Please enable JavaScript in your browser preferences and then Reload this page!!!

الصفحة الرئيسية | السيرة الذاتية مراجعات أعمال د. الصويان الأعمال المنشورة | الصحراء العربية: شعرها وثقافتها | أساطير ومرويات شفهية من الجزيرة العربية
 الثقافة التقليدية مقالات صحفية في الأدب الشفهي مقالات صحفية بالعربية محاضرات عامة معرض صور تسجيلات صوتية موسيقى تقليدية
ديواني
| كتب في الموروث الشعبي مخطوطات الشعر النبطي أعمال قيد النشر لقاء تلفزيوني مع محطة العربية مواقع ذات علاقة العنوان

Home | Curriculum Vita | Reviews | Publications | Arabian Desert Poetry | Legends & Oral Narratives  
Traditional Culture
|
Articles on Oral Literature | Articles in SaudiDebate | Public Lectures |  Photo Gallery | Sound Recordings
Traditional Music
| Anthology | Folklore Books | Manuscripts | Work in Progress | TV Interview | Relevent Links | Contact

الجهاد ضد من؟!

سعد الصويان

الخليجيون متعلقون أشد التعلق بشيئين في هذه الدنيا الفانية: البطيخ والأشرطة الدينية..كأن الطرق الرئيسية والمخارج والكباري في مدننا ما نفذت أصلا إلا لتتوقف فيها سيارات البطيخ (وأن إشارات الضوء ما رُكزت إلا ليتسول عندها المتسولون). وبالمقابل فأنت لو ذهبت إلى أرقى مجمع تجاري نزولا إلى أكثرها شعبية فإنك ستجد على المدخل الرئيسي أو في مكان بارز محلا لبيع الأشرطة الدينية. وحيث أنه من الصعب عندنا الوقوف في وجه أي شيء يتسمى باسم الدين، بصرف النظر عن المضامين والأهداف، فإن الدين يصبح أداة طيعة ومطية سهلة لنشر قناعات وطموحات تتصادم مع المصلحة العامة ومع المفهوم السليم للدين. ويبدو أن لا شيء يفوق دكاكين بيع الأشرطة الدينية في الكمية وكثافة التواجد، اللهم إلا البقالات. تصور مقدار الحجم التجاري لهذه الصناعة من جهة ومدى التأثير الإعلامي والتعبوي لها من جهة أخرى!

هناك كم وافر من الأشرطة ذات الطابع التعبوي تباع في هذه الدكاكين والمحلات. حينما تتمعن فيما تبثه هذه التسجيلات تدرك أنه خطاب يدخل ضمن منظومة فكرية تعمل على تهيئة الشباب لتقبل أفكارها والإذعان لها وتبني برنامجها الجهادي. أكثر ما تسمعه في هذه الأشرطة حث على الجهاد بمفهومه المتمثل في حمل السلاح دون تحديد ساعة الصفر أو ساحة الجهاد. كذا، جهاد بالمطلق. إنها حملة تجييش وتعبئة يصبح فيها الجهاد حالة ذهنية state of mind وأسلوب حياة mode of living. إنهم يريدونك أن تركل هذه الدنيا الدنيئة بقدمك وتنبذها وتزهد بكل ما فيها وتكرس حياتك تستعد لملاقاة الموت والبحث عن ساحة جهاد تنال فيها الشهادة.

في هذا الخطاب تتحول القضية الأساسية، التي هي الدعوة إلى الله ونشر كلمة التوحيد وبسط الأمن ونشر السلام وإقامة العدل والحكم بين الناس بالقسطاس المستقيم إلى قضية هامشية أمام قضية المتع الأخروية التي يحصل عليها "الشهيد"، وهي متع تفوق وتعلو لذتها على متع الدنيا التي ينبغي الإعراض عنها. الشهيد "المودرن" حوّل الجهاد في سبيل الله إلى جهاد في سبيل البحث عن اللذة القصوى والانتشاء، حالة النيرفانا. الشريط الجهادي يصف لك الطريق الذي ينبغي أن تسلكه لنيل الشهادة التي بها تستحق مجاضعة الحور العين. وهكذا في نهاية المطاف يختزل هدف الشهادة السامي في هدف شهواني ويتحول مفهومها الإنساني إلى مجرد بحث أناني عن المتعة الجنسية بصرف النظر عما تحققه الشهادة على مستوى الصالح العام أو على مستوى إعلاء كلمة الله.

