Please enable JavaScript in your browser preferences and then Reload this page!!!

الصفحة الرئيسية | السيرة الذاتية مراجعات أعمال د. الصويان الأعمال المنشورة | الصحراء العربية: شعرها وثقافتها | أساطير ومرويات شفهية من الجزيرة العربية
 الثقافة التقليدية مقالات صحفية في الأدب الشفهي مقالات صحفية بالعربية محاضرات عامة معرض صور تسجيلات صوتية موسيقى تقليدية
ديواني
| كتب في الموروث الشعبي مخطوطات الشعر النبطي أعمال قيد النشر لقاء تلفزيوني مع محطة العربية مواقع ذات علاقة العنوان

Home | Curriculum Vita | Reviews | Publications | Arabian Desert Poetry | Legends & Oral Narratives  
Traditional Culture
|
Articles on Oral Literature | Articles in SaudiDebate | Public Lectures |  Photo Gallery | Sound Recordings
Traditional Music
| Anthology | Folklore Books | Manuscripts | Work in Progress | TV Interview | Relevent Links | Contact

سيفين ونخلة

سعد الصويان

يمكنك أن تقول: هات البيز، رِد البيز، واثر البيز نتفة خرقه.

لكن لا يمكنك أن تقول: هات البيرق، رِد البيرق، واثر البيرق نتفة خرقه.

البيرق ليس مجرد نتفة خرقه يمكن الاستعاضة عنها واستبدالها بقطعة أخرى من القماش. إنه عَلَم البلاد والرمز الذي تنضوي تحته كل الرموز الأخرى التي لا نتردد في تغييرها وتغيير مسمياتها، إلا العَلَم. هنا علامة قف. ومع ذلك ومهما أضفينا عليه من تجلة واحترام فإن العلم في نهاية الأمر ليس رب أرباب، يبقى مجرد رمز نختزل فيه قناعاتنا وهو يقوم بدوره ويعكسها للعالم الخارجي. والرمز المتجمد الذي يفتقد القدرة على مواكبة مستجدات الحياة وعلى تصوير حقيقة الوضع المُعاش يتحول الامتثال له إلى عبء ثقيل ومعوق من معوقات الحركة والتطور.

ما الذي يمنع من الحديث عن تغيير العلم إذا كان اسم البلاد ذاته ولقب الملك عبدالعزيز نفسه مر بعدة تحولات تطلبتها ضرورات كل مرحلة من مراحل التوحيد السياسي. علَمُنايختزل مرحلة التأسيس ويشفرها لنا بشفرة السيف المقرونة بكلمة التوحيد. كان ذلك رمزا مناسبا لتلك الفترة، فترة التوحيد التي كان استعمال القوة فيها مشروعا. إلا أن استمرار التشبث برمز يحيل إلى مرحلة سابقة مضت وانقضت فيه انتقاص للوثبات المتوالية على صعيد الإنجازات الحضارية والتي تحققت بفضل تهيُّؤ المناخ السياسي. نعم، كانت مرحلة التأسيس مرحلة صعبة ولا أتصور أن الملك عبدالعزيز خلالها كان ليحقق ما حققه لولا أنه كلما ادلهم الخطب امتشق حسامه "الاملح"، مثلما امتشق من قبله جده تركي حسامه "الاجرب"، وهزه بيده وهو يتهدد ويتوعد، أو كما يصفونه "يبرق ويرعد". وإلا كيف كان له أن يطوع ذئاب الصحراء وأفاعي المدن؟!  فالسيف ما كان منه بد أنذاك:

