Please enable JavaScript in your browser preferences and then Reload this page!!!

الصفحة الرئيسية | السيرة الذاتية مراجعات أعمال د. الصويان الأعمال المنشورة | الصحراء العربية: شعرها وثقافتها | أساطير ومرويات شفهية من الجزيرة العربية
 الثقافة التقليدية مقالات صحفية في الأدب الشفهي مقالات صحفية بالعربية محاضرات عامة معرض صور تسجيلات صوتية موسيقى تقليدية
ديواني
| كتب في الموروث الشعبي مخطوطات الشعر النبطي أعمال قيد النشر لقاء تلفزيوني مع محطة العربية مواقع ذات علاقة العنوان

Home | Curriculum Vita | Reviews | Publications | Arabian Desert Poetry | Legends & Oral Narratives  
Traditional Culture
|
Articles on Oral Literature | Articles in SaudiDebate | Public Lectures |  Photo Gallery | Sound Recordings
Traditional Music
| Anthology | Folklore Books | Manuscripts | Work in Progress | TV Interview | Relevent Links | Contact

من عاقلكم يالمرّه

سعد الصويان

هذا مثل شعبي عندنا ينطوي على شيء من السخرية ومفاده أن أناسا سألوا جماعة من قبيلة المرة: من العاقل فيكم ياقوم؟ فأشاروا إلى شخص مقيّد وقالوا هذا هو أعقلنا. وبطبيعة الحال إذا كان أعقل القوم لا يؤتمن في تصرفاته ويقيّدونه برباط ليتقوا مغبة سلوكه، فما بالك بغيره من الناس! تذكرت هذا المثل وأنا أستمع إلى السيد الرئيس بشار الأسد يلقي خطابه الأخير. لم أصدق ما سمعته أذناي من كلام لا يمكن أن يصدر من رجل عادي، فما بالك برئيس دولة. كان أسلوبه في غاية الفضاضة، بصرف النظر عن مضمونه ومحتواه. هل يعقل أن رئيس دولة بحجم سوريا وتاريخها وحضارتها يسقط هذه السقطة الشنيعة؟ في ذلك اليوم بكت دمشق على معاوية، ذلك السياسي المحنك والدبلوماسي العريق، وشعرته التي كان يشدها إذا ارتخت ويرخيها إذا اشتدت. أما هذا الصبي بشّار فقد أحرق كل الشعور والجسور والمراكب، خطابه فعلا كان خطاب صبيان وأولاد أزقة وحارات. هل سمعتموه وهو ينعت ملوك العرب ورؤساءهم بأنهم أنصاف رجال؟ وهل كان الموقف موقف استعراض فحولة ورجولة!

لقد انبعثت من ذلك الخطاب المشؤوم روائح كريهة اختلطت بروائح البارود الإسرائيلي وجثث القتلى المتعفنة تحت الأنقاض فأزكمت الأنوف ولوثت الأجواء السياسية، وكأن الأسد حسد اللبنانيين على ما حققوه من نصر عجز هو عن تحقيقه في هضبة الجولان. لقد وزع اتهاماته في خطابه على قوى 14 آذار الذين وصفهم بأنهم منتج إسرائيلي، وشمل باتهاماته كتلة المستقبل النيابية برئاسة النائب سعد الحريري واللقاء الديموقراطي برئاسة النائب وليد جنبلاط.. هذا يعني أنه اتهم غالبية اللبنانيين بالخيانة والعمالة ووصمهم كلهم، ما عدا حزب الله، بأنهم من صنائع "المخطط الإمبريالي الصهيوني"، بما في ذلك أعضاء الحكومة اللبنانية الذين اختارهم الشعب اللبناني في انتخابات حرة وديموقراطية. وقد وجد حزب الله وغيره من أصدقاء سوريا في لبنان أنفسهم محرجين أمام هذه الاتهامات اللامسؤولة وأحكام الإعدام السياسي لمختلف القوى اللبنانية التي عليهم أن يتعاونوا معها في حماية لبنان وإعادة إعماره. إنه بهذا الخطاب السافر كمن يريد إثبات التهمة على نفسه فيما يخص التدخل في شؤون لبنان ومحاولة إسكات كل صوت يعارض المحور السوري الإيراني في ذلك البلد المنكوب. إنه يريد أن تكون لبنان جبهة مفتوحة يصفي من على أراضيها حساباته مع الآخرين. لقد كان الخطاب، كما يقول الحريري، استقواء على الدولة اللبنانية وضربٍ بمؤسساتها عرض الحائط.

لطالما التف حبل المشنقة على عنق الأسد فلم يجد من يبادر لإنقاذه إلا القادة العرب الذين وصفهم بأنصاف الرجال، ياترى هل سيمد هؤلاء القادة يد العون له بعد الآن دون الخوف من أن يعضها؟ لقد أصاب الحريري عين الحقيقة حينما وصف الخطاب بأنه "خطاب نكران الجميل للعرب وخطاب التحريض على الفتنة في لبنان". هؤلاء القادة العرب الذين طالما هبوا لإخراج الأسد من الورطات التي يضع نفسه فيها بسوء تدبيره وتقديره هم الذين يهبون الآن لتضميد جروح لبنان بينما هو بكلماته الهوجاء واستخفافه بالدولة اللبنانية ورموزها ينكأ هذه الجروح ولا يرضى إلا أن يبقى لبنان جرحا مفتوحا لا يتوقف عن النزيف.