وفي دعوتهم لنبذ الدنيا استعدادا للآخرة وفي وصفهم للجزاء الذي يحصل عليه الشهيد يحاولون برمجة الذهن لتقبل فكرة الانتحار وتفجير النفس في سبيل المبدأ أو القضية، فمن ينتظره هذا الجزاء لن يبخل بنفسه على الموت، بل إنه سوف يطلب الموت ولن يخاف منه. لذلك كان التركيز دوما على ملذات الآخرة التي ستعوض الإنسان ملذات الدنيا. وألذ شيء في هذه الدنيا لشخص مراهق، خصوصا في مجتمع محافظ مثل مجتمعنا، هو الجنس. ولا ننس أن خطاب الأشرطة الدينية موجه أساسا للمراهقين من الشباب الذين هم في أوج نشاطهم الجنسي. لذا كان المدخل إلى هؤلاء الشباب عن طريق الحور العين، مثلما كان المدخل على الشباب في أيامنا عن طريق صور الممثلات والمطربات التي كنا نجدها في حلاو العكوس. ألى يجوز لنا أن نضيف عامل الكبت الجنسي الذي تعيشه المجتمعات المحافظة كأحد العوامل التي تفرز هذه الانحرافات! أقول قولي هذا لأن الجنس يأخذ حيزا كبيرا في جنة هؤلاء الجهاديين.

ما الفرق بين هذا الشاب الذي يطلب الشهادة حصرا للفوز بمجاضعة الحور العين وبين شاب آخر يقرر قضاء إجازة العيد في عواصم من العالم أعرفها وأستحي أن أذكرها؟ كلاهما يبحث عن المتعة.

هذه الأشرطة بعثت من جديد أسلوب القصاصين في الوعظ. كان القصاصون لا يتورعون عن اختراع القصص وتلفيق الأحاديث واللجوء إلى المبالغات والتمثيل واصطناع البكاء والخشوع لإحداث التأثير المطلوب على جمهورهم، وكان السلاطين يرعون أولئك القصاص في أزمنة الحروب لقدرتهم على تجييش الرأي العام وتوجيهه نحو ساحة القتال. لكن السلطات كانت حريصة على إسكاتهم في أوقات السلم. وفي الأشرطة الدينية أضافوا إلى تطبيق هذا الإرث الماضوي في القص والوعظ تقنيات وأساليب حديثة وبمستوى عال من الإتقان واستغلوا إلى أبعد حد كل الإمكانيات الفنية والتأثيرات الصوتية لإيصال الرسالة وإحداث الأثر المطلوب.

لكنك لا تسمعهم في الأشرطة الدينية يتحدثون عن أمور الدنيا التي تهم الناس كثيرا. برنامج الإصلاح الوحيد المطروح، هو برنامج أخروي، وهم يتحدثون وكأن مفاتيح الجنة في أيديهم وليست بيد رب غفور رحيم. ولديهم وصفة سحرية بها تستطيع أن تنضم إلى برنامجهم الأخروي، فجّر نفسك. هذا يتطلب أن تبقى ساحة الجهاد مفتوحة إلى الأبد لإتاحة الفرصة أمام الشباب الإسلاموي للفوز بالشهادة في كل حين. أما أن يعم السلام فتلك كارثة، هذا يحرم الأجيال القادمة من شباب المسلمين فرصة الحصول على الشهادة، وأهم من ذلك على الحور العين.

ولو تمعنت فيما تبثه هذه الأشرطة الدينية لوجدت أن الأسطوري فيه يطغى على الديني. لقد أحالوا الدنيا إلى عالم دنيء أسطوري في حقارته والآخرة إلى عالم طوباوي أسطوري في بهائه. إنها استراتيجية معروفة في سيكولوجيا التعبئة. قسّم العالم إلى قسمين: قسم الرحمن الذي أنت فيه وقسم الشيطان الذي تقف ضده. الخطوة الأخرى التكثيف من قيمة الأسطورة ومحاولة العودة إلى عالم التفكير الخرافي الذي تتعطل فيه ملكات التفكير العقلاني ويصبح الذهن أكثر تقبلا للإيحاءات واللامعقول.

لربما تكون المشكلة أعمق مما نتصور. ليس الكبت الجنسي ولا الفقر هي الأسباب البعيدة والحقيقية للإرهاب. لربما إن المشكلة ملابسة للثقافة العربية طالما تشبثت بمرحلة التفكير الأسطوري وطالما أنها لا تمتلك القدرة ولا حتى الجرأة بعد على القفز من هذه المرحلة الأسطورية من التفكير الذي يسهل التحكم فيه واستعباده إلى مرحلة التفكير العلمي الواقعي الذي يفسح المجال أمام العقل لممارسة مهامه بحرية واستقلالية وفاعلية ويعمل على فرز الأسطوري من التاريخي والخيالي من الواقعي، عندها تستقيم طرق التفكير والتعبير.

هذا إن أردنا أن نفسر ظاهرة الجهاد "المودرن" تفسيرا نفسانيا، ولكن مع الاحتفاظ بمكان بارز للتفسير الأنثروبولوجي. فلربما أن ظاهرة الجهاديين النشطين الذين يسعون في طلب الشهادة طمعا بمجاضعة الآلاف من الحور العين ما هو إلا مجرد أعراض ظاهرة لداء شامل مستشر في نسغ الثقافة ومنتشر في عروق المجتمع، أقصد تلك الفوبيا الجنسية التي تعاني منها الثقافة العربية. قبل أن يحل العرب مشاكلهم مع حكوماتهم أو أن تحل حكوماتهم مشاكلها مع الإرهاب عليهم أن يحلوا مشاكلهم مع الجنس (الآخر).

 







  

<<Previous   |  All Articles  |  Next>>