Please enable JavaScript in your browser preferences and then Reload this page!!!

الصفحة الرئيسية | السيرة الذاتية مراجعات أعمال د. الصويان الأعمال المنشورة | الصحراء العربية: شعرها وثقافتها | أساطير ومرويات شفهية من الجزيرة العربية
 الثقافة التقليدية مقالات صحفية في الأدب الشفهي مقالات صحفية بالعربية محاضرات عامة معرض صور تسجيلات صوتية موسيقى تقليدية
ديواني
| كتب في الموروث الشعبي مخطوطات الشعر النبطي أعمال قيد النشر لقاء تلفزيوني مع محطة العربية مواقع ذات علاقة العنوان

Home | Curriculum Vita | Reviews | Publications | Arabian Desert Poetry | Legends & Oral Narratives  
Traditional Culture
|
Articles on Oral Literature | Articles in SaudiDebate | Public Lectures |  Photo Gallery | Sound Recordings
Traditional Music
| Anthology | Folklore Books | Manuscripts | Work in Progress | TV Interview | Relevent Links | Contact

العلم شيء غير التكنولوجيا

سعد الصويان

يخلط البعض بين الجانب البحثي الاستكشافي من المعرفة الإنسانية، أي العلم، وبين الجانب الفني التقني التطبيقي، أي التكنولوجيا. هناك فروق دقيقة وحساسة بين العلم والتكنولوجيا. البحث في نواميس الطبيعة وأسرار الكون مسألة معرفية صرفة، أو قل فلسفة بحتة. أما فيما يتعلق بكيفية تطبيق النتائج التي يتوصل إليها البحث وطرق توظيفها فتلك قضايا فنية تقنية تأتي في المقام الثاني ولنا الخيار في قبولها أو رفضها وتكييفها وفق المصالح والأهداف المرسومة وحسب الإمكانات المادية المتاحة والظروف البشرية السائدة. وهذه مسألة لا دخل للعالم المتخصص فيها، بل هي تخضع لاعتبارات نفعية واستراتيجية تمليها الرغبة والمصلحة. الحقائق والمكتشفات العلمية بطبيعتها محايدة متجردة لا تضر ولا تنفع إلا بحسب ما يوظفها الإنسان. فالعقار الذي يستخدمه الطبيب لمعالجة مرضاه يمكن للبائس أن يستخدمه للانتحار. والعالم الذي اكتشف الذرة لم يكن يحلم أنها سوف تستخدم لتحقيق المطامع الاستعمارية، وربما تدمير البشرية. الحقائق التي يكتشفها العلم هي أشياء موجودة أصلا وليس العلم بها واستشعارها هو الذي يوجدها. العلم فقط ينبه إلى وجودها ويحاول تفسيرها واكتشاف القوانين التي تسيرها وتعطيها شكلها ومادتها.

أردت من هذا التأسيس أن ألج إلى قضية متفرعة عنه. الذين لا يفرقون بين العلم والتكنولوجيا أيضا لا يفرقون بين الذات والموضوع، أي ذات الدارس وموضوع الدراسة. وهذا يؤدي بهم إلى الخلط بين الدعوة إلى الشيء وتبنيه وبين الدعوة إلى دراسته بموضوعية وتجرد. قد يصعب على البعض أن يتخيل أنه من الممكن للعالم المتجرد أن يبحث ويعمق البحث في مسألة من المسائل دون أن يكون له حيالها أي موقف أو أن يترتب له منها أي مصلحة. العلم مسائل تبحث عن حلول وليس مواقف وقضايا تبحث عن دعاة وأنصار. العالم ليس واعظا ولا داعية وليس إنسانا أيديولوجيا يؤمن إيمانا عقائديا وأخلاقيا بما يقول ويدعو إليه. سمة التجرد التي لا بد من توفرها في العالم تعني عدم وجود أي ارتباط شعوري أو مصلحي بين الدارس والموضوع. الدافع العلمي الصحيح وراء دراسة أي موضوع هو أساسا حب المعرفة وغريزة حب الاستطلاع، وليس بالضرورة حب الموضوع نفسه والتشيع له. الدارس والموضوع مستقلان تماما أحدهما عن الآخر. هل علماء الجريمة ولانحراف يدعون إلى هذه الرذائل؟ وهل دراسة ظاهرة المخدرات تشجع الدارس على الإدمان؟ هل يصبح الممثل الذي يقوم بدور الشرير شريرا؟