نشا من العارض خيالٍ وانحدر // عْياز مزنه كالخشوم الطايله

سيله عجاج الخيل والدم الحمر // ورعوده البارود في سلايله

وان قيل ابو تركي من الديره ظهر // كلٍّ بلا داعي رِكِب رحايله

السيف يرمز لإقامة العدل وتحقيق الأمن. والكثير من المدن والقرى وطبقة التجار كانت تتعطش إلى زعيم قوي سيفه مسلول وذراعه طويلة تصد الأعداء من الخارج وتجتث اللصوص والمجرمين في الداخل وتفرض الأمن في طول البلاد وعرضها ويحكم بما أنزل الله، وقد قدموا البيعة للملك عبدالعزيز اقتناعا منهم بأنه الحاكم االذي لديه الشرعية والكفاءة لتحقيق حلمهم في الأمن والعدالة من خلال فرض تعاليم الشريعة وتطبيقها بحد السيف. وقد لخص الشاعر أجواء تلك المرحلة في قوله:

أطلب لاخو منور بالامهال مدّه // بْلِذّ الامان وهم الاسلام شايله

يانعمة الاسلام ياغش ضدهم // ناسٍ يذللها وناسٍ يحايله

ومشايخٍ تقضي وسيفٍ معلّق // وحكمٍ عسانا ما ندوّر بدايله

حلو اخذهم حق الضعيف من القوي // يا مِنّ خطو العَيّ تاهت دلايله

هكذا تتشكل الأمم وتترسّخ العدالة، بالقوة. والمنظرون السياسيون، ابتداء من توماس هوبز، يقرّون بهذا المبدأ، ولكنهم يقولون إنه يمثل مرحلة أولى تتوالى بعدها مراحل أخرى صعودا نحو تحقيق العدالة الشاملة والمساواة وتحقيق الأمن والرخاء للجميع. تلكم كانت مرحلة التأسيس والبطولات والملاحم، وهي مرحلة انتهت على أفضل ما يرام، ونحن الآن نخوض معركة البناء، وهذه معركة سلمية لا ينفع فيها السيف بقدر ما ينفع القلم. اقتران السيف بكلمة التوحيد في هذا المعنى الرمزي المكثف أدى إلى التباس المفاهيم، بحيث التبس التوحيد الديني بالتوحيد السياسي من جهة ومن جهة أخرى ارتبط التوحيد الديني والسياسي بالسيف، وهذا ما يحفر في الأذهان فكرة الجهاد الذي لا ينقطع ما دام في الأرض بقعة لم تطؤها أقدام المسلمين. كانت تلك عقيدة الجهاد التي آمن بها الإخوان بمفهومها الذي لم يعد يتقبله العصر مما اضطر الملك عبدالعزيز إلى إيقافهم عند حدهم. إننا من خلال هذه الرمزية نصور أنفسنا تماما كما تخيلتنا فانتازيا مسيحية القرون الوسطى حينما كانت رسومهم وأدابهم تصور المسلمين على أنهم قطعان من البدو انطلقوا من صحرائهم ليكرهوا العالم بحد السيف على اعتناق الإسلام والنطق بالشهادتين، وهذا ما يقال أيضا عن الطريقة التي تم بها توحيد المملكة العربية السعودية، وكأن الملك عبدالعزيز لم يلجأ أبدا إلى الطرق الدبلوماسية لتحقيق أهدافه أو كأن لم يكن هناك أناس قاموا معه عن قناعة وبايعوه طواعية كخيار أفضل في الحكم من الخيارات الأخرى المتاحة لهم.

ما أنا بصدده هو التساؤل عن مدى الفائدة من التمسك برموز مرحلة تجاوزناها؟ لماذا لا تخلق كل مرحلة من مراحل الإنجاز رموزها الخاصة بها والمعبرة عن روحها؟