إن كل ما تريده لبنان وتطالب به، حسب ما قاله رئيس حكومتها السيد فؤاد السنيورة، هو حقها المشروع في أن تكون، كغيرها من الدول، دولة حرة مستقلة كاملة السيادة صاحبة قرار واحد وسلطة لا ازدواجية فيها بحيث يكون جيشها واحد وسلاحها واحد وقيادتها واحدة. وإذا كان حزب الله نفسه وافق في جلسة الحكومة على هذا القرار بدون تحفظ، كما قال وزيره في الحكومة محمد فنيش، فما دخل سوريا لتوزع الاتهامات بسخاء هنا وهناك، فهذه هي البضاعة الوحيدة التي بقيت في جعبة الأسد. لماذا تحاول سوريا حرمان لبنان من حقها المشروع في الوحدة والاستقلال وتحاول أن توجه سياستها من بعد وتفرض عليها هيمنتها وتصم كل من يخالف إرادتها ويرفض السير في ركابها بأنه خائن وعميل؟ مسؤولية الدولة اللبنانية هو تحقيق الأمن لمواطنيها ورعاية مصالحهم وحفظ حقوقهم، لا أن تكون في مهب الريح تلعب بها مختلف المحاور وتوظفها لخدمة مشاريعها وتطرحها في سوق المزايدات الإقليمية والدولية.

أكثر ما ساءني أن أرى الجموع التي اكتظت بها القاعة تصفق للأسد وهو يلقي تلك الخطبة المستهجنة. تُرى هل هم مجبرون على التصفيق أم أنهم فعلا يؤيدون زعيمهم الأوحد فيما يقول. كلا الأمرين مصيبة. والأدهى والأمر أن يتقاطر هؤلاء على الفضائيات العربية بتصريحات نارية لا تقل فجاجة وفظاظة عن خطبة الزعيم، بحسب عادل إمام. فقد وصل الأمر بأحدهم أن يتهم سعد الحريري بأن خطابه الذي ألقاه ردا على خطاب بشار كان مترجما له من الأصل العبري، إلى هذا الحد من الإسفاف. إنه استغفال ما بعده استغفال لعقلية المشاهد وذوق المشاهد.

إنه لأمر محزن أن تنحدر الأمور في دمشق، عاصمة العرب الأولى، وسوريا بلد النضال والمناضلين إلى هذا الحد. حينما تسلم بشار الشاب المتعلم زمام السلطة استبشرنا خيرا بأنه سيدشن عصرا جديدا من الانفتاح والنماء والتطور لهذا البلد العريق المليء بالفرص والإمكانيات. لكنه بدلا من ذلك أجهز على ما تبقى فيها من رمق العزة والكرامة وأحالها إلى بلد فقير رغم ما تنعم به من خيرات وثروات ومن بشر صنعوا التاريخ ودخلوه قبل غيرهم من الأمم.

فلنقم بجرد حساب للمواقف تجاه لبنان. فرق بين أن ترمي سوريا بكل ثقلها في الساحة اللبنانية لتفرض على لبنان رؤيتها السياسية التي تخدم مصالح المحور السوري الإيراني وبين السعودية التي تجمع كل الفرقاء في الطائف ليقرروا جميعا بأنفسهم وبمحض إرادتهم ما يرونه في صالح لبنان. ولا يزال جميع الفرقاء متفقين بدون تحفظ على ما تم في الطائف وينادون صباح مساء بتنفيذ ذلك الاتفاق. فرق بين أن تدفع إيران مائة وخمسين مليون دولارا "من المال الطاهر" إلى حزب الله تحديدا ثمنا لولائه لها، بما يشكله ذلك من عبء سياسي على لبنان، تحت ذريعة تعويض المنكوبين وبين أن تدفع السعودية مليار ونصف المليار دولار، لا لتيار المستقبل مثلا، بل تودعها في مصرف لبنان المركزي وتسلمها لحكومة لبنان الشرعية من أجل إعادة الإعمار ومن أجل دعم الليرة والاقتصاد اللبناني.

لا شك أن المقاومة في لبنان صمدت صمودا يدعو للفخر والإعجاب. وخطاب قيادات حزب الله على وجه العموم خطاب مسؤول ومتعقل. فياليت حزب الله يستثمر هذه الشعبية التي حققها بين مختلف طوائف وأطياف الشعوب العربية بفضل مقاومته الصامدة وخطابه المتعقل ليضع يده في يدها بدلا من إيران، وياليت السيد حسن نصرالله بعقله الراجح ومنطقه المتزن وبحكم المكانة التي صار يتبوأها في نفوس الجماهير العربية يبدأ بالسعي الجاد نحو تقريب وجهات النظر بين السنة والشيعة ويوحد بينهم لتحل فكرة الوطن والمواطنة والعيش المشترك محل الاستقطابات المذهبية وانقسام الولاءات. لا أقصد من ذلك أن أحمل السيد حسن نصر الله المسؤولية فيما نعاني منه من انقسامات مذهبية، فهو بريء من ذلك، لكن هذا من باب حسن الظن والاعتراف بكفاءاته وقدراته واعتقادي بأن رأيه الآن صار محترما وصوته صار مسموعا في الشارع العربي. لو خاض هذه المعركة وانتصر فيها لكان حقق بذلك بطولة ما بعدها بطولة ولسجل انتصارا لن ينساه له التاريخ. لا يمكن أن ننتصر على عدونا ما لم ننتصر أولا على أنفسنا ونرص صفوفنا.

 







  

<<Previous   |  All Articles  |  Next>>