المبدأ الذي تقوم عليه فلسفة العلم هو أن المفكر الحر يهمه معرفة الحقيقة بكل موضوعية وتجرد ويرى أن كل شيء في الوجود قابل للبحث والتنقيب. ولا ينكشف له ناموس من نواميس الطبيعة أو  سر من أسرار هذا الكون إلا ويسعى لكشف سر آخر، لأن حب الاستطلاع غريزة جبل عليها الإنسان ليعمر بها الأرض وتتجلى له من خلالها قدرة البارئ عز وجل. ويلجأ العالم إلى توظيف أدوات المنهج العلمي ليحترز بذلك من الاتطباعات الحسية والمشاعر الشخصية والنزعات الذاتية ومن ترسبات القيم والتقاليد والأيديولوجيات التي قد تحجب النور عن بصيرته وتحول دونه ودون التوصل إلى الحقيقة المطلقة. أما من يرفض التعامل مع حقائق الطبيعة والحقائق التي يفرضها واقع الحياة فإنه يسقط اسمه من قائمة العلماء الحقيقيين والمفكرين الخليقين بالاحترام ويصبح بذلك أقرب إلى الديماغوجيين والطوباويين منه إلى المفكرين والعلماء. لا أعتقد أنه يمكننا أن نطلق صفة عالم أو مفكر على من يرفض التعاطي العلمي مع أي شيء كان، لأن المفكر الحقيقي لا بد أن يتحلى بسعة الأفق وحب الاستطلاع والرغبة الصادقة في المعرفة أيا كان مصدرها ومحاولة فهم الأمور بموضوعية وتجرد دونما أحكام مسبقة ومسلمات تتنافى مع الروح العلمية.

وبقدر ما ينطبق هذا الكلام على العلوم الطبيعية فإنه ينطبق أيضا على العلوم الإنسانية والاجتماعية. سلوك الإنسان وجميع أنساقه الثقافية والاجتماعية تحكمها قوانين يمكن اكتشافها عن طريق البحث العلمي. فالسلوك الإنساني مهما بدا لنا عفويا وتلقائيا فإنه محكوم بقوانين بالغة الصرامة والتعقيد. لا يوجد فوضى في هذا الكون المنتظم، حتى نجوم السماء ليست مبعثرة بغير نظام كما يتراءى للعين المجردة. المعضلة تكمن دائما في كيفية استكشاف النظام الداخلي للظاهرة المدروسة والقواعد التي تسيرها. عدم الوعي بالقوانين التي تسير سلوك الإنسان وتحكم الظواهر الاجتماعية والثقافية لا يعني عدم وجودها. وتقع على العالم المتخصص مهمة اكتشاف هذه القوانين ووصفها وصفا يمكّن من فهمها دون اتخاذ موقف مسبق حيالها، لأن الهدف الأول والأساسي هو فهم الحوافز والدوافع التي تسير سلوك البشر حتى نستطيع بالتالي أن نسبر غور لعقل البشري ونتغلغل إلى أعماق الطبيعة الإنسانية.

علينا أن نفكر بوضوح وأن نحترس من الخلط بين الاتجاهات الأيديولوجية والأحكام التقريرية من جهة وبين التقويم الموضوعي للأمور من جهة أخرى. حماية الدين والوطن لا تتحقق بالانغلاق الفكري ورفض العلوم العصرية. قوة العرب والمسلمين مرهونة بقدرتهم على استيعاب معطيات العصر ومواجهة تحدياته بروح علمية وفكر نيّر منفتح وتسخير جميع العلوم الحديثة لخدمة قضايانا وأهدافنا التنموية.

 







  

<<Previous   |  All Articles  |  Next>>