من لحظة التأسيس تنطلق الدولة لتصعد من مرحلة إلى أخرى من مراحل النمو والتطور، وهذا مما يضمن استقرارها واستمرارها. وكلما ترسخت دعائم الدولة كلما ابتعدت عن استعراض قوتها أمام شعبها وصارت تجنح أكثر نحو التعامل المتحضر معهم وإعطاء الإنسان ما يستحقه من كرامة. فلم يعد في عالمنا المعاصر مكان للدول التي تستمد شرعيتها من السيف، ولم تعد القوة الغاشمة مجردة من معاني الخير مصدرا شرعيا ولا مقبولا للحكم ولا لإقامة العدل. شرعية الإكراه شرعية رجراجة. المكره دائما يطمح إلى صنع مستقبل خالٍ من الإكراه. الشرعية الحقيقية التي تؤمن الاستقرار والاستمرار هي الشرعية النابعة من التوافق الذي يتم التوصل إليه بالحوار السلمي بين السلطة والناس وبين الناس أنفسهم وبعضهم البعض، وفتح المجال أمام الجميع للمشاركة في الرأي والاشتراك في المصالح. هذا هو فضل الدولة الأسمى وتفوقها النوعي على التجمعات الأصغر مثل القرية والقبيلة. وقد لخص أرسطو أهداف الدولة في قوله إنها تضمن لمواطنيها رغد العيش وتحمي حياتهم في ظل النظام والقانون وتتعهدهم بالتعليم والتربية والتنشئة الصحيحة وتهيء لهم الأسباب المادية والمعنوية للحياة السعيدة الفاضلة، وتفتح المجال وتتيح الفرص أمام المواطنين لمزاولة الفضائل في علاقاتهم الاجتماعية المتشعبة. علاوة على أن هذه العلاقات تقود إلى تلاقح العقول وتبادل الخبرات وتنوع التجارب وما تتيحه من تعدد الوظائف والمهن ومجالات الاختيار الواسعة في كل شيء. كل ذلك ينشّط العقل ويشحذ الذهن وينمي المهارات ويساعد الإنسان على تحقيق ذاته وإنسانيته ومزاولة مواهبه وممارسة قدراته. الدولة مجتمع سياسي غايته تحقيق المقاصد النبيلة والغايات الشريفة. إنها ليست حقيقة مصطنعة جاءت وليدة العرف كما يقول السفسطائيون، ولكنها حاجة أساسية وكيان طبيعي يتفق مع طبيعة الإنسان التي لا تكتمل إلا بها، وهي الكيان الاجتماعي الوحيد القادر على تلبية كافة الاحتياجات الإنسانية.

ليس لدي اقتراحات محددة لعلم المستقبل من حيث التصميم والتفاصيل الدقيقة والألوان، وحتى نوعية القماش الذي ينسج منه والشعارات التي تنسخ على القماش. لكنني آمل أن يعكس العلم ما تحقق للمواطن من مكاسب وأن يكون رمزا للوطن والمواطن والدولة مجتمعين متحدين منسجمين، وأن يعكس للعالم الخارجي أننا بلد آمن جميل موحد يحب السلام ويسهم في بناء الحضارة الإنسانية. نريد رمزا يحبب العالم فينا ولا ينفره منا، هذا العالم الذي سلط مجهره علينا وبات يبحلق فينا طويلا ويحاول فك كل ما يصدر عنا من رموز وشفرات. ولو تفحصنا الرموز الوطنية في المجتمعات المتحضرة لوجدناها كلها ترمز عادة للخير والنماء والسلم والاستقرار، وإلى قيمة الإنسان في ذاته. ولو أرادت رمزا للقوة لما اتخذته مما استحدثه البشر من أدوات الفتك والبطش وإنما ما حبته الطبيعة من قوة لكائنات فطرية مثل الدب والفهد والصقر وشجر الصنوبر، وربما اشتقت رمزية العلم من طبيعة البلاد الجغرافية وما تتميز به من ثروات طبيعية تشكل مصادر خير يستفيد منها كل الناس، أو ما تتميز به من طوبوغرافيا وتضاريس على شاكلة "لبنان ياإطعة سما" أو على شاكلة الأغنية الوطنية الجميلة جدا والمعبرة جدا "يستاهلك". ومن هنا فأنا لا أعترض على وجود النخلة لكنني أتحفظ على السيفين.

 







  

<<Previous   |  All Articles  |  Next>>