ما تنزلق نحو طريق الواقع والمعقول حينما يتحول الحلم نحو موضوع يخصني أنا، فبدلا مما حصلت عليه فعلا، محطة فضائية، لم أكن أتوقع أكثر من قطعة أرض في قلايع ودران والا تويوتا غمارتين· لكن الرجال هذا زنّدني مفتاح المحطة وقال: يالله لولش، ما انتاب تقول الاعلام ما يعرفون لشيّ، هيا، نسّف عن ذرعانك، ورّنا شغلك· يازينهم بالحلم، إلى ما اعجبك شي خلّوك أنت تصلّحه على هواك·

المشكل اني صحيت قبل ما أكمل الحلم واشوف وش انا سويت بالمحطه اللي ورطني فيها المدير الله يهديه· قلت لنفسي: ياولد، ولا يهمك! ان ما قدرت اكمل الحلم وانا منجضع كملته وانا قاعد، وان احتاج الأمر قمت واقفا، لكنني لن أتوقف عن الحلم· بما أنكم بدأتم الآن تدركون معي الموضوع فلا داعي للتفصيل الممل، فلن أطيل عليكم الشرح وأفصل لكم كيف سأرسم الخطة الإدارية والمالية للمحطة، فهذه تفاصيل لا تعني أحد، وأنا أصلا لا اعرف لها· المهم البرامج، هذا هو ما يراه المشاهد· ما نريده هو تسمير هذا المشاهد· أريد لمحطتي أن تكون بيت عنكبوت لا يمر من عندها مشاهد إلا واصطادته ببرامجها  الشيقة والمثيرة·

أول ما سأعمله سوف أتعاقد مع شركة عالمية لها خبرة عريقة في مجال التصوير السينمائي المتخصص بتوثيق المظاهر التضاريسية والطبوغرافية والمواقع الجغرافية وما يعيش عليها من كائنات عجيبة وما تحتضنه من مناظر خلابة: البحر بمياهه الزرقاء وأسماكه وشعبه المرجانية وشواطئه الرملية النظيفة· الحرات والجبال بتكويناتها وشموخها وشخانيبها وما فعل الزمان بها وذواري الهبايب، التكوينات الرملية والطعوس التي يشبهون بها الأكتاف والأرداف· الوديان والشعاب والثمايل والخباري والقحط والربيع ودورة الحياة العجيبة في هذه الصحراء الغامضة على مدار السنة وتغير الطقس· وجه الصحراء حين يبتسم وحين يكفهرّ، حين يجدب وحين يعشوشب، حينما يختبئ تمّوز في رحم أمه الأرض وحينما يتبدى ويظهر، دراما الحياة الصحراوية بذئابها وكلابها وظبائها وضباعها وسباعها ونعامها وثعالبها وأرانبها وعقاربها وسحاليها وحيّاتها وخنافسها وطيور القطا والحباري والصقور· كيف تهاجر؟ كيف تحصل على قوتها؟ كيف تتزاوج وتنجب وتغذي أولادها وتصارع من أجل البقاء في هذه البيئة الشحيحة والشمس المحرقة؟ أريد أن يمضي المصورون بعض الوقت في مواقع معينة مثل هضب الدواسر ليوثقوا جمال الأرض وقرى حائل ليسجلوا كرم الإسان· ويمكن الاستعانة في هذا الصدد بأجهزة قائمة ولها خبرات عريقة في هذه المجالات مثل  هيئة المساحة الجيولوجية السعودية ومثل الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها· وحينما يحين الوقت لتوثيق الأماكن السياحية فسوف نسأل به خبيرا: الهيئة العليا للسياحة· وسيكون استعراض الأماكن السياحية فرصة لسرد قصة الحضارة على هذه الأرض وما مر بها من أحداث وتوالت عليها من دول وممالك· وهناك بعض الأفراد ممن أخذوا على عاتقهم مهمة التقاط صور توثيقية لبعض المواقع الطبيعية والسياحية المميزة بصفة فردية ومحدودة، ولكنهم بالرغم من محدودية إمكاناتهم استطاعوا إنجاز الكثير، أذكر منهم المرحوم صالح العزاز ومنهم الأستاذ محمد بنّونه، وكلاهما التقطا آلاف الصور الفوتوغرافية الجيدة عن مختلف المواقع في بلادنا·

وسوف يكون العقد الآخر مع أحد شركات الإنتاج المتخصصة في أفلام التوثيق الإثنوغرافي· مهمة هؤلاء الإمساك ببعض ما تبقى من ممارسات الحياة التقليدية والحرف والصناعات وطرق الفلاحة والرعي وإساليب العيش في كل مناطق المملكة· كيف كانت الحياة هنا قبل تغلغل الآلة، وكيف كان الناس يعيشون: حضرهم وبدوهم، شريفهم ووضيعهم· ولا بد أن تحظى العمارة بقسط وافر من التصوير، بشرط أن يشمل هذا المفهوم بيوت الشعر وبيوت الطين والحجر على حد سواء· وهناك أشخاص لا يزالون موجودين أمد الله في أعمارهم ويمكن الاستفادة منهم مثل شيخنا سعد الجنيدل ومثل محمد القويعي ومثل عبدالرحمن السويداء، وغيرهم· كما يمكن الاستعانة بسوق الجنادرية وبغيره من المهرجانات المحلية التي تعرض فيها كل منطقة تراثها الخاص بها·

ونأتي للفنون من شعر وغناء ورقص والتي لدينا منها ثروة هائلة ومخزون لا ينضب وألوان متميزة لكنها متداخلة ومتشابكة في كل مناطق المملكة· إلا أن المهمة هنا تحتاج إلى احترافية عالية في الطرح والتناول وفي التقنيات والتسجيل والتصوير والمونتاج، كل ذلك لتخرج هذه الأعمال بالشكل اللائق· وإضافة إلى الجانب التقني الذي ينبغي له أن  يستكمل على خير وجه، فإنه لا بد من ترك المؤدين من شعراء ومغنين على سجيتهم وفطرتهم دون توجيه أو إيحاء لهم أو أي نوع من الرقابة لتخرج هذه الفنون على حقيقتها وفي شكلها الصحيح دون تمويه ولا تزييف· ويمكن الاستفادة في هذا المجال من أرشيفات الجنادرية ومن أرشيفات الرئاسة العامة لرعاية الشباب وجمعية الثقافة والفنون بفروعها المختلفة· ولا أنسى أن أشيد بدور الأستاذ عبدالله الجار الله وخبرته الواسعة في هذا الميدان· وفي هذا المجال، كما في المجالات الأخرى التي سبق ذكرها، لا بد من الاستعانة بخبرة خبراء محليين في الموضوع المطروح ليصفوا هذه الحرف والفنون ويقدموا رؤيتهم هم فيها، والحصول منهم على المصطلحات التقنية الدارجة في كل فن من الفنون، ومعاني هذه المصطلحات· ولكن إضافة إلى ذلك لا بد أيضا من الاستنارة بآراء النقاد من أصحاب الخبرة الأكاديمية والمتخصين في هذه الموضوعات· ولكي تؤدي هذه البرامج دورها في جذب المشاهد، لا بد من التنفيذ وفق أعلى المواصفات الدرامية والتقنية وأعلى مستويات الإنتاج التلفزيوني·

هكذا نقدم للمشاهد برامج ممتعة وشيقة وراقية، وهي في نفس الوقت ودون أن تبدو كذلك برامج في التربية الوطنية والتوعية وحب الوطن، بعيدا عن الخطابية ونغمة التبشير· لا بد للإنسان أن يعرف وطنه جيدا ويتآلف معه ليحبه ويتعلق بأرضه وسمائه ويحافظ عليه ويدافع عنه· يعرف وطنه وأرضه وثقافته وتاريخه هكذا بكرا عارية على الفطرة التي خلقها الله عليها، بدون تخريجات أيديولوجية أو رتوش سياسية·

 
 







  

<<Previous   |  All Articles  |  Next>>